الكاتب الصحفي المتخصص في الشؤون العربية التركية والمحلل السياسي، حمزة تكين، صاحب حضور إعلامي مؤثر نابع من اعتزازه بهويته الإسلامية وقوميته التركية، فهو حاصل على درجة البكالوريوس في الشريعة الإسلامية، والماجستير في الدراسات الإسلامية، والدكتوراة الفخرية من عدة جامعات، ومؤمن بالتجربة التركية المصنوعة في حزب العدالة والتنمية، وله العديد من الآراء لمد جسور التعاون العربي التركي، خاصة الكويت.
تكين فتح قلبه، في حوار مع «المجتمع»، تحدث فيه بتفاؤل حذر ورؤية مدروسة عن المستقبل التركي وتشابكات الأحداث في المنطقة، مؤكداً أنه على العالم أن ينتظر تركيا جديدة في نهاية العام القادم ذات ثقل أكثر وتأثير أقوى، من تأثير الدولة العثمانية ذاتها.
بعد الترحيب، نبدأ بالأهم، الرئيس «أردوغان» كان دائماً يقول: إن «تركيا 2023» ستكون غير، فما المتوقع؟
– نبادلكم محبة وتقديراً للكويت وشعبها ولمجلة «المجتمع»، والحقيقة أن تركيا ستكون «غير» في أواخر العام 2023م، حيث سنكون أمام تركيا جديدة، وهذا ليس وصفاً عاطفياً أو قائماً على أمنيات، بل هو قائم على أرقام ودراسات وخطط ومعطيات ومشروعات قامت بها تركيا منذ 20 عاماً، تحت رئاسة أردوغان مع حزب العدالة والتنمية.
ما أهم الأهداف التي سنرى لها أفقاً في هذا العام؟
– أهم هذه الأهداف هي أن تكون تركيا في مصاف القوى العشر الأولى في العالم، من حيث المكانة والقوة الاقتصادية، واليوم الاقتصاد التركي بدأ ينافس رغم المعاناة العالمية وتداعيات جائحة «كورونا»، لكن الاقتصاد التركي ظل صامداً ويتقدم، ومن المهم هنا أن نفرق بين الاقتصاد والعملة، فتراجع العملة في وقت ما لا يعني تراجع الاقتصاد، فنحن من أقوى الاقتصاديات الآن.
وتركيا تصدر بقيمة 250 مليار دولار في السنة؛ ما جعلها قوة اقتصادية معتبرة، كما أنها على باب استخراج الغاز من البحر الأسود، والجرعة الأولى ستكون هذه السنة رغم التعقيدات واللغط على التجربة.
والحديث عن قوة الليرة وربطها بقوة الاقتصاد التركي ليس دقيقاً، فالأزمة دولية، والجميع يعاني من التضخم، والرئيس أردوغان مُصرٌّ على تراجع التضخم وهو ما سيؤدي إلى تحسين موقف الليرة.
ويجب التأكيد أنه قد يكون الاقتصاد قوياً والعملة ضعيفة مثل الصين، ومشكلاتنا في وجود استيراد أكبر من التصدير رغم ارتفاعه، خاصة استيراد الغاز، بجانب عدم وجود مواد خام، وبالتالي فهناك مصروفات باهظة تدفع سلباً من قوة الليرة والميزان التجاري التركي، وبالتالي فحل هذه المشكلات حل لمشكلة قوة الليرة، لذا نحن نواصل السعي وعندنا ثقة في النجاح.
لا اقتصاد قوياً دون قوة عسكرية وتأثير سياسي، هل يمكن أن نشهد بشائر لهما في هذا العام؟
– طبعاً، فإن الهدف الثاني هو أن تصبح تركيا قوة سياسية عظمى في العالم وفي الإقليم والمنطقة، والرئيس أردوغان يؤكد على ذلك منذ عامين أو ثلاثة أعوام، ويؤكد أن النظام العالمي الجديد يتشكل وتركيا ستكون قوة عظمى وذات مكانة متقدمة فيه.
والأمر الذي يساعد على ذلك هو وجود اقتصاد قوي، بجانب القوة العسكرية، فنحن ثاني أكبر جيش في حلف “الناتو”، ونحن قوة عسكرية مصنعة للسلاح الثقيل وليست مستوردة، ولدينا صناعات دفاعية مهولة، وتكنولوجيا عسكرية متقدمة جداً، وربما تركيا تأخرت ولكن خلال 20 سنة من حكم أردوغان والعدالة والتنمية عوضنا 70 سنة من التأخير، وسلاحنا التركي بات ينافس، وهناك دول عربية من المستفيدين من السلاح التركي، وليس غريباً بعد ذلك أن أقول: إن أكثر من 75% من سلاحنا يصنع في الداخل التركي بخبرات تركية ومعدات تركية وأيد تركية، ومن المقرر إقلاع أولى طائرات تركيا الحربية الخاصة في عام 2023م، ولم يتم وضع اسم لها بعد، ولكنها ستكون قادرة على منافسة “إف 35” الأمريكية.
لكن، هل الاقتصاد والسياسة والصناعات العسكرية فقط ستجدي مع الشعب التركي؟
– الإشارة إلى الاقتصاد والسياسة والصناعة العسكرية هي إشارة إلى الأهداف الكبرى، التي تخدم باقي الأهداف؛ فلدينا أهداف زراعية وصناعية وبشرية، منها زيادة عدد الموظفين، وتطوير الخطوط الجوية التركية، فلدينا مئات الأهداف التفصيلية، لكن هذه هي الأهداف الكبرى من أجل أن نضع تركيا على الطاولة الدولية دون أغلال، ومن أجل التحرر من ضغوط وقيود وضعت قبل 100 سنة، سواء كانت شروطاً أم اتفاقيات جاءت في لحظة ضعف، وهناك مفاجآت كثيرة في عام 2023م.
ألا يدعو ذلك للخوف مما يسمى «العودة العثمانية» في هذا التوقيت؟
– لا مجال للحديث عن العودة العثمانية وبالتالي الخوف منها، لا يوجد لدى تركيا أهداف توسعية، ولسنا في حاجة لإمبراطورية جغرافية، زمن الإمبراطوريات الجغرافية ولى ولا يوجد له فائدة، ونحن في زمان الإمبراطوريات السياسية والاقتصادية، وتركيا ستكون أقوى من الدولة العثمانية، وستكون من أقوى الإمبراطوريات السياسية والاقتصادية.
«انتخابات 2023» ستكون من أهم الأحداث التاريخية السياسية منذ تأسيس الدولة العثمانية
هناك حديث عن إسقاط التجربة التركية (أردوغان، والعدالة والتنمية) في «انتخابات 2023»، ما تعليقكم؟
– هذه انتخابات مصيرية ومفصلية، وستجري في يونيو 2023م، وفي رأيي الشخصي أنها من أهم الأحداث التاريخية السياسية في منطقة الأناضول منذ 700 سنة؛ أي منذ تأسيس الدولة العثمانية، وبالتالي فهي تأسيس جديد لمرحلة جديدة بعد التأسيس الأول.
وبالتالي هذه الانتخابات سترسم مستقبل تركيا، فإما أن تكون دولة عظمى وكبيرة ومؤثرة كما يريدها أردوغان وحزب العدالة والتنمية، أو دولة ضعيفة تعود إلى السبعينيات من القرن الماضي.
ومن الطبيعي وجود تدخلات خارجية؛ فهناك تمويل الإعلام والصحف والقنوات الفضائية، وهناك محاولة تمت بالفعل للانقلاب وفشلت، ونحن نتابع ذلك، ونقول للممولين: فشلتم مرات، والأموال ستذهب هباء منثوراً بإرادة الشعب التركي، وستخسرون في هذه الجولة أمام أردوغان والأتراك، وشعوبكم أولى بأموالكم.
ولكن، إسطنبول ليست في يدي «أردوغان»، والمعروف أن من يحكم إسطنبول يحكم تركيا كما يقولون؟
– المثل صحيح من الناحية التاريخية، ولكن من الناحية الواقعية الآن، حدثت هزة ونقمة ضد من يتولى من المعارضة؛ فالذي يتولى مهام بلدية إسطنبول الآن من حزب الشعب الجمهوري المعارض، وهو أكرم إمام أوغلي، وقد قدم صورة سلبية منذ توليه مسؤولية البلدية، وهناك نقمة من المواطنين ضده بسبب اللامبالاة وسوء الإدارة ومنها قضية الثلوج، بجانب تركيز أكرم أوغلي على خدمة مصالح جماعته، وهي أفعال خدمت «أردوغان» ودفعت المواطنين إلى إعادة التفكير في قرارهم السابق.
هذا يدفعنا إلى حديث عن دور الدولة العميقة في المشهد العام، أليس كذلك؟
– الدولة العميقة كانت تتأثر بتنظيم «فتح الله كولن»، هذا التنظيم الإرهابي فكراً وواقعاً، فهو يبث أفكاراً شاذة عن الإسلام في العالم، وقاد عملية انقلاب كبدت تركيا أرواحاً وخسائر اقتصادية، ولكن الآن بعد 6 سنوات من المحاولة الانقلابية الفاشلة استطاعت الحكومة المنتخبة تطهير الدولة من عناصر ذلك التنظيم، فلا يوجد خطر تقريباً.
ننتقل إلى المجتمع التركي وتفاعلاته، هناك مظاهر تديُّن لافتة في المجتمع، كيف حدث ذلك؟
– بفكرة العدالة فقط وبثها للمجتمع التركي، وصل أردوغان وحزبه إلى هذا التأثير الإيجابي الذي ظهرت آثاره أمام الجميع خلقاً والتزاماً، خاصة بعد عقود من استهداف هذا السمت لدى المسلمين المتدينين الذين عانوا من التضييق الديني لسنوات، ومن فكرة العدالة عادت فكرة الالتزام الديني والمساجد ومكاتب القرآن وقوة مجلس الشؤون الدينية.
أردوغان أعاد الحقوق للمسلمين فقط، فتم نفض الغبار عن الشعب التركي فعاد إلى أصله.
ماذا عن علاقة المجتمع بالسوريين؟ وهل فعلاً باتوا يشكلون ضغطاً على النظام الآن في الانتخابات؟
– الحقيقة أن الشعب التركي ينظر للاجئين السوريين نظرة تقدير وتعاطف تحت ظلال فكرة «المهاجرين والأنصار»، وسنُبقي على ذلك الأمر، وهذا ما تعلمناه من أردوغان ومن الدولة العثمانية، وإن كانت هناك نظرة عنصرية من بعض الأتراك المعارضين، لكنهم أقلية، فالتناغم بين السوريين والأتراك موجود ومتواصل، وأي تضخيم لسلبية فهو من قبيل الحرب الإعلامية، كما أن استخدامها كورقة انتخابية من قبل المعارضة استخدام رخيص وأسلوب استفزازي شائن لا نتجاوب معه.
تحسن العلاقات المصرية التركية سيؤثر إيجابياً على المصريين بتركيا ولن نطرد أحداً ملتزماً بالقانون
لديكم في تركيا مصريون سواء من جماعة الإخوان المسلمين أو من المعارضة، فهل هناك فتح لهذا الملف مع الجانب المصري خاصة مع إغلاق قنوات لهم لديكم؟
– تحسن العلاقات المصرية والتركية سيؤثر إيجابياً على المصريين في تركيا، فليس كل المصريين من أيديولوجيا واحدة، ولكن هناك بوادر إيجابية لعودة الجميع لوطنهم من غير أي ضرر.
وسياسة الحكومة التركية لا ولن تقوم بطرد أحد سواء كان سورياً أم مصرياً، ما دام لم يخالف القانون.
هل ينجح أردوغان في استثمار التقارب العربي لصالح تركيا والعرب كبناء علاقات إستراتيجية؟
– توتر العلاقات تتحملها تلك الدول وليست تركيا، فلم نتبنَّ سياسات عدوانية، ويسعدنا هذا التقارب وهذا الترميم؛ لأننا جزء من البيت الواحد في المنطقة على الصعيد الديني والثقافي والسياسي والجغرافي.
لقد ذهبت سياساتهم وبقي أردوغان وسياساته المنفتحة على الجميع سواء مصر أم السعودية أم الإمارات أم غيرها، والمصالحة بدأت وهي أمر جيد للجميع رغم التوتر، وسنرى علاقات إيجابية قائمة على المصالح المتبادلة خاصة الاقتصادية منها لأننا مقبلون على أزمة غذائية وتتطلب من الجميع توحيد الجهود.
«العدالة والتنمية» في المغرب شارك في الصلح مع الكيان الصهيوني، وهو ما أزعج العرب وأضر المغاربة، واليوم أردوغان يمارس تقارباً في وقت مزعج للجميع خاصة ممن يقدرونه، كيف ترى الأمر؟
– سؤال ممتاز للغاية، وأشكركم عليه، ودعني أقول: إني كصحفي لا أعترف إلا أننا أمام احتلال صهيوني عنصري وقاتل بحق إخواننا، وبالتالي فالعلاقة بين تركيا والاحتلال الصهيوني بدأت بقرار سابق على أردوغان؛ حيث تعترف الدولة بالكيان، وما يحدث الآن هو جزء من إدارة تلك العلاقات.
وقبل أردوغان كان هناك تناغم شديد بين الأنظمة السابقة والاحتلال من حيث الانصياع له والدوران في فلكه وفتح أفق أرحب معه، ولكن مع أردوغان تم تقييد العلاقات؛ بحيث باتت تتم وفق علاقات ندية، قائمة على قوة تركيا وحاجة المحتل لها، وبالتالي نحن لا نسمي ما يحدث “تطبيعاً”، ولكن نسميه “علاقات”، ونؤكد أننا –نحن الصحفيين والمسلمين والعرب- ندين التطبيع ولا نعترف به ولا نعطي مبرراً له.
فالأمر المختلف هو أن تركيا في عهد أردوغان لها تعاطٍ آخر مع القضية الفلسطينية، وهو مختلف عن الأنظمة التركية السابقة؛ فهو في قلب كل فعاليات المناصرة والدعم للقضية الفلسطينية خاصة القدس، في ظل محاولات البعض لتقويض القضية والحقوق الفلسطينية واتخاذ العلاقات التركية الصهيونية ذريعة لتمرير مخططاتهم المختلفة تماماً عن مشروعات تركيا في عهد أردوغان التي تستهدف حماية المقدسيين وأبناء فلسطين جميعهم عبر وسائل عديدة؛ منها بناء المدارس والمنازل وتوسيع مساحة الإغاثة، بجانب تعزيز تحرك الشعب التركي لرفض المحتل والتطبيع.
إن تركيا لا تتلقى الأوامر من المحتل كما يفعل البعض، ولكنها تتحرك من منطق قوة لحماية القضية.
في الحرب الأوكرانية الروسية، ماذا تريد تركيا من الغريمين؟
– هدفنا هو الحل، وقدرة تركيا على جمع الغريمين هو نجاح دبلوماسي كبير لدرجة أن الخصمين وقفا على طاولة المفاوضات، وصفقا لأردوغان، ومساعي تركيا للحل ستبقى مستمرة، وروسيا في حاجة إلى تركيا بعد أن أغلق الغرب أبوابه في وجه موسكو، وأوكرانيا في حاجة إلى تواجد تركيا اقتصادياً وعسكرياً.
ولذلك نقول: إن سياسية تركيا في هذه الحرب هي الحل، لأن الحرب إذا توسعت فسوف تكون تأثيراتها سلبية على المنطقة، وثقتي كبيرة أن الحل سيكون من إسطنبول وليس من أي مكان آخر.
هل ما زالت تركيا تعول على الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟
– نحن نعول على اتحاد تركي جديد في آسيا، يضم 7 دول، خلال أقل من عقد سيكون أقوى من الاتحاد الأوروبي، وبالتالي فنحن لا نعول على الاتحاد الأوروبي، ولكن إذا قرر الاتحاد إدخال تركيا لأي سبب في أي وقت قادم، فتركيا هي من تحدد الدخول من عدمه، وهذا سابق لأوانه الآن.
في الختام، نتوقف فيه عند العلاقة التركية – الكويتية، إلى أن تذهب هذه العلاقة الآن؟
– العلاقة التركية الكويتية من ضمن العلاقات النموذجية التركية في المنطقة العربية، والكويت في مقدمة الدول العربية التي لها مع تركيا علاقات متينة ومتميزة جداً على صعيد الاقتصاد والسياحة، وهناك مباحثات جدية لتطوير الشق العسكري، حيث هناك مساع بين تركيا والكويت للتعاون في الصناعات العسكرية الدفاعية كما حدث مع قطر، وفق علاقات نموذجية رائعة، بجانب وجود علاقة محبة قوية بين الأتراك والكويتيين تمثل دافعاً للعلاقات.
وعلى المستوى التعليمي، هناك مباحثات جدية بين المسؤولين لتطوير الدراسة، ومنظومة التعليم بجانب المستوى الراقي في العلاقات الإستراتيجية السياسية.
وأنا أتابع في الكويت جواً سياسياً إيجابياً في المنطقة العربية، وقد تابعت ذلك في انتخابات البلدية، تعطي نكهة خاصة للمجتمع الكويتي، كما أتابع هذا الجمال الكويتي الاجتماعي القائم على الترابط والديوانيات؛ فهو مظهر حضاري يعطي راحة وسلاما نتمنى امتداد روحه إلى باقي المنطقة تعزيزاً للترابط الاجتماعي.
أعده للنشر: حسن القباني