لا يخلو شهر من شهور العام من ذكرى لعلماء ومفكرين ودعاة ومصلحين غيبهم الموت بعدما تركوا بصمات جلية في حياتنا ونفوسنا وواقعنا لا يمكن تجاهلها، وسطروا مواقف من العمل لدين الله تعالى كأنها كتاب مفتوح من العطاء يطالعه كل راغب في الوقوف على حقيقة الدين والحياة معاً.
نجيب العامر.. المُحب لنبيه صلى الله عليه وسلم
رحل بعدما ترك أثراً عظيماً من الابتسامة في وجه كل حيران، وإصلاحاً في رأب كل صدع في الأسرة، وحباً وعشقاً لسيرة نبيه صلى الله عليه وسلم، فجسدها واقعاً ملموساً مرسوماً أمام الشباب بحسن عرضه.
إنه الشيخ نجيب خالد محبوب العامر، الذي ولد في 7 جمادى الأولى 1374هــ/ 1 يناير 1955م، في منطقة النقرة بمحافظة حولي بالكويت، وسط أسرة حرصت على غرس معاني الخير وحب النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته ودعوته في نفوس أبنائها؛ فشب نجيب محباً لدينه.
تخرج في الثانوية العامة بالقسم العلمي، ثم التحق بمعهد المعلمين قسم الرياضيات، ثم التحق بقسم الدراسات الإسلامية في كلية التربية الأساسية، وحصل على الماجستير في التربية من جامعة الكويت، وما لبث أن بدأ برسالة الدكتوراة وأتمها قبل وفاته، ولكنه لم يناقشها، وكانت رسالته «الرسول المربي صلى الله عليه وسلم».
عمل مدرساً في بداية حياته لمادة الرياضيات، لكن عشقه لدينه جعله يتقن تدريس مادة التربية الإسلامية، قبل أن يتفرغ للعمل كداعية ويؤلف من أجل ذلك الكتب والدراسات، وإلقاء المحاضرات والدورات التربوية، متأثراً كثيراً بالشيخ أحمد القطان، وخاصة أسلوبه الدعوي والاجتماعي.
وكان من أقواله: «إذا انشغل الناس بالجدال والصراع فاشغلْ نفسك بتهذيبها وتطويرها إيمانياً وتربوياً وعلمياً وشرعياً»، وعُرف ببره بوالديه وصلته لأرحامه والتماس العذر لكل من يسيء إليه، بل ويحسن الظن.
لقد أثرى المكتبة الإسلامية بالعديد من المؤلفات بلغت نحو 15 كتاباً، منها: «من أساليب الرسول صلى الله عليه وسلم في التربية»، «الرسول قدوة الأمة الوسطية».. وغيرهما.
وظل صاحب همة عالية في دعوته لدينه وتصحيح مفاهيم الشباب ودعم كيان الأسرة المسلمة حتى فاضت روحه لبارئها في 25 شعبان 1432هـ/ 26 يوليو 2011م(1).
أبو المكارم عبدالحي.. ونجاح ثورة يوليو 1952م
يعد من أكفأ «الضباط الأحرار»، وكان له دور مؤثر يوم ثورة 23 يوليو 1952م بمصر، إنه اللواء أبو المكارم عبدالحي أحمد سعد، وشهرته أبو المكارم عبدالحي.
ولد بقرية ميت سلسيل في محافظة الدقهلية بمصر، في 1 يونيو 1920م، وتربى بها وتعلم في مدارسها، والتحق بالكلية الحربية وتخرج فيها عام 1950م، لكنه فُصل من الخدمة لاختلافه مع عبدالناصر كونه عضواً بجماعة الإخوان المسلمين عام 1954م، وحُكم عليه بالإعدام، لكنه استطاع الخروج من مصر وظل خارجها حتى أصدر السادات عفواً عنه فعاد لوطنه.
تعرف أبو المكارم على جماعة الإخوان في وقت مبكر، وكان أحد صلة الوصل بين الإخوان و«الضباط الأحرار»، ووقت الثورة حاصر بصحبة عبدالمنعم عبدالرؤوف القصر الملكي برأس التين، حتى أُجبر الملك فاروق على التنازل عن العرش، وحصل على العديد من الأوسمة والنياشين، منها «نيشان محمد علي»، و«نجمة فلسطين».
وفي الخارج ظل يعمل من أجل قضية وطنه في العديد من المحافل الدولية والشعبية، وكان له رأي في وحدة مصر مع سورية، وظل كذلك حتى عاد لمصر في عهد السادات وتوفي يوم الأربعاء 31 يوليو 1985م(2).
نظام الدين عبدالحميد.. والعمل الدعوي بالعراق
كان واحداً من الأوائل الذين تعرفوا إلى دعوة الإخوان المسلمين منذ وصولها للعراق على يدي د. حسين الدين كمال، إنه نظام الدين بن الملا عبدالحميد بن الملا أحمد الشيخ بزيني، الذي ولد في كركوك بالعراق عام 1922م، وكان والده إماماً وخطيباً في مدينة كركوك؛ لذا نشأ في أسرة علمية شرعية ملتزمة.
توفي والده وهو طالب؛ فتحمل أعباء أسرته وإخوته منذ صغره من خلال عمله في إصلاح الساعات، فتعلم منها الدقة في العمل والحفاظ على المواعيد.
تخرج عبدالحميد في كلية الإمام الأعظم ببغداد، وأخذ العلوم الشرعية من أبيه وعلماء العراق الشرعيين آنذاك، ومنهم الشيخ مصطفى النقشبندي وغيره، كما حصل على الشهادة العليا في الدراسات الفقهية (الماجستير)، وعمل فترة أستاذاً في كلية الشريعة بجامعة بغداد.
أثرى المكتبة بالعديد من المؤلفات في الفقه والتفسير والدعوة ومقالات في مجلات إسلامية، محلية وعربية، وكتب مؤلفات عديدة في الفكر الإسلامي والشريعة وتفسير القرآن الكريم، أبرزها: «مفهوم الفقه الإسلامي وتطوره وأصالته ومصادره»، «تفسير القرآن الكريم باللغة الكردية».. وغيرهما.
تعرف إلى دعوة الإخوان بالعراق، وكانت له علاقة خاصة بالشيخ محمد محمود الصواف، حتى بعد خروجه من العراق.
توفي صباح يوم 19 ذي الحجة 1443هـ/ 18 يوليو 2022م، بمدينة برستل في بريطانيا عن عمر ناهز 100 عام(3).
محمد بن إسماعيل العمراني.. الفقيه اليمني
ولد أبو عبدالرحمن القاضي محمد بن إسماعيل العمراني الصنعاني في مدينة صنعاء القديمة باليمن، في 22 ربيع الأول 1340هـ/ 22 ديسمبر 1921م، في أسرة علم ودين، فالتحق بالمدرسة الابتدائية ودرس القرآن الكريم، وكان صاحب همة في طلب العلم منذ الصغر، وأكمل دراسته في الجامع الكبير على يدي العديد من علماء اليمن، وعمل بالتدريس في سن مبكرة وهو ابن 25 عاماً.
واعتبر الشيخ العمراني أحد أشهر علماء اليمن المعاصرين فيما يتعلق بالعلوم الشرعية والفقهية والدينية، وأسند له منصب مفتي الديار اليمنية، ووصلت شهرته لبلدان عربية كثيرة؛ فتوافد إليه العلماء وطلاب العلم من كل بلد لزيارته وتلقي العلم على يديه.
ظل منافحاً عن دينه، مصححاً للمفاهيم المغلوطة عنه، من خلال الدروس في المساجد والإذاعة وغيرهما، وعُرف باعتداله ووسطيته في مسيرته العلمية والعملية، ورغم ذلك فإنه تعرض لحملة شنعاء بعد ثورة اليمن من قبل المتشددين.
ظل على مواقفه المعتدلة والمتسامحة التي اشتهر بها حتى توفاه الله في ليلة الإثنين 2 ذي الحجة 1442هـ/ 12 يوليو 2021م، عن عمر ناهز 99 عاماً(4).
___________________________________
(1) عادل العصفور: نجيب خالد العامر.. صاحب الهمة العالية، مجلة «المجتمع»، 22 أغسطس 2022م، وانظر أيضاً: محمد الملا الجفيري: نجيب العامر قبس من حياته الدعوية وعرض لجهوده الفكرية، طـ1، 2014م.
(2) أبو المكارم عبدالحي: موقع إخوان ويكي، 6 يناير 2021م.
(3) وفاة العالم والمفسر العراقي نظام الدين عبدالحميد عن عمر 100 عام: 19 يوليو 2022م.
(4) نور الدين قلالة: رحيل الشيخ العمراني مفتي اليمن وعالمها، إسلام أون لاين.