بداية، وقبل كل شيء، أيها القارئ الكريم، ما التفاؤل؟
تفاؤل جاءت من كلمة “تفائل”، أي جعله يتفاءل به، كما قال أهل العلم بذلك، وهي كلمة لا تستعمل إلا للخير، وهي ضد كلمة التشاؤم أو الطيرة.
كان نبينا صلى الله عليه وسلم دائماً وأبداً لا يعجبه إلا التفاؤل والفأل الحسن، ويحث عليه ويُبْغِض ويُبَغِّض بالطيرة سواء بالحديث أو في اختيار الأسماء للمواليد، أو بالنظرة إلى المستقبل، وكما جاء في صحيح البخاري، أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “لا طيرة وخيرها الفأل”، قالوا: وما الفأل؟ قال: “الكلمة الصالحة يسمعها أحدكم”.
لا بد من التفاؤل مع الأحداث الإيجابية التي نراها في البلد هذه الأيام.
الممارسة الطيبة والكلمة الطيبة أو الصالحة تُسمعها الآخرين وأنت منشرح بها لعلك تزيل بها هموم السامع والمقابل وتؤجر عليها، لأنك لا تعلم ما في داخل نفوس الآخرين، فهذا لا يعلمه إلا الله تعالى، فلذلك دائماً وأبداً احرص على الكلمة الطيبة والصالحة لعلك تكسب من الأجور ما لا تعلم وما لا تتوقعه، بل هي كذلك، وأيضاً بيَّن ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم كما جاء في الصحيح: “ويعجبني الفأل الصالح والكلمة الحسنة”، فالتفاؤل دائماً وأبداً يؤدي إلى ما هو أفضل عملاً ونية وحركة وسكوناً واستبشاراً واستقبالاً للمستقبل، عكس الطيرة التي تكون أو بالأحرى تجعلك محضناً للتشاؤم وللأمراض النفسية والقلق والاكتئاب، ومحضناً لتوقع الأسوأ دائماً، وتوقع سوء الأضرار والشر، وهذا لا شك له تداعياته السلبية على نفسية الإنسان وإنتاجه ومعيشته، ومن ثم الفشل عملاً وتفكيراً وتوقعاً؛ فلذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم يكره الطيرة والتشاؤم، ويحب ويحث على التفاؤل والفأل الحسن وتوقعه، وهذا التفاؤل هو عكس الطيرة والتشاؤم، كما أسلفنا، فالتفاؤل محضن العمل والإنجاز والأمل والإشراق مستقبلاً، بل جاءت بعض الروايات تغلظ حذراً من الطيرة والتشاؤم، وأنه من الشرك بالله تعالى، كما جاء في السنن: “الطيرة شرك، الطيرة شرك، الطيرة شرك”.
لا شك هي عكس التفاؤل، فالتفاؤل لا طريق له، أو بالأحرى هو قنطرة النور للخروج من الكدر والاكتئاب والكربات، وهو سلوك جميل مقرون بالإيمان بالله تعالى، وهو دليل يقيني في يقين العبد بربه ورحمته، وإن أقداره كلها خير، قال تعالى: (وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ) (الأعراف: 156)، وروعة التفاؤل الإيمان برحمة الله تعالى ومغفرته، وما أجمل وأروع قوله تعالى لتعزيز التفاؤل والسعادة داخلياً في النفس والاطمئنان إلى رب غفور مقابل التوبة! قال تعالى: (غَافِرِ الذَّنبِ وَقَابِلِ التَّوْبِ) (غافر: 3).
ورسولنا صلى الله عليه وسلم في أضيق الظروف والمواضع يؤكد لنا أنه القدوة، وأنه رسول الرحمة والتفاؤل والسعادة والسرور دنيا وآخرة، في أحلك الظروف قال لصاحبه كما بين ذلك الله تعالى في كتابه العظيم: (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) (التوبة: 40).
كان رسول الله صلى الله عليه وسلم حريص على أن ينقل هذه الروح التفاؤلية إلى الصحابة للأخذ بها والتطبع بها، وكان في أشد المواقف يطمئن أصحابه بالتمسك بهذا التفاؤل وعدم التشاؤم، ومن أروع ما كان يضرب التفاؤل به مستقبلاً حديث البخاري وحديث الحيرة لعدي بن حاتم رضي الله عنه، قال: بينما أنا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ أتاه رجل فشكا إليه الفاقة، ثم أتاه آخر فشكا إليه قطع السبيل فقال: “يا عدي، هل رأيت الحيرة؟”، قلت: لم أرها، وقد أنبئت عنها، فقال: “إن طالت بك حياة لترين الظعينة ترحل من الحيرة حتى تطوف بالكعبة لا تخاف أحداً إلا الله”، قلت في نفسي: فأين دعّار طيء (قطاع الطرق) الذين سعروا في البلاد؟ قال: “ولئن طالت بك الحياة لتفتحن كنوز كسرى”، قلت: كسرى بن هرمز؟ قال: “كسرى بن هرمز”، وإن طالت بك حياة، لترين الرجل يخرج ملء كفه من ذهب أو فضة يطلب من يقبله فلا يجد أحداً يقبله منه”.
وبالفعل، كما يروي عدي، أنه رأى كل هذا الفأل الحسن الذي تحدث به أحسن وأطيب وأعطر وأصدق الخلائق عليه الصلاة والسلام.
تفاءلوا بالخير تجدوه.
_________
إعلامي كويتي.