حينما نتأمل قول رَسُول اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: “تَرَى المُؤْمِنِينَ فِي تَرَاحُمِهِمْ وَتَوَادِّهِمْ وَتَعَاطُفِهِمْ، كَمَثَلِ الجَسَدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْو تَدَاعَى لَهُ سَائِرُ جَسَدِهِ بِالسَّهَرِ وَالحُمَّى”، نجد أن غزة العزة أكثر ما تكون بحاجة لتطبيق قوله عليه الصلاة والسلام؛ لتعزيز صمودها وثباتها، هذا يجعل كل واحد منا يفكر في الطريقة التي من خلالها يشد عضد أخيه حتى وإن كانت إمكاناته بسيطة فإنه يستطيع أن يقدم.
وقوله عليه الصلاة والسلام: “لَا تَحْتَقِرَنَّ مِنَ الْخَيْرِ وَالْمَعْرُوفِ شَيْئًا وَلَوْ أَنْ تَصُبَّ مِنْ دَلْوِكَ فِي إِنَاءِ الْمُسْتَسْقِي، وَأَنْ تَلْقَى أَخَاكَ بِوَجْهٍ بِشْرٍ..”، يشير إلى أن كل مسلم يستطيع أن يقدم من الخير سواء كان ماديًا أو معنويًا.
هذه النصوص كانت بمثابة المنهج الذي يسير على خطاه قطاع غزة المحاصر، وهذا كان سبباً من أسباب الصمود الأسطوري الذي جعل العالم يقف في حيرة من أمره في حال غزة.
فرغم شدة الحصار والحروب المتوالية بين الفترة والأخرى والدماء والدمار الذي يحل في جسدها وبنيانها، فإنها تقف عزيزة شامخة تشرق بالأمل والتفاؤل مثل شروق الشمس وهي تستجمع قواها؛ لتعلن النصر في كل جولاتها ضد الاحتلال “الإسرائيلي”.
فالكثير يستغرب عن هذا الصمود، وكيف لها أن تقف شامخة أمام احتلال الذي يمتلك من الأسلحة الفتاكة وكاد يطبق بحصاره الظالم على أنفاسها!
وكل ما يدور في عقله هذا الاستغراب سأخبرك ببعض أسرار حكايات غزة في تعاونها وتكافلها رغم أوجاعها، فهي تقدم ليس في اليوم العالمي للعمل الخيري فحسب؛ بل كل يوم، صورة مشرقة من الحب والخير والتعاون.
ومن هذه الحكايات مريم التي كانت سفيرة الخير، حيث كانت تعد الطعام للأيتام فتجد النساء منهن من يقدمن المال ويشمرن عن سواعدهن في إعداد الطعام، ومن لا تمتلك المال فبالتأكيد تمتلك حب الخير في المشاركة، وكل التعب يزول عنها بمجرد أن ترى فرحة الأيتام عند تناول الطعام.
أما بطل الحكاية الأخرى فهو الشاب محمد الذي لا يملك المال لكنه يملك الإرادة بمساعدة الآخرين، فحينما يسمع بحاجة عائلة فقيرة إلى شيء ضروري يذهب لأصحاب المحلات، ليخبرهم عن حاجة العائلة، وغالباً كما تفتح المحلات أبوابها للبيع والشراء فهي تفتح قلوبهم لمساعدة الفقراء.
بينما عوض له حكاية مختلفة بعض الشيء، حيث إنه رغم تراشق الصواريخ فوق رأسه فإنه يستخدم سيارته ليساعد الناس في التنقل أو شراء بعض الأشياء الضرورية وإيصالها لبيوتهم بالمجان أثناء الحرب.
أما خليل فهو صاحب القلب المعطاء لأبناء شعبه، فحينما يتم قصف المنازل السكنية فإنه يفتح بيته لمن لا يجد له بيت.
ولا تستغرب حينما تعلم أن مجاهداً يعمل لساعات طويلة في بيع الحلوى، لكنه يحتفظ بقطع منها؛ لتوزيعها على الأطفال الفقراء بالمجان.
وحكايات أخرى من الصعب لها أن تنتهي خاصة حينما يقسم الجار رغيف خبز أطفاله مع جيرانه، وهنالك الكثير من العائلات حينما تأتيهم مساعدات غذائية تجدهم يعتذرون عن عدم أخذها ويرددون: “لعلك تجد من هم أكثر منا حاجة لها”.. وغيرها الكثير من حكايات العمل الخيري الإنساني في قطاع غزة.
وهذا التكافل هو نابع من تطبيق لأحكام الشريعة الإسلامية التي حثت عليها في الكثير من النصوص التي تحث على التعاون في فعل خير بقوله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَىٰ) (المائدة: 2).
وكل إنسان مهما كان وضعه وظروفه فإنه يستطيع تقديم الخير فكن أنت حلقة من حلقات التكافل بما تستطيع حتى ولو بالقليل، فإن كان لديك بيت يزيد عن حاجتك فتذكر أن هنالك من لا بيت لهم، وإن كنت صاحب مال فتفقد من حولك، وإن كان لك دين عند أحد تستطيع أن تسامح فاجعل قلبك الكبير يسامح ولو بجزء منه، ولا تحرم نفسك من الأجر العظيم، ولا تقل: لا أملك شيئاً، فأنت تستطيع.