إرادة التقسيم في مواجهة إرادة الرباط والمقـاومة:
عبرت الصهيونية الدينية عن رؤيتها المرحلية للإحلال الديني في المسجد الأقصى في ثلاثة مشاريع قوانين في الكنيست لم يناقش أو يقر أي منها حتى اللحظة: الأول في 2012 بمشروع التقاسم التام للمسجد الأقصى بواقع 9 ساعات يومياً للمسلمين ومثلها لليهود، وتقاسم الأعياد السنوية، ثم في 2013 تجدد طرح نفس المشروع، وقد منع رؤساء الكنيست مناقشته في المرتين.
اليوم في 2023 يأتي مشروع قانون التقسيم المكاني للمسجد الأقصى، ما يجعل المسودة الحالية مشروع القانون الثالث لتقسيم الأقصى والأول الذي يتناول تقسيمه مكانياً. تضاف إلى ذلك نقاشات متتالية لمسألة إنهاء الدور الأردني في الأقصى وبحث سبل إنهاء ولاية الأوقاف الإسلامية على المسجد، وتشكيل لوبي مختص بتعزيز الحضور اليهودي فيه على مدى أربع دوراتٍ برلمانية من 2016 وحتى اليوم.
لعل أبرز ما يجب التنبه له هنا أن مشروعات القوانين هذه ظلت محاطة بعقدة ردعٍ تمنع تداولها والتقدم في محاولة إقرارها، وأن صعود السقوف الصهيونية تجاه المسجد الأقصى يتناقض مع مسار تطبيق هذه السقوف على الأرض، فالعودة إلى مسارات التقسيم المرحلية آنفة الذكر يوضح أن كلاً منها اصطدم بإرادة الرباط والمقـاومة عدة مرات فعجز عن التقدم نحو منتهاه كما في التقسيم الزماني، أو تبدد رغم التشبث الصهيوني به مثل التقسيم المكاني، أو تحول إلى بوابة استنزاف شبه سنوية للاحتلال كما في مشروع التأسيس المعنوي للهيكل.
من المهم إذن هنا ونحن نمضي في مواجهة تقسيم الأقصى أن ننطلق من مقدمتين رئيستين:
الأولى: أن هذا المشروع لا يبني على نجاحات سابقة بقدر ما هو انعكاس لتصور أيديولوجي يملي التقدم في سقوفه بشكلٍ منفصمٍ عن موازين القوى، وأن لا نسمح لحرصنا على الأقصى أن يرتد علينا عبئاً نفسياً يولد انكساراً غير واقعي، فصحيح أن المحتل تقدم في عدوانه على الأقصى لكنه اضطر للتراجع في كل مرة حاول أن يأخذ فيها عدوانه هذا إلى مساحة الحسم.
الثانية: أن طبيعة الإحلال الديني في الأقصى كإحدى قضايا التناقض الداخلي الصهيوني، في مقابل كونه رافعة تستنهض قوى المقاومة والقوى الشعبية الفلسطينية والعربية والإسلامية، تسمح لنا بخوض معركة منتصرة من أجله، معركة نخوضها من موقع إجماعنا الشعبي ومن موقع التناقض الصهيوني الداخلي ومحدودية الغطاء الدولي واستحالة التغطية الإقليمية من مطبعي العرب لهكذا مشروع.
باختصار، علينا أن نخوض هذا المعركة منطلقين من سؤال كيف نفرض التراجعات على المحتل، وكيف نبني على التراجعات السابقة؛ وليس من سؤال إذا ما كان مشروع التقسيم سينجح أم لا؛ فهذا التصاعد في السقوف المخالف للواقع والإمكانات يتحول مع الزمن إلى عبء حقيقي على المشروع الصهيوني لا بد أن نحسن استغلاله.