اتفق علماء الإسلام على أن الصّيام مدرسة تربوية يتعلّم فيها المسلم أموراً تربوية عظيمة، منها الصّبر لأنّ الصّيام فيه صبر على الطّاعة، فيمتنع عن الحلال طاعةً لله، وفيه صبر على عدم فعل الحرام؛ ولذلك قال الرسول صلّى الله عليه وسلّم: «التسبيح نصف الميزان، والحمد لله يملؤه، والتكبير يملأ ما بين السماء والأرض، والصوم نصف الصبر، والطهور نصف الإيمان»(1).
وفيه إمساك اللسان عن السبّ والشتم وإيذاء النّاس، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «قال الله: كل عمل ابن آدم له، إلا الصيام؛ فإنه لي، وأنا أجزي به، والصيام جنة، وإذا كان يوم صوم أحدكم فلا يرفث ولا يصخب، فإن سابه أحد أو قاتله، فليقل: إني امرؤ صائم، والذي نفس محمد بيده، لخلوف فم الصائم أطيب عند الله من ريح المسك، للصائم فرحتان يفرحهما: إذا أفطر فرح، وإذا لقي ربه فرح بصومه»(2)، هكذا يتعود المسلم على ضبط نفسه ولسانه فيكُف الأذى عن الناس ويتعود على كل جميل من القول والفعل.
وما أجمل ما قاله الإمام ابن القيم في وصف الصائم الحقيقي: «والصائم هو الذي صامت جوارحه عن الآثام، ولسانه عن الكذب والفحش وقول الزور، وبطنه عن الطعام والشراب، وفرجه عن الرفث، فإن تكلم لم يتكلم بما يجرح صومه، وإن فعل لم يفعل ما يفسد صومه، فيخرج كلامه كله نافعاً صالحاً، وكذلك أعماله فهي بمنزلة الرائحة التي يشمها من جالس حامل المسك، كذلك من جالس الصائم انتفع بمجالسته وأمن فيها من الزور والكذب والفجور والظلم.
هذا هو الصوم المشروع لا مجرد الإمساك عن الطعام والشراب، ففي الحديث الصحيح: «من لم يدع قول الزور والعمل به والجهل فليس لله حاجة أن يدع طعامه وشرابه»(3)، وفي الحديث: «رب صائم حظه من صيامه الجوع والعطش»(4).
فالصوم هو صوم الجوارح عن الآثام وصوم البطن عن الشراب والطعام، فكما أن الطعام والشراب يقطعه ويفسده فهكذا الآثام تقطع ثوابه وتفسد ثمرته، فتصيره بمنزلة من لم يصم»(5).
انتصف الشهر المبارك
من هذا المنطلق، ينبغي علينا أن نتعلم من هذه المدرسة الرمضانية محاسن الخلق قبل أن ينتهي رمضان خاصة وقد انتصف الشهر المبارك، فاليوم هو الخامس عشر، فنسأل الله أن يوفقنا وإيَّاكم لمضاعفة الجهود في كل ما يرضيه، وأن يعيننا وإيَّاكم على المسابقة إلى كل خير.
هذه الأيام الفاضلة الباقية يشرع للمؤمن فيها أن يضاعف الجهود، وأن يغتنم ما فاته في البقية، من طاعة الله تبارك وتعالى بكثرة الصلاة، وكثرة التسبيح والتهليل والتكبير والتحميد وكثرة قراءة القرآن الكريم بالتدبر والتعقل، وكثرة الصدقة، إلى غير ذلك من وجوه الخير.
فرمضان للمؤمن الصادق موسم يجدد فيه تقواه لله، يمسح به أدران الذنوب، ويجدد فيه العهد ويتوب، ويعزم عزمًا أكيدًا على المضي في طاعة الله حتى يأتيه اليقين، فهذا هو المؤمن الذي وعى من رمضان غايته، وفقه من مدرسته درسه، فلم يجعل خوفه من الله مقتصرًا على شهر؛ بل امتد به خوفه أبد الدهر(6).
______________________________
(1) أخرجه الترمذي (3519)، وأحمد (23139)، والدارمي (680).
(2) أخرجه البخاري عن أبي هريرة رضي الله عنه تحت رقم: 1904.
(3) رواه البخاري 5/ 2251 (5710)، (1804).
(4) أخرجه النسائي في (السنن الكبرى) (3249)، وابن ماجه (1690) واللفظ لهما، وأحمد (9683) باختلاف يسير.
(5) الوابل الصيب ورافع الكلم الطيب، المؤلف: ابن قيم الجوزية – 1/ 27:26.
(6) كتاب «ماذا نتعلم من مدرسة رمضان؟»، المؤلف: أبو الحسن بن محمد الفقيه، 1/ 7.