جاء قرار إغلاق السفارة الإثيوبية بالقاهرة ليطرح العديد من التساؤلات حول أسباب هذا القرار، وهل هي بالفعل اقتصادية كما صرح الجانب الإثيوبي؟ أم تكشف أزمة سياسية وصراعاً مكتوماً بين القاهرة وأديس أبابا على خلفية أزمة “سد النهضة”؟
وأكد عدد من الخبراء، في تعليقهم لـ”المجتمع”، أن هذا القرار سياسي بامتياز، ورسالة مباشرة من إثيوبيا بعدم التعاون في حل الأزمة وعدم جدوى التفاوض، وهو ما يضع مصر في مأزق ما بين التصعيد وغلق السفارة المصرية بأديس أبابا، أو محاولات التعامل بمرونة مع القرار قد لا تفيد كثيراً في ظل التعنت الإثيوبي.
أديس أبابا ترغب في توجيه رسالة مباشرة للقاهرة بعدم جدوى التفاوض
وكانت إثيوبيا قد أعلنت مؤخراً تعليق أعمال سفارتها بالقاهرة لمدة تتراوح بين 3 إلى 6 أشهر لأسباب مالية تتعلق بخفض تكاليف إدارة السفارة، بحسب تصريحات صحفية للسفير الإثيوبي بمصر، وهو ما شككت فيه بعض الجهات والمواقع الإعلامية باعتباره قراراً سياسياً يعكس غضباً مكتوماً بين البلدين على خلفية أزمة “سد النهضة”.
رسالة مباشرة بعدم جدوى التفاوض
من جانبه، قال رئيس المركز المصري لدراسات الإعلام مصطفى خضري: بالرغم من غلق وتخفيض وتعليق التمثيل الدبلوماسي لأديس أبابا بعدة عواصم عربية ودولية لأسباب اقتصادية؛ فإن شمول سفارة إثيوبيا في مصر ضمن تلك القرارات لا يمكن إرجاعه فقط للعوامل الاقتصادية المزعومة، ففي ظل أزمة السد الإثيوبي المصيرية بين القاهرة وأديس أبابا؛ كان من المتوقع أن تحافظ إثيوبيا على علاقات دبلوماسية متينة مع الجانب المصري، لا أن تقطع العلاقات بهذا الشكل، وهو ما يدل على أن أديس أبابا ترغب في توجيه رسالة مباشرة للقاهرة بعدم جدوى التفاوض، خاصة وأن إثيوبيا ليست صاحبة قرار حقيقي في أزمة السد، وإنما هي واجهة محلية للبنك الدولي وشركائه، وهم مالكو السد الحقيقيون.
أمام مصر خياران أحدهما تبريد الأزمة والتعامل معها كأنها لم تحدث
وحول تأثير هذا القرار على علاقات البلدين، قال خضري لـ”المجتمع”: في ضوء التصعيد الإعلامي المصري الأخير تجاه إثيوبيا، وما أعقبه من غلق للسفارة الإثيوبية في مصر، أتوقع تطور الصراع بين القاهرة وأديس أبابا، وربما نفاجأ بتدخل مصري مباشر لمنع الملء الثالث للسد، ولا أستبعد وجود يد للمخابرات المصرية في الحرب الأهلية التي يواجهها نظام آبي أحمد في إقليم تيجراي المجاور لمنطقة السد.
وحول البدائل المتاحة أمام مصر عقب هذا القرار قال: هناك بديلان أمام مصر؛ الأول وهو البديل الساخن بتصعيد الأزمة وسحب البعثة الدبلوماسية المصرية بأديس أبابا، أما البديل الآخر فهو تبريد الأزمة، والتعامل معها كأنها لم تحدث، ثم دفع النظام الإثيوبي ليتورط أكثر فأكثر في مستنقع الصراعات الداخلية، واستغلال تلك الأحداث لتدمير البنية التحتية للسد.
له أبعاد سياسية
بدوره، قال الكاتب الصحفي خالد الشريف: إن إغلاق السفارة الإثيوبية بالقاهرة لمدة 6 شهور قرار له أبعاد سياسية بلا شك، خاصة في ظل التوتر الشديد في العلاقات بين القاهرة وأديس أبابا، ورفض إثيوبيا المتواصل لأي تفاهمات أو حوارات حول “سد النهضة”، فهي ترغب في القطيعة الدبلوماسية مع مصر حتى تستكمل بناء السد، بل إن إثيوبيا تحاول استفزاز مصر وجرها لساحة الحرب.
الشريف: إثيوبيا ترغب في القطيعة الدبلوماسية مع مصر لتستكمل بناء السد
ووصف الشريف الموقف المصري بالضعيف مع إثيوبيا، معتقداً أن موضوع “سد النهضة” يحتاج إلى وقفة جادة، واستخدام القوة مطلوب لردع إثيوبيا، مؤكداً أن الموت على أعتاب السد الإثيوبي خير من الموت عطشاً، حسب قوله.
يمهد لقطع العلاقات
وفي سياق تعليقه، قال خبير العلاقات الدولية د. سيد أبو الخير: بالطبع هناك أسباب سياسية وراء هذا القرار متمثلة في “سد النهضة”؛ لأن الإعلان عن السفارات التي ستغلق لم يكن من ضمنها السفارة في مصر، إنما أضيفت مصر بعد صدور البيان الرئاسي من مجلس الأمن خلال هذا الشهر، وتضمن قرار التعليق كذلك السفارة الإثيوبية في الجزائر التي كانت آخر دولة تتوسط لحل الأزمة.
أبو الخير: غلق السفارة بمثابة إعلان حرب
وأضاف خبير العلاقات الدولية لـ”المجتمع”: نعم هذا القرار يفضح ما بين القاهرة وأديس أبابا من توترات سياسية وصلت لمرحلة ربما سيكون بعدها قطع العلاقات، ففي بعض الاتفاقيات الدولية ما ينص على أن غلق السفارة يكون بمثابة “إعلان حرب”، كما جاء في اتفاقيات “كامب ديفيد”.