من المتوقع أن تتضاعف قدرة الكهرباء في أفريقيا بحلول عام 2030، ومع الانخفاض السريع لتكلفة تقنيات الطاقة المتجددة، قد يبدو أن القارة تستعد لأن تصبح خضراء، لكن تحليلاً جديداً يشير إلى أن الوقود الأحفوري سيظل يهيمن على مزيج الطاقة في أفريقيا خلال العقد المقبل.
استخدم العلماء نهج التعلم الآلي الذي يحلل الخصائص، مثل نوع الوقود والتمويل، والتحكم في النجاحات الماضية وإخفاقات محطات الطاقة عبر القارة، تشير النتائج التي توصلوا إليها إلى أن مصادر الطاقة المتجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية ستشكل أقل من 10% من إجمالي توليد الطاقة الكهربائية في أفريقيا بحلول عام 2030، حسب إفادة الفريق، في 11 يناير، لمجلة “Nature Energy”.
في عام 2015، تعهدت 195 دولة بخفض انبعاثات الوقود الأحفوري للحد من ظاهرة الاحتباس الحراري “أقل بكثير” من درجتين مئويتين بحلول عام 2100، لتحقيق هذا الهدف، سيتعين على العالم أن يخفض انبعاثاته بنسبة 2.7% كل عام من 2020 إلى 2030، لكن التعهدات الحالية ليست في أي مكان قريب بما يكفي لتحقيقه، والطلب على الطاقة من الاقتصاديات النامية بما في ذلك العديد في القارة الأفريقية، من المتوقع أن يزداد بشكل كبير بحلول 2030، ولربما يؤدي إلى المزيد من انبعاثات الوقود الأحفوري خلال العقود القادمة.
ومع ذلك، فإن سعر تقنيات الطاقة المتجددة، ولا سيما طاقة الرياح والطاقة الشمسية، انخفضت بسرعة على مدى السنوات القليلة الماضية، وقال الكثير من العلماء والناشطين إنهم يأملون أن البلدان الأفريقية قد تكون قادرة على الاستفادة من هذه التقنيات، وتجاوز الفحم كثيف الكربون أو نمو الطاقة القائمة على النفط، والمباشرة في بناء محطات الطاقة المتجددة.
تقول جالينا ألوفا، عالمة الاستدامة في جامعة أكسفورد: لم يكن واضحًا ما إذا كان هذا سيناريو واقعيًا، هناك الكثير من عدم اليقين حول كيف ولماذا قد تنجح أو تفشل مشاريع الطاقة الجديدة والمخطط لها في القارة، وتضيف: أردنا أن نفهم ما إذا كانت أفريقيا تتجه بالفعل نحو تحقيق تلك القفزة الحاسمة، وأن نفعل ذلك بالنظر إلى البيانات.
لذلك، جمعت ألوفا جنبًا إلى جنب مع علماء الاستدامة في أكسفورد فيليب تروتر وأليكس موني بيانات حول ما يقرب من 3000 مشروع للطاقة –القائمة على الوقود الأحفوري والمتجدد– على مدار العشرين عامًا الماضية عبر 54 دولة في أفريقيا، وشملت تلك المشاريع كلاً من محطات الطاقة الناجحة والفاشلة، وتتضمن البيانات مجموعة متنوعة من الخصائص لـمحطات مختلفة، مثل مقدار الطاقة التي يمكن أن تنتجها محطة معينة، ونوع الوقود الذي تستخدمها، ومدى اتصالها بشبكة الطاقة، ومن يملك المحطة وكيف يتم تمويلها.
بعد ذلك، استخدم الفريق نهج التعلم الآلي لإنشاء خوارزمية كمبيوتر لتحديد أي من هذه الخصائص كانت أفضل مؤشرات النجاح في الماضي، وأخيرا، حلل العلماء فرص نجاح ما يقرب من 2500 مشروع قيد الإعداد الآن، بناءً على تلك الميزات وخصائص كل بلد، مثل القوة الاقتصادية والكثافة السكانية والاستقرار السياسي، يقول تروتر: هذه العوامل على مستوى الدولة مهمة، لكنها لم تكن أكبر المتنبئين لنجاح المشروع، كما نرى بعض الحقيقة في الحكم الرشيد، لكن (العوامل) على مستوى المشروع كانت أكثر أهمية باستمرار.
تشمل هذه العوامل على سبيل المثال حجم محطات الطاقة وما إذا كانت محطات الكهرباء عامة أو خاصة التمويل، حيث تميل محطات الطاقة المتجددة الأصغر إلى الحصول على فرصة أفضل للنجاح من المشاريع الكبيرة، كما فعلت المصانع المدعومة من الممولين المحليين الكبار، مثل البنك الدولي، التي تقل احتمالية انسحابه في مواجهة التأخيرات أو الحواجز، أما بالنسبة لنوع الوقود، كان هناك ارتفاع مؤخرًا في فرص نجاح الطاقة الشمسية على وجه الخصوص، وقد وجد الفريق -بشكل عام- أنه لا يزال أمام مشاريع النفط والغاز فرصة أكبر بكثير للنجاح.
كما وجد الفريق أنه بحلول عام 2030، سيظل الوقود الأحفوري يمثل الثلثين من كل الطاقة المولدة في القارة، وأن الطاقة المتجددة وخاصة الرياح والطاقة الشمسية، ستشكل أقل من 10%، والباقي، حوالي 18% عبارة عن مزيج الطاقة، الذي يأتي بشكل أساسي من الطاقة الكهرومائية.
ستضاعف محطات الطاقة الجديدة إجمالي سعة الكهرباء في القارة الأفريقية تقريبًا، فأقصى طاقة يمكن أن تولدها جميع المصانع -إذا كانت تعمل تحت الظروف المثالية– خلال العقد المقبل، سترتفع من حوالي 244 جيجاوات في عام 2019 إلى 472 جيجاوات في عام 2030 حسب دراسة جديدة، وتعتمد القدرة المتوقعة في عام 2030 على عدد المصانع الجديدة قيد الإنشاء مطروحًا منها تلك التي سيتم إنهاء الخدمة بها، بالإضافة إلى تلك التي تتوقعها الدراسة من المرجح أن تفشل.
اعتبارًا من أكتوبر 2019، كانت سعة طاقة الرياح والطاقة الشمسية حوالي 4% فقط، وبحلول عام 2030، ستزداد بنسبة 17%، على الرغم أنه من المتوقع أن يكون الناتج أقل من 10% من كهرباء القارة، وفي حين، سيأتي 62% من السعة من الوقود الأحفوري، بما في ذلك الفحم والغاز الطبيعي، و17% أخرى من الطاقة الكهرومائية، وتشمل مصادر الطاقة المخطط لها الأخرى الكتلة الحيوية وتقنيات الطاقة الحرارية الأرضية.
يقول ويكوس كروجر، باحث في قطاع الطاقة الأفريقي بجامعة كيب تاون بجنوب أفريقيا والذي لم يشارك في الدراسة الجديدة: كانت النتائج مفاجئة للغاية وغير مفاجئة بالنسبة لي، فالنتيجة أن المشروع على مستوى العوامل -على وجه الخصوص التمويل- مهم للغاية مع الأبحاث التي أجروها، وأنه أقل اقتناعًا بأن انخفاض تكلفة مصادر الطاقة المتجددة لن يكون عاملاً أكبر.
ويضيف: نحن نشهد هذا الاضطراب الهائل (في سوق الطاقة)، من حيث تكاليف الطاقة المتجددة، لقد غيرت تمامًا الطريقة التي يتم بها التخطيط، أما المثير حول هذه اللحظة المدمرة فهو أن مشاريع الطاقة المتجددة الأصغر تقع في دول الصراع التي كافحت تاريخيًا لإنجاز أي شيء، لكن هذه المشاريع المعيارية الصغيرة، فإن الناس على استعداد لوضع مبالغ صغيرة (من المال) فيها من تلك المشاريع التي تنشر المخاطر عبر مجموعة واسعة من البلدان.
يقول ألوفا: إن أحد العوامل الأخرى التي يمكن أن تغير توقعات الطاقة المتجددة هو وجود الكثير منها، حيث كان من المقرر إلغاء محطات الوقود الأحفوري الموجودة الآن، وهو ما يسميه الفريق (صدمة إزالة الكربون السريعة)، لكن هذا لن يحدث فقط بسبب انخفاض تكلفة تقنيات الطاقة المتجددة وحدها.
تواجه البلدان الأفريقية تحديًا صعبًا يتمثل في كيفية تحقيق التوازن بين التنمية الاجتماعية والاقتصادية مع الاستدامة، يقول تروتر: إن زيادة حصة الطاقة المتجددة في مزيج الكهرباء في أفريقيا لن تحدث تلقائيًا بواسطة يد غير مرئية، إنه شيء يجب أن يحدث من القمة، من الحكومات الأفريقية ومجتمع التنمية الدولي، والخطر هو أنه بمجرد أن تدخل محطة توليد الطاقة بالوقود الأحفوري مرحلة الإنتاج، فإنها ستبقى فيه لمدة 20 أو 30 عامًا، لذلك من المهم حقًا ألا تنغلق على هذه الأشياء، فما هو واضح من مجموعة البيانات لدينا أنه يتعين علينا التصرف الآن؛ هذا ليس شيئًا يمكننا تأجيله طويلاً.
____________________________________
(*) ترجمة وتحرير: بدر ثاني، والمقال نقلاً عن موقع “أثارة”.