دافع رئيس وزراء الهند ناريندرا مودي، مؤخراً، في أول تصريح علني، عن فكرة القانون المدني الموحد للأحوال الشخصية، وقال: إن البلاد لا يمكن أن يكون لها قوانين منفصلة لشعبها، وإن الدستور يلزم الدولة بتأمين قانون مدني موحد لمواطنيها.
ويسعى حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند إلى تنفيذ هذا القانون على أرض الواقع منذ فترة طويلة، رغم رفضه من قبل المسلمين والمجتمعات الدينية الأخرى بمن فيهم الهندوس.
لكن يا ترى، ما القانون المدني الموحد للأحوال الشخصية؟ وما آثاره على المجتمع الهندي متعدد الثقافات والديانات؟ ولماذا يعارض المسلمون والمجتمعات الدينية الأخرى هذا القانون المقترح في الهند؟
القانون المدني الموحد
يعتبر القانون المدني الموحد (Uniform Civil Code) في الهند موضوع نقاش مكثف لعدة عقود في الهند.
من الجدير بالذكر أن المجتمعات الدينية المختلفة تخضع حالياً لقوانينها الخاصة المتعلقة بالزواج والطلاق والميراث والتبني والنفقة، بينما يسعى القانون المدني الموحد إلى استبدال مجموعة موحدة من القواعد تحكم جميع المواطنين بغض النظر عن انتماءاتهم الدينية بقوانين الأحوال الشخصية المستندة إلى النصوص المقدسة والأعراف الخاصة بالجماعات الدينية المختلفة.
ماذا يقول الدستور الهندي عن هذا القانون؟
ينص دستور الهند بموجب المادة (44)، وهو أحد المبادئ التوجيهية لسياسة الدولة، على أن الدولة يجب أن تسعى لتأمين قانون مدني موحد لمواطنيها، وناقشت العديد من الحكومات على مر السنين تنفيذ القانون المدني الموحد، ولكنها تركت الفكرة نظراً إلى حساسية وتعقيد القضية، حيث ظل هذا القانون موضوعًا مثيرًا للجدل، وحساسًا من الناحية السياسية.
الأحوال الشخصية للمجتمعات الدينية
تمتلك المجتمعات الدينية الرئيسة في الهند التي تشمل الهندوس والمسلمين والمسيحيين والسيخ قوانين شخصية مميزة خاصة بها مستندة إلى نصوصها المقدسة.
قانون الأحوال الشخصية الهندوسي: تشتق قوانين الأحوال الشخصية الهندوسية من النصوص والعادات الدينية القديمة المتواجدة في الكتب المقدسة في الديانة الهندوسية، يحكم قانون الزواج الهندوسي لعام 1955 الزواج والطلاق بين الهندوس، بينما يتعامل قانون الوراثة الهندوسية لعام 1956 (الذي يحكم الهندوس والبوذيين والجاينيين والسيخ) مع قضية الميراث.
قانون الأحوال الشخصية للمسلمين: يتبع المسلمون في الهند قانون الأحوال الشخصية للمسلمين الذي يستند إلى الشريعة الإسلامية، ويتعامل قانون تطبيق قانون الأحوال الشخصية للمسلمين لعام 1937 مع الأمور المتعلقة بالزواج والطلاق والميراث والنفقة بين المسلمين.
قانون المسيحيين واليهود وأتباع الديانة البارسية: ينطبق على المسيحيين واليهود وأتباع الديانة البارسية، قانون الميراث الهندي لعام 1925م.
من يعارض هذا القانون؟ ومن يؤيده؟
عارضت المجتمعات الدينية المختلفة بمن فيها المسلمون والطوائف الدينية والثقافية والقبلية الأخرى هذا القانون، بالإضافة إلى معارضة الأحزاب السياسية المعارضة بما فيها حزب الكونجرس وبعض حلفاء حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم.
بينما يؤيد حزب بهاراتيا جاناتا الحاكم في الهند بقيادة رئيس الوزراء ناريندرا مودي والأحزاب السياسية الحليفة له، بالإضافة إلى تأييد بعض المنظمات الهندوسية الدينية بما فيها منظمة «آر.إس.إس» التي تشرف على حزب بهاراتيا جاناتا.
يطمس التنوع ويقوض الخصوصية
يرى المعارضون لهذا القانون أنه يشكل تحدياً للتنوع الديني والثقافي المتواجد في الهند، حيث تعتبر الهند موطن الثقافات والديانات، ولكل من هذه الديانات والثقافات مجموعتها الخاصة من العادات والتقاليد وقوانين الأحوال الشخصية، وأن القانون الموحد يقوم على العمل بقانون موحد يتم تطبيقه على الجميع، وإلغاء القوانين الدينية المميزة لكل طائفة، ويرون أن مثل هذه الخطوة يمكن أن تقوض النسيج الثقافي للبلاد وتمس الحرية الدينية لمواطنيها.
كما أن أحد الشواغل الرئيسة التي أثارها معارضو هذا القانون هو التأثير المحتمل على مجتمعات الأقليات، أن قوانين الأحوال الشخصية تتشابك بعمق مع الهوية والممارسات الدينية لهذه المجتمعات، وأن فرض قانون مدني مشترك قد يضعف الحقوق الفريدة والحماية التي تتمتع بها الأقليات ويقوض استقلاليتهم الثقافية، فحماية حقوق الأقليات والحفاظ على ممارساتها المتميزة تعتبر أمرًا بالغ الأهمية في مجتمع تعددي مثل الهند.
يرى المحللون بأن المادة (13/ 2) من الدستور الهندي تفند هذا القانون؛ حيث يعتبر أي قانون يتعارض مع الحقوق الأساسية المضمنة في الدستور باطلاً.
ماذا يقول المؤيدون لهذا القانون؟
يجادل المؤيدون لهذا القانون بأن تنفيذ قانون موحد من شأنه أن يعزز المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة، من خلال القضاء على الممارسات التمييزية الموجودة في بعض قوانين الأحوال الشخصية الدينية، وهم يعتقدون أن القانون العام سيضمن حقوقًا متساوية في أمور مثل الزواج والطلاق والميراث والنفقات.
كما يشعر الكثيرون من هذه الطائفة أن وجود قانون مدني مشترك من شأنه أن يعزز الاندماج الوطني من خلال تعزيز الشعور بالوحدة بين المجتمعات الدينية المتنوعة وتقوية النسيج العلماني للبلاد.
هيمنة طائفية
على كل حال، يرى المحللون أن حزب بهاراتيا جاناتا الذي يحمل أيديولوجية هندوسية يسعى من خلال هذا القانون إلى هيمنة أيديولوجية «الهندوتفا» على جميع الديانات والثقافات، وأن الخطوة من شأنها أن تؤثر على تعددية الثقافات والديانات في الهند.
ولكن رغم كل هذه الاتهامات سوف يبذل حزب بهاراتيا جاناتا كل جهوده لجعل هذه القضية موضوعاً رئيساً في الانتخابات البرلمانية المقبلة في الهند التي من المزمع عقدها خلال شهري أبريل ومايو 2024م.