عقب العدوان الصهيوني المفاجئ على غزة، أمس الجمعة، الذي استشهد فيه 12 بينهم قيادي بحركة الجهاد الإسلامي وطفلة، بحسب وزارة الصحة الفلسطينية، امتلأ فضاء الإنترنت بتحليلات تتحدث عن خيانة وتواطؤ وخداع فيما يتعلق بمفاوضات التهدئة التي أعلنت عنها مصر.
غالبية النشطاء الفلسطينيين وصفوا ما جرى من عدوان صهيوني على غزة بعد تدخل الوسيط المصري بأنه “تواطؤ” أو رسالة استخفاف “إسرائيلية” بالوسيط المصري، وتحدثوا عن “الغدر الذي أتى من الوسيط المصري”.
وأكدوا أن دور الوسيط المصري لا يتجاوز الدور الوظيفي الذي يمثل غطاء لتمرير مخططات الاحتلال.
وقالت وسائط إعلامية فلسطينية: إن حركة الجهاد الإسلامي وبَّخت الوسيط المصري وأحرجته في اتصال لم يتجاوز دقيقة واحدة وأغلقت الاتصال، بعدما عاد ليتدخل عقب العدوان الصهيوني ليطالب بضبط النفس.
وقال أبو مجاهد، منسق الغرفة المشتركة لمقاومة غزة: العدو غدر بالوساطة المصرية، فنحن من هنا نقول: لا وساطة بعد هذه اللحظة.
فيما كشف داود شهاب، المسؤول بـ”الجهاد الإسلامي”، أنه قبل ساعة من العملية الغادرة كان هناك اتصالات مع الجانب المصري الذي أبلغنا أنه سيعقد، يوم الأحد 7 أغسطس 2022، اجتماعات مع الاحتلال لـ”فكفكة” الأزمة، لكن جرى لاحقاً عدوان “إسرائيلي” على غزة.
وقال محمد الهندي، رئيس الدائرة السياسية لحركة الجهاد الإسلامي، لـ”التلفزيون العربي”، أمس الجمعة: “إسرائيل” خدعت الوسيط المصري الذي جمعنا به اتصال إيجابي قبل ساعة من العدوان.
وعلق الكاتب الفلسطيني د. إبراهيم حمامي على ذلك قائلاً: عذراً، لكنها رسالة استغباء لمن يأمن الجانب المصري شريك الاحتلال.
وكتب طارق المهداوي، المسؤول السابق بهيئة الاستعلامات التابعة للرئاسة المصرية، يشير لشبه تورط مصر في قتل المسؤول في حركة الجهاد بغزة.
وقال، عبر حسابه على “فيسبوك”: إن المخابرات المصرية قامت باتصالات للوساطة والتهدئة بين قيادات الكيان الصهيوني وقيادات تنظيم الجهاد عقب اعتقال “إسرائيل” بسام السعدي، أمير تنظيم الجهاد في الضفة.
وأضاف المهداوي أن الكيان الصهيوني التقط الاتصالات وقام بتتبع لقيادات تنظيم الجهاد واصطاد أمير التنظيم في غزة تيسير الجعبري وبعض كوادر التنظيم في محاولة اغتيال ناجحة.
وتابع: الاسم العلمي لأي جهاز مخابرات هو جهاز الذكاء، أما لو كان عن قصد فيكون تواطؤاً يرقى إلى مستوى الخيانة.
أيضاً كان لافتاً أن حساب “أبو عبيدة”، المنسوب إلى المتحدث باسم “كتائب الشهيد عز الدين القسام”، الجناح العسكري لحركة المقاومة الإسلامية (حماس)، كتب على “تويتر”: إن “الوسيط المصري” أبلغهم قبل العدوان “الإسرائيلي” بأن هناك هجوماً صهيونياً وشيكاً ضد قطاع غزة.
وأثار ذلك تساؤلات فلسطينيين: إذا كانت مصر تعلم أن “إسرائيل” ستضرب غزة، فلماذا لم تمنعها؟ وكيف تبلغ فصائل غزة أن “إسرائيل” ستضربهم ثم يحدث العدوان فعلاً دون تدخل الوسيط المصري؟
وزعم الصحفي “الإسرائيلي” يوشع ليشتير، عبر “تويتر”، أن ضابطاً “إسرائيلياً” كبيراً بالأمن القومي أبلغه أن الهجوم على غزة تم التحضير والتنسيق له بين “إسرائيل” ومصر لكي تبلغ “حماس” عن هدف الضربة في غزة.
وذلك في إشارة لما تردد عن أن “إسرائيل” طلبت من مصر إبلاغ “حماس” أنها ستضرب أهداف الجهاد في غزة وليست معنية بالتصعيد مع “حماس”.
“باي باي” الوسيط المصري!
بدوره، قال الصحفي والمحلل الفلسطيني مصطفى الصواف: “قولوا للوسيط المصري باي باي”، بعد العدوان الصهيوني على غزة، “ولن يكون لك دور كي تساعد الاحتلال على تحقيق ما يريد، ونتخذ قرارنا من أنفسنا، ولا نلتفت لكل الاتصالات لا من الجانب المصري أو غيره”.
وتساءل الصواف، خلال حديثه لـ”المجتمع”: هل بات بعد اليوم ثقة بالوسيط المصري بين المقاومة والاحتلال الصهيوني؟ وهل يعمل بشكل يحفظ الشعب الفلسطيني المقاوم؟ أو أن وساطاته هي لتضييع الوقت وإعطاء فرصة للعدو كي ينفذ ضرباته كما حدث يوم 5 أغسطس 2022 وقام بتنفيذ جرائمه واغتيال 10 من المجاهدين والمواطنين في قطاع غزة؟
تساءل أيضاً: هل باتت الوساطة المصرية أضحوكة لدى الكيان وقادته الذي يعمل على استغلالها لتحقيق أهدافه؟
واستغرب: لماذا يكون التحرك المصري لتحقيق وساطة وهدوء بعد تعرض الفلسطينيين للعدوان كما حدث في جنين وما جرى اليوم؟! لماذا لم يتحرك الجانب المصري قبل ذلك لوقف إرهاب الاحتلال وجرائمه وهو يعلم نوايا الاحتلال وجرائمه؟!
وعقب العدوان، ذكر موقع “أكسيوس” الأمريكي، أمس الجمعة، أن مسؤولين مصريين وقطريين وأمميين أجروا اتصالات مع “حماس” و”الجهاد الإسلامي” و”إسرائيل” لمحاولة تجنب التصعيد.
لكن الصواف قال معلقاً: اللعبة باتت مكشوفة أكثر من اللازم، وكشف الاحتلال زيف هذه الوساطة، بل ربما يريد أن يوصل رسالة لغزة ومقاومتها أن الوسيط المصري بات شريكاً مع الاحتلال بشكل أو بآخر.
وقال مصدر في حركة حماس لـ”المجتمع”: إن مصر عادت بعد العدوان “الإسرائيلي” لإبلاغ قادة المقاومة أن أي رد من فصائل غزة سيؤدي لتصعيد عسكري كبير، لكن المقاومة لم تنصت لدعوات التهدئة وأطلقت صواريخها صوب “تل أبيب”.
وقالت قناة “إكسترا نيوز” المصرية، أمس الجمعة، نقلاً عن مصدر رسمي: إن جهود الوساطة المصرية متواصلة بين “إسرائيل” والفلسطينيين وتتركز على منع التصعيد عقب القصف الذي تعرض له قطاع غزة.
وقالت صحف عبرية: إن مسؤولين كباراً في الجهاد الإسلامي أرسلوا رسالة إلى الجانب “الإسرائيلي” عبر الوسيط المصري تطالبهم فيها بالإفراج الفوري على القائد السعدي وإلا قد تتدحرج الأمور وتذهب لجولة قتال جديدة.
وقال مصدر قيادي بـ”الجهاد الإسلامي” لقناة “الجزيرة”: ما لم تستجب “إسرائيل” لمطلبنا بشأن السعدي، وعواودة (أسير مضرب عن الطعام) فلن يعود الأمن لمستوطناتهم.
وأشارت مصادر عبرية إلى أن وفداً من المخابرات المصرية وصل إلى “تل أبيب” لبحث التصعيد مع غزة.
معادلة الجهاد
يقول خبراء: إن الدافع الأكبر لاستعجال الاحتلال توجيه ضربة غادرة على غزة هو عدم قدرته احتمال البقاء لمدة طويلة في حالة توتر وترقب انتظاراً لهجمات متوقعة تشن عليه من غزة بعد جرائمه في جنين، وهي المعادلة التي سعت المقاومة لفرضها.
وأكدوا أن الفصائل الفلسطينية فهمت المعادلة وتراهن على إبقاء تلك الحالة لدى جمهور الاحتلال وقيادته أطول مدة.
وبرر الاحتلال العدوان بعدما أصيبت الحياة بالشلل في مستوطنات الاحتلال قرب غزة، وتحولت كل الحدود مع غزة لترقب تحسباً لرد من حركة الجهاد، ما أوقف الحياة، عقب اعتقاله قيادي الجهاد في جنين بسام السعدي.
وقال المحلل العسكري في صحيفة “هاآرتس” عاموس هرئيل: إن الجهاد الإسلامي يرسخ على ما يبدو معادلة جديدة بتهديد عابر، وهي ترى أن “إسرائيل” تبالغ في الاعتقالات بالضفة، والجهاد تنجح في منع الأنشطة في بلدات الغلاف.
وأضاف أن الوضع الحالي يكشف ضعف الادعاء المفند لقيادة الجيش “الإسرائيلي” حول انتصار ساحق يزعم أنه حققه في عملية “حارس الأسوار” (العدوان على غزة العام الماضي).
وتابع: فإذا كانت الفصائل الفلسطينية ضعيفة ومرتدعة جداً منذ تلك العملية العسكرية، لماذا تجرؤ على التهديد؟ ولماذا تشعر “إسرائيل” بضرورة للتراجع؟ لكن ثمة حدوداً لإمكانية شدّ الأعصاب، وهذا يتطلب مخرجاً قريباً من الوضع الحالي.
واتخذ جيش الاحتلال تدابير خاصة في “غلاف غزة” وفتح الملاجئ على بعد 80 كم من قطاع غزة، وفقاً لما جاء في بيان للناطق بلسان جيش الاحتلال قبل أن يقوم بعدوانه، وقبل رد المقاومة الفلسطينية بصواريخ على المدن “الإسرائيلية” الكبرى.
وأوضح صحفي فلسطيني من غزة، لـ”المجتمع”، أن حركة “حماس” لم تدخل المعركة حتى الآن، لكنها تيسر كل شيء للجهاد، ولم تستخدم حركة الجهاد إمكانياتها النوعية وصواريخها طويلة المدى.
وأشار إلى أن الاحتلال يتمنى أن تدخل “حماس” المعركة من أجل تدمير غزة كلياً؛ لأن هناك خطة جاهزة، لكن الآن تظل معركة محدودة، وفق قول الصحفي الفلسطيني.