كشفت الباحثة المصرية نهال محمود مهدي، المعيدة بقسم الصحافة- كليـة الدراسات الإسلامية والعربية بنات القاهرة بجامعة الأزهر، في رسالتها التي نالت عنها درجة الماجستير بامتياز، عن «الفكر الإلحادي والتصدي له عبر شبكات التواصل الاجتماعي.. الفيسبوك أنموذجًا.. دراسة تحليلية»، العديد من الجوانب الخطيرة لهذه القضية التي تهدد مجتمعاتنا العربية والإسلامية من حيث وسائل ترويجها لأفكارها وسبل الرد عليها وتفنيد أفكارها الشيطانية.
«المجتمع» التقت صاحبة الرسالة في حوار حول مخططات الإلحاد، وسبل ترويجه، وطرق مواجهته.
ما أسباب اختيارك وتناولك لهذه القضية؟
– لأن الفكر الإلحادي من أخطر الأفكار التي تصيب العقيدة؛ فتغزو المجتمعات، وتتسلل بين أبنائها في صور واضحة معلنة تارة، وفي الخفاء ومن وراء حجاب تارة أخرى، وفي السنوات الأخيرة لوحظ تزايد المجاهرين بإلحادهم، والمتبنين لأفكار تدعو للتحلل من كل قيد أو ضابط، بل إن الأمر لم يتوقف عند حد تزايد الأفكار الإلحادية وانتشارها بين فئات مختلفة من الشباب، بل وصل إلى إنشاء منابر ومنصات تفاعلية مختلفة تروج لها وتدعو إليها، ولعل أبرز تلك المنابر كانت شبكات التواصل الاجتماعي، التي وفرت مناخاً ملائماً لعرض تلك الأفكار مع ما تسمح به من وسائل جذب ووسائط متعددة وإمكانات تفاعلية متنوعة تفوق نظيراتها من المواقع التقليدية على الشبكة العنكبوتية، تلك الوسائل التي تعمل بشكل فاعل على تقديم خدمات ترويجية للأفكار بأشكال وأساليب عرض متجددة بشكل مستمر وسريع.
الملحدون العرب يحاولون تضخيم أعدادهم لخداع الشباب
بتقديرك، ما أهمية طرح القضية في هذا التوقيت؟
– الأهمية تكمن في تنامي ظاهرة انتشار الأفكار الإلحادية بين أوساط الشباب، والتحول للترويج لها على شبكات التواصل الاجتماعي بحسابات مُعلنة، والتداعيات المترتبة على انتشار تلك الأفكار الشاذة، وما قد تحدثه من خلخلة في بنية الأسرة والمجتمع، والآثار الخطيرة الناجمة عن تعرض النشء لتلك المواد، وندرة الدراسات التي تناولت تلك القضية عبر وسائل الإعلام المختلفة وتأثيراتها الخطرة، وقيام وسائل إعلامية متنوعة بالسماح لأصحاب الشبهات بعرض رؤاهم باستفاضة، ولهذا فإن المكتبة الإعلامية بحاجة لرسائل عن دور وسائل التواصل في مثل هذه النوعية من الانحرافات الفكرية.
تؤكدين أن هناك علاقة بين تنامي المد الإلحادي والاضطرابات التي شهدها عالمنا العربي، نود إلقاء الضوء على ذلك؟
– في الحقيقة، هذه الجزئية تحديداً كانت من النقاط التي لمستها بشكل مباشر في تلك الفترة؛ فاهتمامي بملف الإلحاد يعود لعام 2014م، حيث كنتُ أشرف على موقع «الباحث عن الحقيقة»، وهو من أوائل المواقع العربية المتخصصة والمعنية بالرد على الشبهات وتفنيدها، ومن خلال احتكاكي وتواصلي المباشر مع عدد من الشباب الذين يحملون أفكاراً مغلوطة، ومشاعر مضطربة، ويمرون بتحولات فكرية مختلفة ظهرت في صور متمردة متعددة من بينها صور للتفلت من تعاليم الدين وتوجيه الاتهامات له وإلصاق النقائص به.
أعداد الرافضين للأديان تزايدت ما بعد الثورات العربية
والحقيقة أن العديد من الدراسات بالفعل تفيد بتنامي ظاهرة المد الإلحادي -خاصة بين الشباب- في الفترة التي أعقبت الثورات التي اجتاحت بعض الدول، وما ترتب عليها من تغيرات عنيفة على أكثر من مستوى، بل وصل إلى حد المجاهرة بالآراء وإنشاء منابر ومنصات تفاعلية مختلفة تروج لها وتدعو إليها، وقد لاحظت ندرة في الأبحاث والرسائل العلمية المتعلقة بقضية الإلحاد والرد على الشبهات من منظور إعلامي، ويحسب لجامعة الأزهر أنها الأولى التي انتبه أبناؤها لدراسة تلك القضية ومحاصرتها قبل انتشارها.
ما موقف المؤسسات البحثية المعنية بالشأن الديني في عالمنا العربي؟
– لم تقف مكتوفة الأيدي، بل قامت بمحاولات مختلفة لرصدها وتحليلها ومحاولة تكوين رؤية عن أسبابها وأبعادها تمهيداً لوضع حلول عملية للتصدي لها من خلال تدشين صفحات وحسابات خاصة تجيب عن الشبهات وتفند ادعاءات الملحدين، وتقدم مصادر آمنة للمعرفة في هذا المجال، ولست مبالغة إذا قلت: إن المؤسسة الدينية صدر عنها عدد كبير من الكتب والدراسات وعقدت مؤتمرات متخصصة، ورصدت د. دعاء عبدالحكم الصعيدي نموذجاً لهذا عام 2018م، من خلال دراسة بعنوان «الخطاب الصحفي لشيوخ الأزهر في الرد على الشبهات حول الإسلام»، وقد أطلق مجمع البحوث الإسلامية، مسابقة دولية تناولت ظاهرة الإلحاد وأخطارها وسبل مواجهتها والقضاء عليها.
الشبهات العقدية الأولى بنسبة 26.4% عند «اللادينيين العرب»
ما أهم النتائج التي توصلت إليها الرسالة؟
– كشف الدور الذي تؤديه الصفحات الإلحادية على شبكات التواصل الاجتماعي في نشر الفكر الإلحادي والترويج له، وفي الوقت ذاته دراسة حجم الدور المعارض والمواجِه له من خلال دراسة وصفية اعتمدت على منهج المسح، بالتطبيق على صفحات «اللادينيين العرب»، «شبكة الملحدين العرب»، «رواسخ»، «بيان الإسلام»، مستخدمة صحيفة تحليل المضمون أداة لجمع البيانات، وقد توصلت لنتائج أبرزها: تصدر الشبهات «العقدية» الشبهات المعروضة على الصفحات المروجة للفكر الإلحادي، وتركزت على قضايا إنكار وجود الله تعالى، وإنكار البعث، والتشكيك في الديانات السماوية، والطعن في الأنبياء والرسل، والتحقير من قيمة الكتب السماوية، والتطاول والتجاوز في حق الذات الإلهية؛ وجاءت الشبهات العقدية في المرتبة الأولى بنسبة 26.4% في صفحة «اللادينيين العرب» متقاربة مع نسبة وجودها على صفحة «شبكة الملحدين العرب» 25.9%.
وبالمقابل، فإن صفحتي الدراسة المعنيتين بنقد الإلحاد والرد على شبهاته تقدمت فيهما عروض «القضايا العقدية» على غيرها من القضايا بنسبة 45.6% على صفحة «بيان الإسلام»، وتقدم في صورة فقرات قصيرة مختصرة، مع رابط إحالة لموقع الموسوعة.
وفيما يتعلق بمصادر معلومات النصوص المعروضة، تصدرت الآراء الشخصية والأحاديث المرسلة غير المستندة لدليل أو المعتمدة على مصادر داعمة نتائج الصفحات الإلحادية، وهو ما يوضح عشوائية الطرح، وضعف الثقافة العامة لزوارها ومتابعيها.
يجب تأهيل الدعاة على تفنيد شبهات الملحدين والمستشرقين
ما الأساليب المستخدمة من قبل الملحدين؟
– وفق النتائج التي تقيس سياق طبيعة الاستمالات المستخدمة من طرفي العينة، جاء استخدام الاستمالات العاطفية المتمثلة في استخدام أسلوب «السخرية» هو الأعلى في صفحة «للادينيين العرب» بنسبة بلغت 42.1%، وغلب الطرح العقلي من خلال أسلوب «الاستشهادات المنطقية» على صفحة «شبكة الملحدين العرب» بنسبة بلغت 43.5%، وبالتبادل جاءت في المرتبة الثانية اعتماد شبكة «الملحدين العرب»، لاستخدام أسلوب «السخرية» بنسبة 25%، في مقابل اعتماد أسلوب «الاستشهادات المنطقية» بنسبة 34.3% لصفحة «اللادينيين العرب».
ومن حيث أنواع المواد المرئية المصاحبة للنص ونسب تمثيلها؛ ففي الصفحات الإلحادية، جاءت المرتبة الأولى من نصيب مقاطع البرامج التلفزيونية بنسبة 66.7% على صفحة «اللادينيين العرب»، و62.1% على صفحة «شبكة الملحدين العرب»، والمرتبة الثانية لمقاطع «اليوتيوب» 34.5% على صفحة «شبكة الملحدين العرب»، و25% على صفحة «اللادينيين العرب»، والمرتبة الثالثة الأفلام الوثائقية 8.3% لصفحة «اللادينيين العرب»، و3.4% لصفحة «شبكة الملحدين العرب».
الرسالة تنصح بإنشاء مؤسسات خاصة بمكافحة الفكر الإلحادي
ما أهم توصيات الرسالة؟
ضرورة انتباهِ المؤسساتِ الدينيةِ والإعلاميةِ والتعليميةِ والتثقيفيةِ لخطورةِ الشبهاتِ الإلحاديةِ، وخاصة الضاربة في عمقِ العقيدةِ، وتقديمِ موادَّ دقيقةٍ ومبسطة ويسيرةٍ مقاوِمةٍ لتلك الهجماتِ تناسبُ كافَّةَ الشرائحِ والمستوياتِ، وضرورة مواكبةِ المؤسساتِ الدينيةِ الرسميةِ للتطورِ في مجالاتِ التكنولوجيا الحديثةِ، واستحداثِ وسائطَ تفاعليةٍ غيرِ تقليديةٍ تخاطبُ النشءَ والشبابَ بلغتِهم ووسائلِهم.
كذلك يجب إنشاءِ مؤسساتٍ خاصةٍ بمكافحةِ الفكرِ الإلحادي، وإيفادِ قوافلَ وحملاتِ توعيةٍ للمدنِ المختلفةِ، وتطويرِ الخطابِ المواجهِ للفكرِ الإلحادي ليصبحَ أكثرَ حداثةٍ في الفكرِ والطرحِ، فيتواءمُ مع متغيراتِ الواقعِ، ويلبِّي تطلعاتِه، مع المحافظةِ على الأصالةِ في الوقتِ ذاتِه، وتشديدِ رقابةِ المؤسساتِ الدينيةِ الرسميةِ على الظهورِ الفردِي لبعضِ الدعاةِ غيرِ المؤهَلِين في وسائلِ الإعلامِ، وتنبيهِ كلِّ مَن يتعمدُّ إثارةَ الفتنِ والقلاقل، ومتابعةِ المؤسساتِ الدينيةِ لكلِّ ما يثارُ على وسائلِ التواصلِ الاجتماعي، وبيانِ صحيحِ الدينِ فيه بشكلٍ واضحٍ، وغلقِ الأبوابِ أمامَ الآراءِ الشاذَّةِ، وتوجيهِ ضرباتٍ استباقيةٍ للمخططاتِ الإلحاديةِ بالكشفِ عن التحريفاتِ التي طرأتْ على بعضِ كتبِ التراثِ الشرعيةِ والتاريخيةِ وتفنيدِها بتدريبِ الشيوخِ والدعاةِ والدارسين على فنونِ محاورةِ الملحدين أو أصحابِ الشبهاتِ.