لبَّى الشعب الكويتي نداء سمو الأمير وأحسن اختيار ممثليه في مجلس الأمة، فجاءت نتائج الانتخابات بنواب جدد بنسبة تغيير بلغت 54%، وحققت المعارضة تقدماً كبيراً بحصولها على حوالي 60% من المقاعد.
وكان سمو الأمير الشيخ نواف الأحمد الصباح، حفظه الله ورعاه، قد وجه خطاباً سامياً إلى الشعب الكويتي ألقاه نيابة عنه سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد الصباح، حفظه الله، في 22 يونيو الماضي، الذي رسم فيه خارطة طريق للمرحلة المقبلة، وطلب من الشعب حُسن الاختيار، وبالفعل في يوم 29 سبتمبر 2022م أحسن الشعب الاختيار وكانت هذه النسبة من التغيير.
والغريب في النتائج أن أغلب أعضاء ما كانت تسمى بكتلة الرئيسين قد خسروا الانتخابات أو لم يخوضوها بالأساس، فيما فاز كل النواب الذين عُرفوا بنواب المنصة ونواب الاعتصام، وحصل النواب الإسلاميون على 11 مقعداً.
وتعد انتخابات الفصل التشريعي السابع عشر (أمة 2022) هي السادسة ضمن نظام الدوائر الخمس، والرابعة من حيث إجرائها وفق نظام الصوت الواحد، وتجاوزت نسبة التصويت %63.3 بالدوائر الخمس، بحسب الأصوات المجمعة لجميع المرشحين، دون احتساب الأوراق المبطلة، وتنافس في الانتخابات البرلمانية 305 مرشحين في 5 دوائر انتخابية لاختيار 50 عضواً.
وفي المحصلة النهائية، احتفظ 23 نائباً من المجلس السابق بمقاعدهم، في حين دخل 27 نائباً جديداً إلى المجلس، وتقلَّص عدد مقاعد القبائل من 29 نائباً إلى 22، فيما قفز تمثيل النواب الشيعة في مجلس الأمة من 6 مقاعد في «مجلس 2020» إلى 9 مقاعد، مثَّلها النواب حسن جوهر، أسامة الزيد، أحمد لاري، صالح عاشور، خليل الصالح، شعيب علي شعبان، جنان بوشهري، خليل أبل، هاني شمس.
وفي سابقة بتاريخ انتخابات مجلس الأمة في الكويت، تمكن مرشحان بالفوز بعضوية مجلس الأمة وهما داخل أسوار السجن، وهما مرزوق الخليفة (الدائرة الرابعة)، وحامد البذالي (الدائرة الثانية)، فيما استطاعت الحركة الدستورية الإسلامية (حدس) الحفاظ على مقاعدها الإستراتيجية في الدوائر الثلاث الأولى، من خلال مرشحيها الثلاثة البارزين: أسامة الشاهين (الدائرة الأولى)، حمد المطر (الثانية), عبدالعزيز الصقعبي (الثالثة)، كما فاز ثلاثة من التيار الإصلاحي، وهم: حمد المدلج، عبدالله الأنبعي (الدائرة الأولى)، فلاح ضاحي الهاجري (الثانية)، عبدالله فهاد (الرابعة).
وتمكن المرشحان المحسوبان على التجمع الإسلامي السلفي حمد العبيد، ومبارك الطشة من الفوز في السباق الانتخابي، بعد أن غاب التجمع عن مجلس الأمة منذ عام 2016م، وتمكن من الفوز بمقعدين للنائبين، كما تمكن النواب محمد هايف، وعادل الدمخي، وعمار العجمي من العودة إلى مجلس الأمة بعد خسارتهم في الانتخابات الماضية.
ومن أبرز الشخصيات التي اكتسحت الانتخابات بحصوله على المركز الأول في دائرته الثالثة هو أحمد السعدون، عراب مجلس الأمة ورئيسه السابق.
طموحات وأمنيات
ويتمتع البرلمان الكويتي بسلطات واسعة، تشمل سلطة إقرار القوانين ومنع صدورها، واستجواب رئيس الحكومة والوزراء، والاقتراع على حجب الثقة عن كبار مسؤولي الحكومة، ليأتي السؤال الذي يتبادر إلى أذهان الجميع، حول ما يمكن أن يقوم به المجلس خلال المرحلة المقبلة.
ويُمنّي الكويتيون النفس بأن تتجه الأوضاع السياسية نحو نوع من الاستقرار بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، بعدما شهدت توترات، أعاقت عمل الحكومة.
وفي تحليل للانتخابات، قال د. عبدالله الشايجي، أستاذ العلوم السياسية، في مقال له بصحيفة «الشرق الأوسط»: من الظواهر اللافتة في انتخابات مجلس الأمة السابع عشر سيطرة النهج الإعلامي الجديد والأكثر تأثيراً عن طريق وسائط التواصل الاجتماعي وخاصة موقع «تويتر» الأكثر انتشاراً وتأثيراً، والابتعاد عن الخطابات الطويلة ووسائل الإعلام التقليدية من صحف وفضائيات، وذلك للتعريف بالمرشحين وأجندتهم وما يسمى تجاوزاً برامجهم الانتخابية.
وأضاف الشايجي: أتت نتائج الانتخابات لافتة؛ فقد فازت تكتلات المعارضة غير الموحدة، وغير المتفقة على أجندة موحدة، بـ30 مقعداً (%60 من المقاعد الخمسين).
وأضاف الشايجي: خسر وامتنع عن الترشح 27 نائباً، وعاد النواب المقاطعون بعد خطاب الطمأنة، وتراجع عدد نواب القبائل؛ بسبب تقييد الانتخابات الفرعية والحد من المال السياسي والتصويت بمقر السكن، وضاعف النواب الإسلاميون عدد نوابهم لأكثر من 10 نواب.
وتابع الشايجي: لكن يبقى التحدي المطلوب مواجهته والتعامل معه من المجلس الجديد الانتقال من العمل الفردي إلى العمل الجماعي، وتشريع التكتلات السياسية والانتخاب بالقوائم النسبية، والعمل والتعاون بين السلطتين بوضع أجندة وبرنامج عمل حكومي وأولويات متفق عليها؛ سيساهم ذلك في خفض حدة المواجهات والتصعيد، خاصة بوجود المخضرم أحمد السعدون، الأوفر حظاً برئاسة المجلس، بخبرته الكبيرة، وسياسته التوافقية، ومعه رئيس وزراء جديد، بوضع آلية للتعاون وتمرير قوانين مطلوبة لحل ملفات عالقة، خاصة بوجود إجماع على محاربة الفساد كحال الدول جميعها، وقوانين تنويع مصادر الدخل.
واختتم الشايجي قائلاً: بالتالي تعزيز تعاون السلطتين بتجنب الصِّدام والاحتقان السياسي، سيعيد ثقة الناخبين بمجلسي الأمة والوزراء معاً، ويفتح صفحة جديدة تنهي المواجهات المحتدمة التي أدت لتعطيل العمل السياسي بحل مجالس الأمة واستقالات الحكومات بشكل متكرر ومتتالٍ ومكلف.
وقال الأكاديمي والإعلامي د. علي السند: هذه النتائج بمثابة محاكمة قاسية لحقبة بائسة، كان المجلس فيها مرتهناً لإدارة سيئة، وتحالفات مشبوهة، فجاءت إرادة الأمة لتصحح المسار، وترد الاعتبار.
وعبر عدد من النواب الفائزين في المجلس الجديد عن التفاؤل من نتائج الانتخابات؛ فقال النائب أسامة الشاهين: نعارض كل فساد وفاسد، ونؤيد كل إصلاح وصالح، وأضاف: عقاب الشعب عسير لكل من خرجوا عن الدستور، وأعلن الشاهين ترشحه لأمانة سر المجلس.
وقال النائب عبدالله الأنبعي: العمل الجماعي سبيلنا للإنجاز وطريقنا لتحقيق تطلعات وآمال الشعب الكويتي، الوقت يداهمنا ولا مجال لتضييع المزيد منه.
وقال النائب مبارك هيف الحجرف: أبارك للشعب الكويتي نجاح الانتخابات في هذه الأجواء الاستثنائية، وأسأل الله تعالى أن يكتب لنا التوفيق جميعاً في مسيرة الإصلاح والنهضة.
وتعهد الحجرف بتقديم قانون العفو الشامل في جلسة الافتتاح قائلاً: وفاء بالعهد الذي قطعته أمام الله سبحانه وتعالى، ثم أمام أبناء الشعب الذين شرفوني بهذا التكليف النيابي، وحتى نطوي صفحة الماضي بكل صراعاته وأحداثه، فإنني أعلن عن تقديمي لقانون العفو الشامل في الجلسة الافتتاحية، وأسأل الله أن يجعل الإقرار نصيب هذا القانون.
وقال النائب عبدالله فهاد العنزي: سنرى نفَساً إصلاحياً، ويجب أن يترجمه النواب بفرضه على السلطة.