أيها الأخ الكريم، سلام الله عليك..
مالي أراك تجري فوق موج الحياة دون أن تتبين خطوك، أو تنظر حولك، أو تعرف هدفك، ترتبط بغاية واضحة، تمتلك عليك وجدانك وعقلك، وتوجه إليها كل قصدك، وتقدم لها كل جهدك.
ألا تعرف أن لك رسالة، وأنك مكلف، وأنه لا بد من هوية واضحة، وغاية صريحة تتوجه إليها.
إننا نحن -بني الإنسان- جئنا هذا الوجود لغاية ولم نأت عبثاً وهي غاية عالية كريمة، وليست جرياً وراء المطامع والأهواء، فإذا نظرنا حولنا فرأينا هذا المجتمع المزدحم بالغايات وجب علينا ألا نندفع وراء التيار دون علم أو وعي، وإنما نقف وقفة ونسأل صديقاً ناصحاً أو أستاذاً مرشداً، أو والداً موجهاً، فسنعرف أن في الحياة وجهة صالحة ووجهة تائهة، فإذا ذهبنا وراء البريق وجدنا أنفسنا في دوامة، يتموج لذات خاطفة، تذهب بشبابنا ومالنا وتنحرف بنا عن الطريق السليم.
أما إذا تريثنا ووعينا وجدنا أنفسنا على مرتقى الأصالة والرشد، وإني لأربأ بك وبعقلك وشخصيتك الكريمة ومحتدك الأصيل أن تكون جارياً مع التيار أو ضائعاً في المجموع، وأتوسم فيك أن تكون من النخبة الممتازة من أبناء هذه الأمة التي تتطلع إلى أن تقدم خصائصك الكاشفة من ذكاء وفهم ونبل فتعرف لك غاية واضحة، ومهمة صالحة.
وخير الغايات وأعظم المهام؛ هي أن تكون داعية لكلمة الله، ولساناً من السُّنة الحق، وعاملاً من عوامل الإسلام؛ تنشر كلمته وتذيع فضله وتسير على طريقه، قدوة طيبة ومثلاً يحتذى وطيفاً قرآنياً يستمد سمته وفعله مما كان عليه سيدنا رسول الله (الأسوة الحسنة) للمسلمين منذ جاء الإسلام إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.
إذا تبينت ذلك في أعماق فطرتك النقية وهداك الله تبارك وتعالى إلى طريقه وجدت نفسك، وأحسست بأن لك كياناً مؤثراً فاعلاً، ورأيت أمامك ضوءاً كاشفاً، فعزفت نفسك عن الأهواء والمطامع، وتطلعت إلى أن تكون من أولئك الذين هدى الله الملتمسين سبيله، المتطلعين إلى فضله ورحمته، الراغبين في أن يكونوا من خدام دعوته ومن العاملين لإعلاء كلمته.
وليس معنى هذا أنك تنسحب من الحياة، إلى عزلة صوفية أو خصومة مع المجتمع، أو إلى عزوف عن العمل، كلا كلا.. بل إلى اقتحام الحياة بأسلحة جديدة هي الإيمان والعمل لخير الناس ومعاملة الناس بالحسنى وإحلال وتحريم الحرام في مطعمك ومشربك، ودعوة أهلك إلى الصلاة والزكاة وعمل الخير، والاستجابة لكل أمر الله والوقوف عند حدوده، فدعوة الإسلام دعوة إيجابية لإصلاح الحياة لا لاعتزالها ولدعوة الناس الحسنى إلى طريق الله، ولهداية الخلق إلى الحق، من غير تزمت في وسيلة أو إسراف في توجيه، أو تعصب على أسلوب، وإنما بالمرونة والتدرج والتماس الأعذار والالتقاء في نقاط الخير؛ (ادْعُ إِلِى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ) (النحل: 125)، (وَقُولُواْ لِلنَّاسِ حُسْناً) (البقرة: 83).
والزمن جزء من العلاج، ولنعرف أولاً حقائق ديننا الذي هو عصمة أمرنا، ونجعله الضوء الكاشف على طريقنا في الحياة، مؤمنين بأننا قد جئنا هذه الحياة لنؤدي رسالة، ولنعمر الأرض، ونبني، ونقيم المجتمع الرباني، على أساس المسؤولية الفردية والالتزام الأخلاقي والإيمان بالجزاء الأخروي، والبعث وعلى ضوء هذا الفهم المستنير تستطيع أن تواجه الحياة، وأن نتعامل مع الناس، وأن نمضي على طريق الله، في بيوتنا وفي أعمالنا، وفي كل مكان نحل فيه، ومع كل إنسان نلتقي به.
وأن نرعى هذه الأسرة الصغيرة؛ الزوجة والأبناء، وأن نشكلهم على الإيمان، فإنها مسؤوليتنا الأولى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً) (التحريم: 6)، ولنباشر هذه المسؤولية يوماً بعد يوم وساعة بعد ساعة، فلا يبعدنا عنها شيء، ولنجعلها أولى مهامنا، ولنصادق أبناءنا ونجعل بيننا وبينهم مودة وأمناً؛ فنعرف أحوالهم وظروفهم، ونعالج أمورهم في أول أشواطها، ونرعى أمر صداقاتهم ومعارفهم فنحميهم من الصديق السوء، ونذلل أمامهم الأمور حتى تضيء أنفسهم بتجربة آبائهم فلا يسقطون في المآزق، ويكونوا دائماً على حذر من مطبات الحياة، ذلك أن القدوة الحسنة هي أسرنا وبيوتنا على مفاهيم الإسلام الحقيقية، انقشعت عن أمتنا تلك السحب المظلمة والغيوم الكثيفة ومن ثم تشرق الشمس ويبدو الأفق مضيئاً بنور الله.
ويقتضي هذا الاتجاه أن نفهم أسلافنا فهماً صحيحاً، وأن نعرف التحديات التي تواجه الإسلام من قوى كثيرة تتآمر بها.
______________________________
من كتاب «أقدم لك الإسلام».