يشاهد العالم صامتاً عمليات خطف الأطفال و»السرقة القانونية» منزوعة الرحمة والإنسانية التي تستهدف أولاد الأسر المهاجرة لبعض دول الغرب، حيث يُنتزع الصغارُ من أحضانِ والديهم بلا رأفة بغضِ النظر عن عمره أو جنسيته أو ديانته.
في البداية، كان يظن البعض أنَّ تلك الممارسات كانت تستهدِف الأُسر والأطفال المسلمين من أجل محو عقيدتهم، لكن اتضح لاحقاً أنَّ من يسرق الأطفال لا يُميز بين كونه مسلماً أو غير ذلك.
«المجتمع» قرَّرت أن تعرف حقيقة ما يحدث، وأن تتواصل مع بعض أهالي الأطفال المخطوفين لتكتشف التفاصيل، وأن تَنقل قصَّة عائلتين تعيشان في السويد من خلال حوار مع كل منهما؛ لنتَعَرَّف على حقيقة تلك الأحداث المثيرة التي قد يراها البعض خيالية، غير أنها واقع أليم عاشه هؤلاء الناس ولا يزال مستمراً حتى هذه اللحظة.
وننوه بأن إحدى هاتين الأسرتين ليست مسلمة، كما سيأتي في الحوار مع رب العائلة.
هل يُمكن أن نتعرف عليك؟
– نظراً للظروف الأمنية، دعينا نقول: إن اسمي «رامي»، فنحن نُحاول ألَّا نلفت نظر «السوسيال» إلى هويتنا الحقيقية حفاظاً على أنفسنا، مقيم في دولة السويد، مُهاجر شرعي من إحدى الدول العربية منذ 10 سنوات تقريباً، ابنتي عمرها 13 عاماً، تم اختطافها من المدرسة من قِبل «السوسيال» منذ عامين.
ما قصتها؟ وكيف حدث ذلك؟
– كُنَّا قد قرَّرنا مُغادرة السويد والانتقال إلى دولة أخرى؛ لأنَّ السويد لم تناسبنا ولم تعجبنا الإقامة فيها، فقد وجدناها عبارة عن سجن مغلق.
خططنا للخروج بشكل نظامي، فأنا حريص على تنفيذ القانون وتطبيقه، وملفي نظيف لا يوجد به أي نقطة سوداء ولا حتى ملاحظة، تم أخذ مشورة الأسرة، وترتيب كل شيء.
وقبل السفر بأسبوع واحد تحدَّثت ابنتي مع صديقتها السويدية وأخبرتها بأننا سوف نترك السويد وننتقل إلى دولة أخرى، اتصلت الفتاة فوراً بـ”السوسيال” الذين جاؤوا بدورهم وأخذوا ابنتي من المدرسة خلال فترة بسيطة جداً.
الشعب السويدي كله مخابرات على المهاجرين وإذا لمح أحدهم أي شيء يتَّصل بالشرطة
هل صديقة ابنتك هي من اتصلت بـ”السوسيال”؟
– نعم، الشعب السويدي كله مخابرات؛ كل شخص شرطي، وإذا لمح أي شيء فوراً يتَّصل بالشرطة بشكلٍ لا يُصدِّقه أحد، خاصَّة فيما يتعلق بنا نحن المهاجرين.
وما المبرر أو السبب الذي دفع “السوسيال” لأخذ ابنتك؟
– جاء موظفو «السوسيال» وسحبوا البنت من المدرسة قبل أن نراها، وأخبروها أنهم سيهتمون بها وسينفقون عليها وسيغدقون عليها العطايا والهدايا، وأننا –أهلها- لا نحبها، وبعد ذلك أخبرونا أننا متهمون بمحاولة الهروب بالبنت لإرغامها على الحجاب والزواج.
وهل كنتم تخططون لزواج البنت فعلاً؟
– البنت عمرها 13 سنة، كيف يمكننا أن نفكر في ذلك؟! ولو أننا أردنا أن نرغمها على الحجاب لأرغمناها في السويد، ليس هناك داع لأن ننتقل من بلد مستقرين فيه ونحيا حياة طيبة فقط لأننا نريد أن ترتدي ابنتنا الحجاب! «السوسيال» يزوّرون الحقيقة ويلفقون التهم، بل إنهم يَكذِبون الكذبة ثم يصدقونها ويرغمون العالم على تصديقها أيضاً!
هؤلاء لم يستقبلونا كمهاجرين إلَّا لأسباب؛ فعندهم خطة خبيثة يفتحون لنا أبوابهم ثم يُلفقون لنا التهم، كما أنهم ينظرون إلينا على أننا أغبياء جهلاء لا نفهم شيئاً ومن ثم لا يمكننا تربية أبنائنا.
«السوسيال» يزوّرون الحقيقة ويلفقون التهم بل يَكذِبون الكذبة ويصدقونها ويرغمون العالم على تصديقها!
ماذا حدث بعد ذلك؟
– حققوا معنا، ولم يتركوا لنا فرصة للدفاع عن أنفسنا، في المحكمة لم يسمعوا لنا أصلاً، كُلُّ شيء تم إعداده سلفاً، لا دفاع عن النفس، رغم أن البنت ليس عليها آثار ضرب ولا عنف، ولكن لا أحد يسمع لك، الأمر محسوم والخطة جاهزة.
بعدما أخذوا البنت حاولوا اختراق الأم، فقدَّموا لها مجموعة من الوعود المغرية: سنشتري لك ولأبنائك مسكناً، ونعيد إليكِ ابنتك وسوف ننفق عليكم.
وماذا كان ردُّ زوجتك؟
– رفضت كُل ذلك بعد أن أصبحت على يقين أنهم مخادعون ولن يعيدوا لنا ابنتنا حتى وإن استمعت لهم ونفَّذت ما يطلبون منها.
وهل تركتم السويد بعدها؟
– لم نستطع أن نترك ابنتنا ونغادر، منذ عامين ونحن نحاول التواصل مع ابنتنا ولو مكالمة هاتفية، إلا أنهم رفضوا ذلك رفضاً قاطعاً، وأخبرونا أنها أصبح لديها أسرة جديدة تهتم بها وترعاها، إنهم يعاملوننا معاملة أسوأ من معاملة الحيوانات.
وهنا دخل والد البنت المخطوفة رامي في نوبة من البكاء الشديد، فسألنا الأم:
صفي لنا العلاقة بينك وبين ابنتك؟
– كانت رفيقتي، نتبادل الملابس معاً، نخرج معاً ونشاهد التلفاز، أشعر وكأنهم اقتلعوا مني عينيّ، عندما أفكر أين تنام ومع من تعيش أشعر بحُرقة شديدة ونار تشتعل في داخلي، أبكي بلا توقف أنا وزوجي.
أشعر أن عقلي توقَّف، لا نومنا نوم ولا أكلنا أكل، الموت أفضل لنا من هذه الحال، ولولا أن الله يُثبِّتنا لكُنَّا في وضع مختلف، لسنا نبكي على ابنتي فقط، نبكي على كل الأطفال وعلى الأُسر التي أخذوا أطفالها، ولكن المُلتجأ لله ليس لنا سواه.
وحال بيني وبين الأم كثير من البكاء الذي منعها من مواصلة الحديث.
ولقاؤنا الثاني مع «أبو سيف»، وهو عراقي الجنسية، يعيش في مدينة ستوكهولم بالسويد، وهو غير مسلم، وقد اختطفت ابنته وعمرها 15 عاماً، وكان لنا معه هذا اللقاء لنعرف قصته أيضاً.
مجموعة من البنات بالمدرسة تشاجرن مع ابنتي لأنها لا تلبس الصليب وهددنها بالقتل
كيف تم أخذ ابنتك منك؟ ما القصة؟
– في بداية القصة وأهمُّ جزء فيها أنني غير مسلم، أنتمي لطائفة «المندائيين»، وزوجتي عراقية، وابنتي عُمرها 15 عاماً.
والموضوع غريبٌ جداً، بدأ عام 2018م في أعياد المسيح؛ حيث عادت ابنتي من المدرسة تشعر بالرعب، وأخبرَتنا أن مجموعة من البنات في المدرسة تشاجرن معها وسألنها: لماذا لا ترتدين الصليب؟ فقالت لهم: إنه ليس رمزاً لديانتنا، لكنَّهن هددنها إن لم ترتد الصليب فسوف يقتلنها ويرمينها في الغابة.
طمأنتها وقلت لها ألَّا تخاف، وأن البلد “به قانون”، وفي اليوم التالي ذهبنا للمدرسة لنتحدث مع المديرة على أساس أنها مشكلة أطفال والأمر ليس كبيراً، كان هذا الحديث الساعة الثامنة والنصف صباحاً، والمديرة قالت: إن الأمر بسيط وستقوم بحلِّه ثم غادرنا.
وفي الساعة الحادية عشرة صباحاً، أي بعد أقلّ من 3 ساعات، اتصل بي موظف “السوسيال” وأخبرني أنه يريد التحدث معي، وفي الوقت نفسه اتصلوا بزوجتي أيضاً، ذهبت إليهم في الحال، فأخبروني بأنهم أخذوا ابنتي من المدرسة.
ما السبب الذي دفعهم لأخذ ابنتك بعد أن غادرتم من المدرسة؟
– بعد أقلّ من 3 ساعات، جاء 3 موظفين من «السوسيال» برفقة الشرطة وأخذوها، وعندما ذهبنا إليهم أخبرونا أن البنت قالت لهم: إن «بابا يضرب ماما ويضربني»، قُلت لهم: إنني كنت في المدرسة منذ ساعتين وأشكو من الطائفية والعنصرية، إلا أنهم ردوا بأن معلمة البنت اتصلت بهم وأخبرتهم أن ابنتي قد اشتكت من أني أضربها وأضرب أمها، وطبعاً هذه التهمة موجودة ومُعدَّة مُسبقاً ولا نقاش فيها، إذا أردت الاعتراض فعليك بتوكيل محام.
أين أخذوا ابنتك؟ وهل تواصلت معها بعد ذلك؟
– كانت في مدينة على بعد 400 كيلومتر من ستوكهولم، وفي خلال الـ15 يوماً الأولى البنت كان معها هاتفها، وكانت تتصل بي وتسألني: بابا، لماذا أخذوني؟ ومتى سأعود إليكم؟ وأخبرتني أنها حاولت الهرَب أكثر من مرَّة، لكن في كل مرة كانوا يعيدونها، فقرَّرت أن أذهب إليها بنفسي لاسترجاعها، إلَّا أنَّ صديقاً لي نصحني ألَّا أذهب وأن أبلغ الشرطة لتعيد إليَّ ابنتي.
قمت بالاتصال بالشرطة وأخبرتهم بأني أتواصل مع ابنتي وأنها في مدينة كذا، وأن “السوسيال” قد اختطفها، بعد 15 دقيقة أصبح هاتف ابنتي مغلقاً، والشرطة لم تخبرنا بأي شيء عنها.
كل المكالمات مُسجلة على هاتفي بيني وبين ابنتي وبيني وبين الشرطة لكن المحكمة تغيِّر كلامنا
ألم تُقاضِ الشرطة أو تشتكِ كونها متواطئة مع “السوسيال”؟
– كانت كُل المُكالمات مُسجلة على هاتفي بيني وبين ابنتي، وبيني وبين الشرطة، لكن في المحكمة نقول شيئاً ويُكتب شيء مختلف تماماً، لا أدري من أين جاؤوا بكل ما كتبوا، لكن الخطة جاهزة مُسبقاً، والتهم مُحددة لإلصاقها بمن يقع عليه الاختيار.
هل التقيتم بابنتكم بعد ذلك؟
– لقد حاولت ابنتي أن تنتحر أكثر من 6 مرات منذ اختطافها في العام 2018 وحتى الآن في عام 2022م، ولم أكن قد التقيت بها حتى تمّ ترتيب لِقاءٍ لنا كان مليئاً بالمشاعر، وكانت خلال هذه الفترة مع أسرة أخرى، وتبع ذلك اللِّقاء عددٌ من اللِّقاءات الأخرى المُتفرِّقة عندما كانوا يحضرونها لزيارة أمها.
ألا تعيش أنت وأمها في نفس البيت؟
– أثناء التحقيقات قدَّموا مغرياتٍ كثيرة للأم، وأقنعها موظف «السوسيال» أنها إذا انفصلت عني فسوف يُعيدون إليها ابنتها، وأنَّ هذا عربي صفته كذا وكذا، ويمنعكم من حرياتكم، وتحت إلحاحهم وخشية فقدان ابنتنا وافقنا على الانفصال، وتم ذلك.
وأعادوا البنت بعد ذلك لأمها؟
– لا، ولكن سمحوا لها بزيارات كل فترة حتى جاء يوم كانت ابنتي عند والدتها فاتصلت بي وأخبرتني أنَّها تُريد الإقامة معي وليس مع الأسرة الجديدة، وبالفعل قامت ابنتي بعمل مكالمة جماعية ضمتني فيها مع المسؤولة، لم أتحدَّث خلال المكالمة وبقيت صامتاً، شرحت ابنتي للمسؤولة أنَّها تُريد الإقامة معي وردّت عليها بأنَّهم سوف ينظرون في الأمر، وخلال نصف ساعة اتصلت أمها وقالت: إنَّ 3 أشخاص جاؤوا وأخذوا البنت ولم ترها أبداً منذ ذلك الحين، لقد اختفت تماماً.
وبعد ذلك ماذا حدث؟
– ما حدث أنني فقدت ابنتي وفقدت زوجتي أيضاً، وأنا مُصابٌ بإحباط شديد، حتى فكَّرت بالانتحار، فالموقف أكبر من طاقتي.
في النهاية، هل تُحبُ أن تُضيف شيئاً؟
– نعم، أريد أن أختم حديثي بموقف حدث مع صديقي، في روضة الأطفال قامت المعلمة بوضع جهاز «آيباد» على الطاولة، وقالت: من يريد أن يأخذ «الآيباد» ليلعب به، قال الأطفال جميعهم: أنا، فقالت المعلمة: سوف يأخذه من يقول لي: «بابا يضرب ماما؟».
فرفع 4 أولاد أيديهم بالموافقة، وبعد ساعة كان “السوسيال” في المدرسة وأخذوا الأطفال الأربعة!
نحن تحت سيطرة عصابة متوحشة، والموضوع لا يقتصر على ديانة دون أخرى، فقد حوَّلوا حياتي إلى جحيم، حرفياً أنا فقط أعيش بالاسم، لا أخرج إلَّا لشراء الطعام ثم أعود سريعاً، لم أعد أتواصل مع أحد، ولو أنني علمت أن هذا ما سيحدث لي في السويد التي كانوا يقولون عنها بأنها جنة الله في أرضه لما تركت العراق ولا لساعة واحدة.
انتهى حديث أبو سيف عندما أجهش بالبكاء، لكن لم تنته القصة، ولم تنته الدموع، وقبل أن نتوقف هنا قليلاً لالتقاط الأنفاس دعونا نلاحظ أنَّ التفاصيل الأساسية في كل القصص متشابهة، وكل هذه المأساة وما زالت القضية لم تأخذ زخمها الذي تستحق، ولم يتم تسليط الضوء الكافي على تلك المعاناة الإنسانية بالشكل المناسب، وهذا ما نحاول فعله من خلال “المجتمع”، وللحديث بقية.