كان موظفاً نشيطاً ناجحاً في عمله، يقوم بكل ما يُطلب منه بذكاء وسرعة ودقة، كل ما يعيبه أنه كان لعوباً إلى حد ما، يغادر مقرَّ عمله كثيراً دون إذن، أما عن إجازاته وأذوناته فهي أكثر من المعتاد.
ذات مرة تقدّم بطلب إجازة ليسافر مع أصدقائه في رحلة لكن مديره رفض، فما كان منه إلا أن تقدَّم بإجازة مرضية، واتصل مدعياً المرض معتذراً عن عدم الحضور، ولعلم المدير بحاله ذهب إلى بيته باكراً وفاجأه وهو يحمل حقائب رحلته، تلاقت العيون فكاد أن يموت خجلاً، وهنا كانت رسالة مديره: مهما فعلت فأنت غير قادر على خداعي، بل ووقع عليه عقوبة بخصم أجر يوم مضاعفاً.
لكن كانت النتيجة غير المتوقعة للمدير التي أوقعت الشركة في كارثة، تقدم الموظف باستقالته وترك الشركة وانصرف، ومن وقتها الشركة لم تقدم الإنجاز المطلوب منها، واكتشف المدير خطأه الفادح.
عشرات المواقف السلبية نشهدها في يومنا، من الذكاء والفطنة غضُّ الطرْف عن أخطاء الآخرين، وتجاهل ذكر المساوئ، ترفقاً وستراً، وعدم التسبب في إحراجهم، بل الحفاظ عليهم من تسلل الإحباط.
فوائد تقبُّل أخطاء الآخرين
تقبلك أخطاء الآخرين يجعلك في راحة بعيداً عن الأحقاد والضغائن، ويزيل الهم ويحفظ عليك قلبك من أمراضه، تعيش مطمئناً ومرتاح البال، بل تفتح لك القلوب فيحبك الناس ويقدرونك ويكنون لك كل الاحترام والتقدير.
يقول الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: تسعة أعشار حُسن الخلق في التغافل.
يقولون عن نيلسون مانديلا، وهو أول رئيس أسود اللون يحكم جنوب أفريقيا: ظل في سجنه 27 عاماً ظلماً وعدواناً، ثم خرج وسامح من سجنه وظلمه.
وأين هذا من قولته صلى الله عليه وسلم: «اذهبوا فأنتم الطلقاء»؟!
بيوت السعداء
ولأن الحياة الزوجية لا تخلو من مواقف ربما لا تُرضي أحد الطرفين، يأتي التغافل ليزيل التوتر والتشنج، بل الشد والجذب، ويضفي على الحياة سعادة ومودة وسكينة وهدوءاً، وكثرة اللوم تبعد الأحباب، والتغاضي عن الأمور التافهة يريح الأعصاب ويجعل أرواحنا لطيفة.
أما الآباء والأمهات المتقنون للتغافل فيكسبون أولادهم على المدى الطويل أكثر ممن لا يتركون شاردة ولا واردة ولا صغيرة ولا كبيرة إلا ويعاقبون عليها.