يتحدث البعض في الأردن ويتهامس: لمَ لا يتم إلغاء وزارة التنمية السياسية بعد أن تم إقرار جميع التشريعات المؤثرة في تحديث العملية السياسية من تعديلات دستورية وتعديلات قانون الانتخاب -القانون الأهم في تشكيل الحياة السياسية- وقانون الأحزاب؟
لكن الحقيقة أن وزارة التنمية السياسية ما زالت من أهم الوزارات التي نحتاجها في المرحلة القادمة، ومحاولة الانتقاص من الوزارة ودورها وما يمكن أن تقوم به هو جزء من الجهل بأهمية مثل هذه الوزارة، وأهمية الدور الذي يمكن أن تمارسه في المرحلة القادمة إذا ما تم تفعيلها بالشكل المطلوب.
بلا شك أن وزارة التنمية السياسية لم تقم بالدور المراد بالشكل المطلوب خلال السنوات الطويلة، ولو أنها قامت بدورها كما هو محدد لها لما وصلنا إلى ما وصلنا إليه من حالة تيئيس سياسي يعيشها الشارع الأردني، استثمر فيها كل من لا يؤمن بالإصلاح المتدرج ويريد أخذ الإصلاح السياسي إلى مربعات أخرى لا تخدم الأردن ولا استقراره، سواء أراد ذلك أم لم يرده، إذ لولا الإرادة الملكية الحاسمة لما كنا وصلنا إلى جرعة الإصلاحات السياسية التي وصلنا لها حالياً؛ مما يعني أن أمام الوزير القادم للتنمية السياسية كثيراً من الملفات الحساسة التي يجب أن يعمل عليها أهمها:
– إنهاء ملف المعارضة الخارجية: محاولة إهمال المشكلة والتعامي عنها وإنكارها وتجاهلها لن يحلها، المعارضة الخارجية الآن أصبحت واقعاً، وهي من تشكل قناعات بعض شرائح الشعب الأردني عبر البث على مواقع التواصل الاجتماعي، هذه المعارضة معروفة الخطاب ومعروفة الأهداف وتريد جر المطالب الإصلاحية المشروعة إلى مربعات أخرى فيها خطر كبير على استقرار الأردن وأمنه وسلمه في ظل هذا الوضع غير المستقر في المنطقة.
ملف المعارضة الخارجية يحتاج إلى وزير تنمية سياسية حاذق يعرف كيف يقنع المعارضة ويدعوها للوقوف في مربع المطالبة بالإصلاح المتدرج والعودة إلى أرض الوطن والمشاركة في العمل الإصلاحي من الداخل، إصلاح متدرج تستوعبه البيئة الأردنية ولا يترك آثاراً سلبية أو ردوداً غير محسوبة النتائج.
بلا شك أن المقاربات القانونية والقضائية في تجريم المعارضة يمكن أن تعقد المشكلة بشكل أكبر وتجعل الموضوع أكثر استعصاء على الحل، وزير التنمية السياسية القادم الأصل أن يأتي ولديه تصور واضح عن كيفية الحل لهذا الملف الذي أصبح يشكل حالة صداع لمستقبل المرحلة السياسية القادمة.
كما أن المعارضة الخارجية لا يمكن وضعها في سلة واحدة، فكل من لم يتورط في التعامل مع دولة الاحتلال بالتآمر على الوطن ونظامه السياسي فأظن أن حضن الوطن قادر على استعادته وإعادة إدماجه في الحياة السياسية مرة أخرى، وفي سياسة الملك الراحل الحسين، رحمه الله، تجربة ثرية في التعامل مع من تورط في انقلاب الخمسينيات، إذ يمكن إعادة الاستفادة من هذه التجربة بما يناسب هذه المرحلة التي نعيش، تجربة يمكن أن تعيد ضبط الملف بما يحقق مصلحة الوطن ومصالحه العليا، أما حقوق جلالة الملك فلا أشك أن الملك أكثر من يمكنه التنازل والتضحية في حقوقه بمقابل مصلحة الوطن العليا.
– إنهاء ملف التيئيس السياسي: كثير هي العوامل التي أدت إلى نشوء حالة من التيئيس السياسي في الشارع الأردني، هذه الحالة انعكست على المشاركة في الانتخابات البرلمانية لعام 2020، إذ لم يخرج لصناديق الاقتراع إلا 29% ممن يحق لهم التصويت، في حين خرج في انتخابات عام 2016 ما نسبته 37%، فيما كانت في يناير 2013 نسبة المشاركة 56.5%، هذا التراجع عن المشاركة في الانتخابات نتيجة نشر وإشاعة حالة تيئيس سياسي كبير مارستها بعض المعارضات التي لا تؤمن بالإصلاح المتدرج وتريد الإصلاح بكبسة الزر وبشكل طوبائي غير واقعي، كما كان للوضع الاقتصادي دور كبير في نشر حالة التيئيس السياسي التي نعيش.
على وزير التنمية السياسية القادم أن ينزل إلى الميدان، وأن يحتك احتكاكاً مباشراً بالأحزاب المعارضة وصناع القرار فيها، ويحاورها ويبين لهم الفرص السياسية الحقيقية التي يمكن أن تنتج عن المشاركة الفاعلة في الانتخابات القادمة، وحض الناس على الخروج إلى الصناديق ودور ذلك في تحسين المخرجات السياسية، على وزير التنمية السياسية القادم ضرورة التواصل مع بعض الأصوات الإعلامية التي تنشر اليأس والتيئيس السياسي، ويبين لها ويوضح لها حقيقة تلك الإصلاحات حتى تنشر الأخبار والتحليلات من واقع الحال لا بناء على الانطباعات المسبقة وكسب الشعبويات، وزير التنمية السياسية القادمة ملزم بالاشتباك المباشر مع معظم شرائح الشعب، وخصوصاً الشباب، في الحض على المشاركة في العملية السياسية، والطواف على الجامعات والنزول إلى التجمعات الطلابية وتشجيعها على الانخراط الفاعل في الحياة السياسية.
على وزير التنمية السياسية القادم أن يشارك في صياغة المناهج التعليمية في مادة التربية السياسية التي تتحدث عنها وزارة التربية والتعليم، فللمخرجات التعليمية دور كبير في إعادة تشكيل عقلية جيل المستقبل سياسياً.
بلا شك أنها ملفات شائكة ومعقدة، لكن حسن اختيار وزير للتنمية السياسية القادم من رحم النخب السياسية المتوازنة والراشدة والواقعية في الطرح والحل ينال ثقة المعارضة بكل أشكالها، وزير يكون ذا شخصية ورأي سياسي راشد قادر أن يذهب إلى مقاربات سياسية جريئة، ويقدم حلولاً خارج الصندوق المعهود يمكن أن يحل أو حتى يلطّف من هذه الحالة السياسية المحتقنة التي تخيم على الجميع، ونذهب بعدها إلى انتخابات البرلمان القادم، ويقف الجميع على مربع تقديم البرامج وطرح الحلول لمشكلات الناس اليومية والحياتية بدلاً من التشكيك في العملية السياسية ونشر التيئيس الذي لن يقدم للجميع والوطن إلا مزيداً من التراجع والنكوص والخسران الذي يضر الوطن والجميع.