نؤكد في البدء بأننا لسنا بصدد تقديم إحصاء دقيق للأقليات المسلمة عبر قارات العالم الست، ولكننا نهتم في هذا المحور بتحديد خارطة عامة وكلية لأماكن تواجد الأقليات الإسلامية عبر العالم، استنادًا إلى تحديد مفهوم “الأقلية” ومرتكزاته الرئيسة بين الكم والكيف، أو بين التعداد والقوة الفعلية والحريات لممارسة متطلبات التعليم الديني.
ونلاحظ عند هذا التحديد أنه لا يمكن التوقف فقط عند الجانب الكمي (العددي)، وهو المؤشر الأكثر شيوعًا، لتحديد مفهوم “الأقلية”، ولكن هنا بُعد آخر يضاف في تحديد أدق لهذا المفهوم، لاسيما في ظل الحالة الإسلامية، وهو بعد “القوة” أو “الهيمنة” لمقاليد التنظيم الاجتماعي والسياسي.
وفي ضوء هذا الإطار لتحديد مفهوم “الأقلية المسلمة” يمكن تقسيم الأقليات الإسلامية على أساسين أحدهما يقوم على “الكم- العدد” والآخر يقوم على “الكيف- القوة” “حيث يمكن أن ينشأ وضع الأقلية حتى في الأحوال التي تشكل فيها الجماعة المسلمة العدد الأكبر من مجموع السكان، وذلك عندما تكون ظروف هذه الجماعة أقل تأثيرًا سياسيًا واجتماعيًا. “ومن ثم فإن مفهوم الأقليات المسلمة لا يعني فقط بالعددية، ولكن بالنسبة للقوة ومدى توزيعها بين أفراد المجتمع”[2].
وفي ضوء ذلك يمكن أن نشير إلى طبيعة تكون الأقليات المسلمة عبر العالم في مسارا ثلاثة هي[3]:
أ- بقايا جاليات الدعاة المسلمين كما هو الحال في العديد من الدول الأفريقية، وبالذات في وسط وجنوب أفريقيا وفي الشرق الأقصى وأسيا، حيث عملت الأديان المحلية المنافسة أو الحملات الصليبية الغربية على إيقاف المد الإسلامي.
ب- الأقليات المسلمة الحاكمة التي استبدلت ووضعت تحت سيطرة غير المسلمين من المحليين بدعم من القوى الاستعمارية، كما هي الحال في الهند وشرق أفريقيا.
ج- الأكثريات المسلمة التي تسيطر عليها أقليات غير مسلمة، والتي تحظى بالمعاملة التمييزية، مثلما يحدث في غرب أفريقيا وبالذات في نيجريا وسيراليون.
ومن حيث المؤشر العددي، تصل نسبة الأقليات المسلمة في أفريقيا وحدها إلى 29.3، وفي أسيا تتراوح نسب الأقليات من دولة إلى أخرى ففي الصين تصل إلى 1.6% من مجموع السكان، وفي الهند تصل إلى 13.7% وفي روسيا 11.7%، وفي الفلبين 5.1%، وفي سنغافورة 14.9%، وفي سريلانكا 8.5% ، أما في أمريكا الجنوبية فتتراوح نسبتهم من 1 : 12% من سكان دول هذه القارة، في أمريكا الشمالية بحسب إحصاءات الربع الأخير من القرن الماضي كانت نسبتهم 1.5% من مجموع السكان[4].
وإجمالًا يشير تقرير الأمين العام لمنظمة المؤتمر الإسلامي بأن “عدد المسلمين في الدول غير الأعضاء يبلغ حوالي 500 حوالي نسمة يشكلون حوالي ثلث المسلمين في العالم منتشرين في أنحاء المعمورة يعيشون في بلدان غير إسلامية يبلغ عددها مئة دولة”[5].
بالإضافة إلى المعيار العددي فهناك معايير أخرى قابلة للمناقشة مثل “رئاسة الدولة وتشكيل النظام الحاكم والنص في الدستور على ما يفيد أن الدولة ذات دين محدد أو ليس لها دين معين (علمانية). كما نجد عقبات عملية في تحديد الدول الإسلامية من دول الأقليات المسلمة تتمثل في انعدام الإحصائيات التي يمكن الاعتماد عليها وفي تعدد العقائد غير السماوية وفي صعوبة تحديد عقيدة أو دين بجانب كبير من السكان، إن عدد المسلمين في الهند – على سيل المثال – يزيد على تسعين مليونًا وهو عدد هائل، وعدد المسلمين في أثيوبيا يبلغ أكثر من خمسين في المائة، كما أن المسلمين في دولة ألبانيا في أوروبا يشكلون أغلبية كبرى، ولكن كل تلك الدول لا تدخل ضمن الدول الإسلامية”[6].
ويشير تقرير “الأيسيسكو” إلى خارطة لفئة من فئات الأقليات المسلمة وهي “المهاجرين” ويصنفها إلى أربعة أجيال متمايزة لكل منها سمات عامة بارزة، كما يلي:
الجيل الأول ويتكون من الطلائع الأولى من المهاجرين الذين شاركوا في الحرب الكونية الثانية إلى جانب أو ضد الحلفاء. ومنهم أولئك المهاجرون الذين استقدمتهم الدول الاستعمارية كي تعتمد على سواعدهم في إعادة بناء نهضتها الاقتصادية وقد استطاع أفراد هذا الجيل أن ينشئوا لأنفسهم ظروفًا اجتماعية كالتي كانوا يعيشونها في بيئاتهم القديمة وأن يظفروا بمكاسب مادية مهمة من غير أن يضحي الواحد منهم بشيء من هويته الإسلامية.
والجيل الثاني يتكون من الأبناء والبنات الذين سمح لهم بالالتحاق بأولياء أمورهم ابتداء من السبعينات من القرن الماضي من أجل مع شمل الأسرة، وقد نشأ كثير من أبناء هذا الجيل ضائعًا بين الحفاظ على مقومات الهوية الإسلامية والانسياق وراء بريق الأغراء المادي الذي تقدمه الحضارة الغربية.
أما الجيل الثالث فيتكون من أبناء الجيل الثاني الذين ولدوا بالبلدان الغربية وتمدرسوا في مدارسها وعاشوا حالة من التمزق الشديد والصراع القوي مع الذات التي لا تعرف لها هوية ومع الأسرة التي تريدهم أن يظلوا محافظين على العادات والقيم والمكتسبات الوطنية.
أما الجيل الرابع فهو جيل آخذ في الظهور نتيجة الزواج المبكر الحاصل بين أبناء وبنات الجيل الثالث، ومن أفراد الجيل الرابع من تجاوز بقليل سن العاشرة حسب بعض الدراسات الحديثة، ومع اشتداد عود الصحوة الإسلامية في صفوف أبناء الجاليات الإسلامية في الغرب واتساع عدد المساجد والجمعيات والمراكز الثقافية الإسلامية، ومع حصول مستوى ثقافي ودراسي مقبول في أوساط الجيل الثالث أصبح بالإمكان الاطمئنان على مستقبل أبناء الجيل الرابع إذا ما أحسن الاهتمام بهم ثقافيًا واجتماعيًا ودينيًا.
يتبع إن شاء الله تعالى…
ـــــــــــــــــــــــــــ
[1] أستاذ أصول التربية المساعد- جامعة دمياط.
[2] أبو بكر باقادر: “الأقليات المسلمة وحقوق الإنسان”، في مجموعة من المؤلفين: الأقليات رؤى إسلامية، القاهرة، دار نهضة مصر، 2008، ص76.
[3] المرجع السابق، ص89.
[4] أنظر حول هذه النسب التفصيلية:
- علاء طاهر: العالم الإسلامي في الاستراتيجيات المعاصرة، مركز الدراسات العربي، الأوروبي، بيروت، 1998، ص99 : 149.
[5] تقارير الأمين العام الخاصة بشؤون الجماعات والمجتمعات المسلمة في الدول “غير الأعضاء بمنظمة المؤتمر الإسلامي، 19 – 21 يونيو 2006.
[6] والأقليات الإسلامية التي يعتد بها في قارة أفريقيا توجد في نحو (28) دولة هي: أثيوبيا، وتنزانيا، وبنين، وساحل العاج، وتوجو، وأفريقيا الوسطى، ومالاوي، وكينيا، وغانا، وليبريا، وموزمبيق، وغينيا الاستوائية، ومدغشقر، وبورندي، وجزر الرأس الأخضر وموريشيوس، وأنجولا، وزائير، والكونغو الشعبية، وليسوتو، وبوتسوانا، وسوازيلاند، ورواندا، وسيشل، وزامبيا، ونامبيا، وجنوب أفريقيا، وزيمبابوي. أما الأقليات المسلمة في قارة أسيا فتوجد في (14) دولة هي الهند، والصين الشعبية، وسيرلانكا، وسنغافورة، والفلبين، وفيتنام، وقبرص، وبورما، وتايلاند، ونيبال، ولاوبين، وكمبوديا، وكوريا، وبونان، واليابان. كما توجد أقليات إسلامية في كثير من دول أوروبا الشرقية مثل: روسيا، ويوغسلافيا، وبلغاريا، وبولندا، ورومانيا، كما توجد أقليات إسلامية كبيرة العدد نسبيًا في الأمريكتين واستراليا. وكذلك في أوروبا الغربية: فرنسا، وألمانيا وانجلترا وغيرهم. (انظر: علاء طاهر: العالم الإسلامي في الاستراتيجيات المعاصرة، مركز الدراسات العربي، الأوروبي، بيروت، 1998، ص99: 149).
[7] الشكل من إعداد الباحث.