اقتحمت مواقع التواصل الاجتماعي المتنوعة حياة البشر طواعية أو رغماً عنهم، لكنها بالفعل أصبحت جزءاً لا يتجزأ من حياتهم اليومية؛ ولم تنفصل المرأة بطبيعة الحال عن ذلك، فقد شاركت بقوة على تلك المواقع بل وتفوقت في تواجدها والتفاعل عليها على الرجال وهذا ما أكده موقع “جلوبال ميديا إنسايت” الذي نشر تقريراً أظهر تفوق النساء على الرجال في التواجد على ثلاث شبكات اجتماعية عالمية رئيسية هي؛ “فيسبوك”، “تويتر،” وشبكة “بينترست”.
وكشفت البيانات أن نسبة النساء المشاركات على موقع “فيسبوك” تصل إلى 52 % من إجمالي مستخدمي “فيسبوك” حول العالم.
يليه شبكة التدوينات المصغرة “تويتر” حيث شكلت النساء نسبة 55 % من مستخدمي ذلك الموقع.
أما أكثر الشبكات الاجتماعية التي تفوقت فيها النساء على الرجال كانت شبكة “بينترست” لنشر ومشاركة الصور؛ حيث شكلت النساء نسبة تصل إلى 71 %من مستخدميها.
والمؤكد أن استخدام للمرأة لمواقع التواصل الاجتماعي فتح لها أفاقاً جديدة لم تكن متاحة من قبل، لكننا لا ننكر كذلك وجود سقطات لابد وأن نقف عندها لنلمس واقع مشاركة المرأة على تلك المواقع فعلياً والآثار الإيجابية والسلبية لتلك المشاركة.
آفاق أكثر اتساعاً
خرجت مواقع التواصل الاجتماعي بالمرأة من محيطها الضيق إلى أفاق أكثر اتساعاً، فعرفت معلومات، وقرأت كتباً، وتعلمت مهارات كما ازدادت خبرات، وهذا بالتأكيد أضاف ثقلاً لشخصيتها، ورجاحة لعقلها، ورأت العالم أكثر اتساعاً فاتسع إدراكها أكثر، وازدادت إيجابية وفعالية، واكتسبت مهارات التواصل مع الغير والثقة بالنفس، والقدرة على التعبير عن الذات، وإظهار إبداعاتها.
التعلم الذاتي
لا شك أن انفتاح المرأة على مواقع التواصل الاجتماعي ساعد بشكل كبير على توفير المحتوى التعليمي لها بطريقة أكثر سهولة، فالمرأة يمكنها أن تتعلم وهي في بيتها وبين أطفالها؛ بعدما كان استكمال تعليمها في ظل وجود أسرة أمر غاية في الصعوبة، وبذلك فإنها تستطيع في أي مرحلة عمرية أن تلتحق بقطار التعليم وتكمل ما فاتها بكل سهولة ويسر.
مورد للرزق
من المشاكل التي تعاني منها المرأة في حالة غياب العائل هي مشكلة توفير مورد رزق لأسرتها يغنيها عن التسول والمعاناة، وقد وفرت وسائل التواصل الاجتماعي العديد من سبل الرزق للمرأة والتي تمنحها فرص العمل من البيت مع توفير الدخل المناسب لها ولأسرتها، وهذا ساهم بالفعل في حل مشكلة كبيرة كانت تعاني منها الكثير من النساء حال فقدان العائل وتعرضها للكثير من الضغوط لعدم قدرتها على توفير مصدر رزق مناسب لها.
على الجانب الآخر، حملت منصات التواصل الاجتماعي معها رياحاً عاتية هوت بالعديد من النساء في هوة سحيقة لا خروج منها.
سلعة رخيصة
جعلت مواقع التواصل الاجتماعي من النساء سلعة رخيصة لا قيمة لها؛ حيث أساءت بعض النساء استخدام تلك المواقع فعرضت نفسها بشكل سيء ومبتذل، ما عرضها في بعض الأحيان للوقوع ضحية لتجار البشر.
حيث أظهر بحث أجراه مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة (UNODC)، كيف يتم استهداف الضحايا وتجنيدهم عبر مواقع ومنصات التواصل الاجتماعي، حيث تتوفر المعلومات الشخصية وتفاصيل تتعلق بأماكن وجود الأشخاص بسهولة، ومن هنا يحدث الاعتداء الجنسي وأشكال الاستغلال الأخرى بشكل افتراضي.
أضرار صحية
يعد الضرر البدني من الأضرار المترتبة بشكل مباشر على الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، حيث نشرت مجلة «تايم» الأميركية، دراسة حديثة كشفت أن الفتيات هن الأكثر تضرراً من مواقع التواصل الاجتماعي من الأولاد، وخلصت الدراسة إلى أن استخدام الفتيات المتكرر لوسائل التواصل الاجتماعي يضر بصحتهن عندما يتعرضن لمضايقات، كما لا ينمن بشكل كاف، ويقمن بأداء التمرينات بشكل أقل، وكل ذلك يترتب على أضرار صحية لهن.
التفكك الأسري
لا شك أن مواقع التواصل الاجتماعي استنزفت الكثير من وقت المرأة المخصص لرعاية أسرتها، وهذا ما جعلها تعيش في عالمها الافتراضي أكثر مما تعيش في عالمها الواقعي؛ وبالتالي تكونت أسوار بينها وبين زوجها وأولادها، وبدأت ترى العالم من خلف مرآة تلك المواقع أكثر رونقاً من واقعها الذي تكثر به المصاعب والمعوقات، ومن هنا أصبحت الأسرة هي خيارها الأصعب للمواصلة؛ وبات قرار الانفصال والتفكك الأسري هو القرار الأقرب لها، كما أنها باتت تقرأ أراء وأفكاراً هدامة تدعو للتحلل من قيود الأسرة وضوابطها.
الانعزال والتوحد
انعزلت المرأة في عالمها الافتراضي واستغنت به عن الكثير من العلاقات الأسرية والاجتماعية، ما جعلها تعيش الانعزال اختيارياً وبكامل إرادتها، وكان لذلك آثاره النفسية السيئة على المرأة؛ حتى أصبح تواصلها مع المجتمع أكثر ضعفا، وفقدت القدرة على تكوين علاقات وصداقات جديدة، وعاشت حالة من الانعزال والتوحد وفقدان القدرة على التفاعل مع المجتمع ومواجهة المشاكل والصعوبات.
بين الانفتاح والانبطاح
تبدو الحاجة ماسة وملحة هنا إلى وعي المرأة وإدراكها لتعبر بسلام الحد الفاصل بين الانفتاح والانحراف وذلك بتنظيم وقتها ليكون لتلك الوسائل وقتاً محدداً لا يستهلك كل طاقتها وجهدها، وأن تشارك على المواقع الأكثر فاعلية والتي تقدم محتوى مفيد.
عليها كذلك أن تدرك أن العالم الافتراضي يقدم الصورة المثالية التي يطمح كل منا أن يعيشها؛ ولكن واقعنا يحمل الكثير من المصاعب التي من واجبنا أن نجتازها بكل قوة وشجاعة.
ومن الضروري أن تضع الضوابط الدينية والأخلاقية نصب عينيها وهي تتفاعل على تلك المواقع حتى تحافظ على نفسها وعلى استقرارها الأسري والاجتماعي، دون أن تقع في براثن الانحراف والضلال.