للقانون والعدالة أهمية كبيرة سواء كانت هذه الأهمية بين البشر فيما بينهم، أو حتى بين البشر وغيرهم من مخلوقات مثل الطبيعة والبيئة، والطير والماء، والأرض والشجر وغيرهم، إلا أننا في سطورنا هذه سنتطرق للعدالة الاجتماعية أو بالأحرى العدالة الإنسانية للحياة أثراً ونتيجة.
نعم العدالة الاجتماعية، التي هي محور رئيس وجوهري وأساسي لاستمرار الكرامات ومن ثم الحضارات والحياة البشرية الكريمة مع بعضها بعضاً منسجمة رغم اختلافاتها العرقية والجغرافية والاعتقادية، ولا شك أن محور هذه العدالة الأخلاق، والاحترام المتبادل بين الجميع، ولا يمكن أن تستمر حياة كريمة لإنسان أو مجتمع أو حتى دولة من غير قانون من خلاله تقام العدالة.
نعم، من غير القانون والعدالة تتلاشى العزة والكرامة للإنسان فرداً وجماعة، ومن ثم سيادة قانون الغاب والحيوان، بل وتمتد ظلال عدم العدالة على البيئة والمخلوقات الأخرى كما تعيش كثير من الدول والمناطق في هذه الأزمات البيئية المدمرة التي فقدت فيها الإنسانية والعدالة، وبفقدان العدالة تتحول الدول والمجتمعات إلى لا إنسان، وتكون أقرب إلى حياة الحيوان، فيتمادى في السرقة اللصوص، وتبالغ في الجريمة الوحوش الذين يرون أنفسهم أصحاب الدماء الزرقاء، فتنهار وتتهاوى إنسانية الإنسان.
فبالعدالة تكون للحق جرأة ورونق، وبيان وعدم غموض، وبالقانون تظهر مروءة الرجال وعفة النساء، وعزة العزيز، وحماية الضعيف، وإذعان الغرور والمتجاوز المتغطرس، والأخذ بيد الجاهل وإرشاده للصواب، وصاحب الصواب تعزيزه ودعمه للاستمرار به والتطوير، فلذلك كل الحضارات بدأت لبناتها الأولى بالعدالة والقانون، وتلاشت بفقدان العدالة وإذلال وإذعان القانون للمتنفذين والمجرمين المتعالين، وهكذا سرعان ما تتهاوى الحضارة والتاريخ الطويل والعميق بأسرع مما نتصور، وذلك لعدم وجود العدالة والقانون.
يقول تعالى: (وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ) (الأعراف: 181)، ويقول جل شأنه: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) (النساء: 58).
العدل والمساواة هما العمود والمحور الأكبر والأساس لتعزيز العدالة، وذلك كما قال الله تعالى في كتابه العظيم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ بِالْقِسْطِ شُهَدَاء لِلّهِ وَلَوْ عَلَى أَنفُسِكُمْ أَوِ الْوَالِدَيْنِ وَالأَقْرَبِينَ) (النساء: 135)، وقال تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ) (النحل: 90).
إن الإنسان بطبيعته خلقه الله تعالى وجعله فطرة من المخلوقات الاجتماعية، ويتأثر في الوسط الذي يعيش فيه، ودون أي شك أيضاً كإنسان له تأثيره على الكتلة الاجتماعية التي يعيش فيها؛ فلذلك المجتمعات من أجل استقرارها سعت إلى أو على تنظيم هذه الحياة وعلاقاتها الاجتماعية، وذلك من أجل تحقيق الاستقرار، والاستقرار لا يكون كما هو معلوم إلا بالعدل والعدالة؛ أي إنشاء قانون يكرس هذه العدالة بين أفراد هذا المجتمع أو ذاك، فلذلك كان دين الإسلام هو الأظهر والأوضح من حيث العدالة ممارسة وتطبيقاً وعملاً، والشريعة الإسلامية هي أصل كل عدالة؛ لأن قوانينها وأحكامها نزلت من عند الله تعالى العادل العدل، الذي يقول في كتابه العظيم: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً).
والقانون هو الخطوة الأولى أو اللبنة الأولى على طريق العدالة، ولا بد من وجود قانون يعظم الحياة في كل اتجاهاتها وتخصصاتها، ومن ثم العمل على حماية حقوق الناس أفراداً وكتلاً ومؤسسات؛ لأن الأصل في القانون أن يضبط الأهواء والنزوات والشهوات بالمساواة أمام بنود القانون، وعدم التفريق بين الناس في الحقوق والواجبات، الناس سواسية أمام القانون والعدالة، ومن غير هذا يكون المجتمع في خطر، ومستقبله مجهول ومبهم، وغير واضح الاستقرار والأمان حاضراً، وهو مضطرب وأقرب إلى الفوضى، ومستقبلاً لا شكل أو صورة له إلا صورة السيادة الشيطانية التي تنخر في القانون والعدالة حاضراً لصناعة الضياع الأكيد مستقبلاً.