سؤال وجيه (عنوان الموضوع)، يسأله الكثيرون، وسألته لنفسي (كاتب الموضوع) منذ سنوات حين أردت أن أهدي نسخة من ترجمة معاني القرآن الكريم بالإنجليزية لمشرفي على رسالة الدكتوراة بجامعة برمنجهام، فما الإجابة، مع التعدد الكبير للترجمات؟
مرت الترجمات الأوروبية لمعاني القرآن الكريم بأربع مراحل؛ بدأت في القرن الحادي عشر الميلادي، وتم خلالها الترجمة اللاتينية، أعقبتها المرحلة الثانية بالترجمة من اللاتينية إلى اللغات الأوروبية، ثم دخل المستشرقون في المرحلة الثالثة بالترجمة من العربية إلى اللغات الأوروبية مباشرة، وأخيراً مرحلة دخول المسلمين؛ فترجموا المعاني إلى العديد من اللغات الأوروبية الحية(1).
وقد رصد مركز الأبحاث بإسطنبول 84 لغة تُرجمت إليها معاني القرآن الكريم، أما عدد الترجمات الكاملة للإنجليزية فبلغت 33، وما زال العدد في ازدياد(2).
وقد ترجم مجمع الملك فهد للمصحف الشريف معاني القرآن إلى 74 لغة كبرى، يشكل المتحدثون بها 70% من سكان العالم(3).
مجمع الملك فهد ترجم معاني القرآن إلى 74 لغة يشكل المتحدثون بها 70% من سكان العالم
الترجمات حتى العقد الأخير من القرن العشرين:
اندفع المسلمون الغيورون على دينهم إلى ترجمة معاني القرآن الكريم، لحاجة المسلمين غير الناطقين بالعربية، وبهدف تعريف غير المسلمين بالإسلام الصحيح، ورد الافتراءات الباطلة التي حملتها الترجمات السابقة التي قام بها غير المسلمين أو المبتدعة، وهذا سرد سريع لأهمها(4):
1- ترجمة محمد عبدالحكيم خان عام 1905م، وقد وضع بعض التعليقات المستنبطة من القرآن والسُّنة، ومن التوراة والإنجيل وبعض الحقائق العلمية.
2- ترجمة ميرزا الدهلوي عام 1912م في دلهي، وساعده على التأليف عدة علماء، وكان الهدف الرئيس هو الرد على المستشرقين أمثال: روس، وسيل، ورودويل، وبالمر، وبيل.
3- ترجمة محمد مارمادوك بيكتال عام 1930م، وهي أول ترجمة قام بها مسلم بريطاني، كان أبوه قسيساً، ونال الليسانس في الصحافة واللغة من كامبردج، وقضى سنوات في القاهرة وفلسطين، واعتنق الإسلام عام 1917م، وقد اتصل بعلماء الأزهر ففحصت ترجمته قبل طبعها، بمساعدة أحد العلماء، واستعمل ألفاظاً إنجليزية قديمة وربما كان ذلك بغية محاكاة لغة الإنجيل.
5- ترجمة عبدالله يوسف علي عام 1938م، وهي تعد من أوسع الترجمات انتشاراً، وبالرغم من الجهد الكبير الذي بذله، فإن ترجمته احتوت أخطاء لغوية، وبعض المخالفات الشرعية مثل تأويله لكل ما هو نعيم حسي في الجنة بأنه نعيم معنوي، وذكر أنه ينتمي إلى الفرقة الباطنية المعروفة بالبهرة الداودية(5).
وذكر بعض الباحثين أن تعليقات المترجم (وليس الترجمة فهي جيدة) فيها بعض المخالفات، مثل تعليقه على رفع عيسى عليه السلام (حيث أخذ برأي القاديانية أنه مات ودفن)، ومسخ قوم من بني إسرائيل (وقد أخذ رأي القادياني في أن المسخ في القلوب)(6).
5- ترجمة أبي الأعلى المودودي في لاهور عام 1967م، وهي ترجمة لتفسيره بالأردية وعنوانه «تفهيم القرآن».
6- ترجمة محمد تقي الدين الهلالي، ومحمد محسن خان عام 1974م، تحت اسم «تفسير معاني القرآن الكريم باللغة الإنجليزية: مقتبس من تفسير الطبري والقرطبي وابن كثير وصحيح البخاري»، وتبنتها السعودية، وطبعت في مجمع الملك فهد، أوصى بها باحثون لتميزها بالسلامة العقدية.
7- ترجمة محمد أسد (مسلم نمساوي من أصل يهودي) اسمها «رسالة القرآن» عام 1980م، ويعترف بأنه يدين بالفضل فيها للشيخ محمد عبده في «رسالة التوحيد»؛ فقد قلد منهجه وكان عقلانياً، لكن انتقدها بعض الدارسين لميله لتأويل المعجزات القرآنية تأويلاً مادياً، وترجيحه عدم عصمة الأنبياء(7).
ترجمات بعد العقد الأخير من القرن العشرين:
1- ترجمة محمد غالي عام 1996م، مؤسس كلية اللغات والترجمة بالأزهر، يرى التركيز على المعنى، وعدم ترجمة التفسير فقط؛ لأنها تمثل في رأيه ابتعاداً عن المقصد القرآني بدرجتين؛ واحدة للتفسير، وأخرى للترجمة، كما أنها تمثل ترجمة لأفكار المفسر ومذهبه في التفسير وتحتمل الخطأ، وهو يرى أن كل لفظ في القرآن مقصود لذاته، ولا يتماثل مع مترادفه مهما بلغت أوجه التشابه(8).
2- «صحيح إنترناشيونال» (Saheeh International) عام 1997م، وهي ترجمة لمعاني القرآن قام بها فريق من ثلاث نساء أمريكيات اعتنقن الإسلام، لكن ليس فيها النص العربي للقرآن.
3- ترجمة محمد عبدالحليم عام 2004م، وهي تُعد واحدة من أفضل الترجمات الإنجليزية المعاصرة، وهو رئيس مركز الدراسات الإسلامية بجامعة لندن، وخريج كلية دار العلوم، وفي مقدمة كتابه ذكر بعض الأساسيات التي استخدمها في الترجمة: العلاقة النصية (تفسير القرآن بالقرآن)، وسياق الآيات، وتحديد جوانب المعنى، وتكوين الفقرات، ومقدمات السور(9).
4- ترجمة طريف الخالدي، الأستاذ بالجامعة الأمريكية ببيروت، بدأ كتابه المسمى «القرآن.. ترجمة جديدة» عام 2008م، بنبذة عن نزول وحفظ القرآن، وقال: لأن القرآن نزل منجماً، فقسم النص إلى مجموعة آيات مع إبقاء ترتيب السور كالمصحف العثماني، وغيّر أسلوب النص حسب معناه؛ فالنص بالإنجليزية يكون أقرب إلى النثر عندما يتصل الموضوع بالقصص أو بالأحكام، ويكون في مواضع أخرى أقرب إلى الوجدانية، وهنا تصبح هذه الترجمة عمودية(10).
اتضح من هذه القائمة أن لكل مترجم أسلوبه الخاص الذي يحاول به تبسيط الرسالة بشرط ألا يقع به في عيب الترجمة، وهو التضحية بالنسق القرآني –فكرياً ولغوياً– الذي جعل العرب يدركون أن ذلك ليس من كلام البشر الذي يعرفونه؛ بل إن فيه روحاً مختلفة.
احذر ترجمات القاديانيين والشيعة:
جاءت ترجمات القاديانيين والشيعة مُحرفة وبعيدة عن المعنى لخدمة أهدافهم ومعتقداتهم، منها إنكار أن الرسول صلى الله عليه وسلم كان خاتم الأنبياء، ومنها الاعتقاد أن ميرزا غلام أحمد هو المسيح الموعود آخر الزمان، وتضمنت تأويلات فاسدة ومخالفة لإجماع المسلمين، ومنها ترجمة علي اللاهوري المطبوعة عام 1916م، وترجمة ظفر الله خان المطبوعة في عام 1971م، وترجمة ميرزا بشير الدين عام 1949م، وترجمة خواجة كمال الدين «التفسير العصري للقرآن الكريم» عام 1948م.
أما ترجمات الشيعة، فمن أهمها: ترجمة مير أحمد علي؛ حيث تنعكس العقائد الشيعية بالكامل في التعليقات المصاحبة للكتاب الذي سماه «القرآن الكريم مع الترجمة الإنجليزية والتعليق، وفقاً لنسخة أهل البيت المقدس، تتضمن ملاحظات خاصة كتبها آية الله يزدي حول الجوانب الفلسفية للآيات»، طبع عام 1964م، وترجمة شاكر عام 1997م، وترجمة علي قولي قرائي عام 2005م.
الحاجة إلى توصيل ترجمة معاني القرآن:
الحاجة ملحة لترجمة معاني القرآن من قبل مسلمين لديهم أصالة اللغتين ونقاء العقيدتين
لا شك أن نصوص القرآن تفقد الكثير من سماتها في الترجمة، ولا يقتصر الأمر على مجرد نقل المعنى؛ حيث يُحمل النصّ ما هو أكثر من هذا، ولكن إن كان القرآن لا يمكن ترجمته بالكمال، فمع ازدياد المسلمين غير العرب أضحت الحاجة لترجمة معانيه ضرورة ملحة! والأكثر إلحاحاً ترجمته من قبل مسلمين لديهم أصالة اللغتين (العربية والغربية)، ونقاء العقيدتين (بالله سبحانه إلهاً، وبمحمد رسولاً).
يعتبر القرآن الكريم أحد أهم أسباب دخول الأوروبيين للإسلام، وطبقاً لمعهد الأبحاث «موري»، لا يشعر معظم البريطانيين (57%) أن لديهم الكثير من الفهم أو المعرفة عن الإسلام، والاستطلاعات تؤكد أن المفاهيم الخاطئة منتشرة على نطاق واسع(11)، وهذا يدل على ضرورة الدعوة بكل أدواتها المتطورة، وبكل اللغات للعالم المتعطش روحياً.
أما إجابة السؤال فأتركها للقارئ، أما أنا (كاتب الموضوع) فقد أهديت مشرفي ترجمة تفسير المعاني للهلالي، وخان، أما الآن فسأهدي ترجمة المعاني لمحمد عبدالحليم التي قال عنها عناني، شيخ المترجمين: إنها ترجمة بديعة بلغة إنجليزية معاصرة.
_______________________________________________________________
(1) محمد فكري، أوائل ترجمات معاني القرآن الكريم في اللغات الأوروبية، ص11.
(2) عصمت بينارق، البيبليوغرافيا العالمية لترجمات معاني القرآن الكريم، إسطنبول: مركز الأبحاث للتاريخ والفنون والثقافة الإسلامية، 1986م، ص26.
(3) موقع مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف بِسواعدَ سعوديةٍ مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف يُنتج 18 مليون نسخة سنوياً، 25 أغسطس 2019.
(4) عبدالله الخطيب، الجهود المبذولة في ترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية، ص107-108.
(5) عبدالله الخطيب، «عبد الله يوسف علي، مترجم القرآن إلى الإنجليزية: جوانب من حياته ونظرات نقدية في ترجمته»، مجلة الدراسات القرآنية، جامعة لندن، المجلد11، العدد1، 2009، ص 169.
(6) بهجت الحباشنة، «ترجمة عبدالله يوسف علي لمعاني القرآن الكريم في ضوء الكتاب والسُّنة دراسة عقدية نقدية»، المجلة الأردنية في الدراسات الإسلامية، العدد 1 (1) 2005، ص1-11.
(7) عبدالمنعم الحفني، موسوعة الفلسفة والفلاسفة، ط3، القاهرة: مكتبة مدبولي، 2010، ج2، ص1239.
(8) Ghali. Towards Understanding the Ever-Glorious Quran. Publishing House for Universities, Egypt. (1417 AH), 1996.
(9) Abdel Haleem. The Qur›an: English translation and Parallel Arabic text. Oxford University Press, 2010.
(10) Tarif Khalidi, The Qur›an, A new translation by (Penguin Classics) 2008.
(11) Ipsos MORI, A review of survey research on Muslims in Great Britain. Ipsos MORI, London, 2018, p9.