أراد عمر رضي الله عنه إرسال الصحابي سعيد بن عامر إلى حمص واليًا، فقال له عامر: اعفني يا أمير المؤمنين، قال عمر: أتولونني الخلافة في عنقي، ثم تتركونني؟ والله لتتولين الإمرة لي.
فذهب رضي الله عنه وأرضاه، ولما سافر من المدينة، قالت زوجته: عندي مال كثير، أعطيك إياه تستنفقه لك، أو تضعه في تجارة بيني وبينك، فأخد المال فتصدق به في سبيل الله، فقالت: أين المال؟! قال: أعطيناه شريكاً، يضاعف لنا به أضعافاً على الدرهم الواحد إلى سبعمائة درهم، فصدقت وسكتت.
دخل حمص، وأخذ هذا الغريب يَعْدِل في الناس ويصلي بهم، حتى مرَّ عمر رضي الله عنه وأرضاه على أمرائه وولاته في الأقاليم، فأخذ سعيد بن عامر وسأل أهل حمص عنه: كيف سعيد بن عامر؟ أي: كيف مسيرته فيكم؟ كيف عدله؟ كيف زهده وورعه؟ فكلهم أثنوا خيراً، لكن أخذوا عليه أربعاً من الخصال: ما هي الأربع؟ قال عمر رضي الله عنه وأرضاه: اللهم إني ما علمت فيه إلا خيراً، اللهم لا تخيب ظني فيه، قالوا: أما الأولى: فيُصرع بين أيدينا، وأما الثانية: فلا يخرج لنا يوماً من أيامه من الأسبوع، فلا نراه ولا يرانا، وأما الثالثة: فإنه لا يخرج حتى يرتفع النهار، وأما الرابعة: فإنه لا يخرج في الليل، مهما طرقنا عليه بابه.
قال عمر رضي الله عنه وأرضاه، وقد نكس رأسه، ودموعه تهراق على خديه: اللهم لا تخيب ظني في سعيد بن عامر، قم يا سعيد، فقام يتكلم، فقال: يا أمير المؤمنين، والله لوددت أن أكتم هذا الأمر، فأما والحالة هذه فسأتكلم، فأمَّا قولهم: أني أصرع، فقد حضرتُ مشهداً ما وددت أني حضرته: رأيت خبيب بن عدي وهو يُقتل في مكة، وأنا مع المشركين آنذاك، فسمعته يقول للكفار: اللهم احصهم عدداً، واقتلهم بدداً، ولا تغادر منهم أحداً، فكلما تذكرت ذاك المشهد صرعت، ووددت أنني نصرته، وأما اليوم الذي لا أخرج فيه للناس: فأنا رجل ليس لي خادم، وزوجتي مريضة، أغسل ثيابي، وأنتظر جفافها، أو أغسل ثيابي وثياب أهلي في هذا اليوم، وأما الليل لا أخرج إليهم: فقد جعلت النهار لهم، والليل لربي تبارك وتعالى، وأما قولهم: لا أخرج حتى يرتفع النهار، فزوجتي مريضة، فأنا أصنع إفطاري بنفسي، فإذا أفطرتُ خرجتُ إليهم.
فرفع عمر يديه إلى السماء يبكي، ويقول: الحمد لله الذي لم يخيب ظني في سعيد بن عامر.
فاللهم ارض على أصحاب محمد صلى الله عليه وسلم أهل التقوى والعبادة والمثابرة، فحق والله أن رضي الله عنهم ورضوا عنه كما أخبر الله عز وجل.