بلغ سراقة بن مالك بن جُعشم الـمُدلـِجي أن سوادًا مرّ بالساحل، فركب فرسه، منتهزًا للفرصة، خفية من قومه، يريد برسول الله صلى الله عليه وسلم فتكًا؛ أي قتلاً؛ ليحصل على ما جعلت قريش لمن رده أو قتله، وهو يهاجر برفقه صاحبه أبي بكر الصديق من مكة إلى المدينة.
حث سراقة في الطلب حتى أدركهما، فصُرع عن فرسه، فأخرج الأزلام فاستسقم بها فخرج ما يكره، فركب وحثَّ في الطلب، فصار أبو بكر يكثر التلفت، والمصطفى يقرأ ولا يلتفت، فلما قرب منهما قال: «اللهم اكفناه كيف شئت وبما شئت».
ودعا عليه النبي صلى الله عليه وسلم فساخت يدا فرسه إلى بطنها في أرض جَلَدٍ وخرَّ عنها، فقال سراقة: إني أراكما قد دعوتما عليَّ، فادعوا لي، فالله لكما أن أرد عنكما الطلب، فدعا له النبي صلى الله عليه، وفي رواية أن النبي صلى عليه وسلم قال لسراقة: «كيف بك إذا لبست سواري كسرى وتاجه».
فلما فتحت فارس والمدائن وغنم المسلمون كنوز كسرى أتى أصحاب رسول الله بها بين يدي عمر بن الخطاب، فأمر عمر بأن يأتوا له بسراقة، وقد كان وقتها شيخاً كبيراً قد جاوز الثمانين من العمر، وكان قد مضى على وعد رسول الله له أكثر من خمس عشرة سنة، فألبسه سواري كسرى وتاجه، وكان رجلاً أزب؛ أي كثير شعر الساعدين، فقال له: ارفع يديك وقل: الحمد لله الذي سلبهما كسرى بن هرمز وألبسهما سراقة الأعرابي، وقد روى ذلك عنه بن أخيه عبدالرحمن بن مالك بن جعشم، وروى عنه بن عباس، وجابر، وسعيد بن المسيب، وطاوس.
ولقد مات سراقة في خلافة عثمان سنة أربع وعشرين، وقيل: بعد عثمان.
فمن أخبر محمداً بن عبدالله، المهاجر والفارّ من القتل، بأن الله تعالى سوف يُغنم أمته كنوز كسرى وتاجه ويلبسها سراقة الأعرابي، ويتحقق وعد رسول الله، وهو الصادق الأمين.
_____________________
صحيح البخاري، كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام.