المرأة في المجتمع الإسلامي كيان محترم يستحيل الاستغناء عن وجوده ضمن الحياة العامة لهذا المجتمع، وهي ليست عورة كما يدّعي الجهلاء الذين حرّموا -على غير شرع الله- خروج المرأة واختلاطها بالمجتمع على الطريقة الإسلامية السليمة، فحَرَمُوا المجتمعات بتلك الآراء التعسّفية الخير الكثير، وضيّقوا ما وسّعه الله على خلقه.
إنّ أهم ما يميز المرأة المسلمة في عصور السلف الزاهرة مبادراتها في ميدان العمل العام، بدعمها للمبرّات الأهلية، وسدّها للثغور الاجتماعية، وبروزها في بذل الخير وتفريج الكربات، لقد أسهمت مساهمة فعالة في مجال الفتوحات، واكتتبت بمالها وحليِّها لمساعدة الجيوش، وما من قطر إسلامي إلا وبه أثر أو سبيل أمرت امرأة بإنشائه على نفقتها الخاصة.
العمل مباح للمرأة
ولا يوجد نص شرعي صحيح الثبوت صريح الدلالة يحرّم عمل المرأة المسلمة خارج بيتها، خصوصًا أن الله خاطبها كما يخاطب الرجل، فهي نصف المجتمع الإنساني، ولا يُتصور أن يعطل الإسلام نصف مجتمعه فيصيبه بالشلل والجمود.
لقد عملت بعض أمهات المؤمنين وتصدقن بما كسبن من هذه الأعمال، تقول عائشة رضي الله عنها: «كانت زينب بنت جحش تساميني في المنزلة عند رسول الله ﷺ، ولم أر امرأة قط خيرًا في الدين من زينب وأتقى لله وأصدق حديثًا وأوصل للرحم، وأعظم صدقة، وأشد ابتذالًا لنفسها في العمل الذي تصّدق به»، وكانت زينب رضي الله عنها امرأة صنّاعة باليد، كانت تدبغ وتخرز وتتصدق في سبيل الله.
بل قد يكون عمل المرأة المسلمة في بعض الأحيان مستحبًّا أو واجبًا، فابنتا شعيب خرجتا للعمل لشيخوخة أبيهما، أو كأن تكون المرأة أرملة أو مطلقة ولا مورد لها ولا عائل، وهي قادرة على نوع من الكسب يكفيها ذلّ السؤال، أو قد يكون المجتمع نفسه بحاجة إلى عملها في تخصصات بعينها لا تصلح فيها إلا المرأة، إلا أن الإسلام يشترط على المرأة حال خروجها للعمل، أن يكون هذا العمل مشروعًا في ذاته، أي لا يفضي إلى ارتكاب حرام، وأن تلتزم بآداب المسلمة عند الخروج من البيت: في اللبس والمشي والكلام والحركة.
العمل الأهم
على أن عمل المرأة المسلمة الأهم والأعظم هو تربية أبنائها والانشغال بهم، وهذه رسالة جليلة وعمل فريد لا تقوم به إلا المرأة، فعلى عملها هذا يتوقف مستقبل الأمة، وبهذه الوظيفة تسعد الأسر، وتنجو الشعوب من مهلكات تحيق بها إن أهملتها أو فرّطت فيها.
لقد خرجت المرأة الغربية للعمل مضطرة؛ لأنها لا تجد من ينفق عليها ويقوم بكفالتها ورعاية أبنائها، فهي تعمل في وظائف الرجل، الرفيعة منها والوضيعة، خوفًا من الفقر والجوع، أما المرأة المسلمة فهناك من هو متكفّلٌ بالإنفاق عليها وإعالتها بطريقة تضمن صيانتها.
والمرأة إذا خرجت للعمل دون الحاجة إليه تخسر في مقابل ذلك الكثير، فعملها في بيتها لا يقدر بثمن (النساء في المجتمعات الصناعية يساهمن بأكثر من 25 – 40% من منتجات الدخل القومي بأعمالهن المنزلية)، فالأمومة ليست نومًا، ولا كسلًا، ولا فراغًا، وإنما هي كفاح، وصبر وبلاء، وفداء، وإيثار، وتضحيات، يهون بجانب ذلك كل عمل من الأعمال.
المرأة الغربية تعود لبيتها
لقد اكتوى الغرب بنار خروج المرأة للعمل، وانطلاقها في دروبه غير عابئة بنتائج ذلك، فحصد أضرارًا اجتماعية هائلة جنت على الأسرة في بلاده، حيث كثر الزنى وقلَّت الرغبة في الإنجاب حتى بدأت أعداد سكان بعض الدول الأوروبية في التناقص، وكثرت جرائم الشباب والأطفال بصورة مخيفة بسبب افتقاد حنان الأم، التي أصبحت هي نفسها مهانة ومنفلتة، أما المقابل الذي تحصل عليه المرأة فهو لا يتساوى مع ما يصيبها من جرّاء ممارستها الأعمال المجهدة التي هي من صميم عمل الرجل، كحرمانها من الإنجاب، وتعرضها -حسب دراسات علمية- إلى الإصابة أكثر من غيرها بسرطان الثدي والجهاز الهضمي، ومرض السكر.
والغرب يحاول الآن، وبشكل جاد، إعادة المرأة إلى عملها الأصلي، بعدما ملّت هي نفسها ذلك الدور السئيم الذي لم تُخلق له، فمساواتها بالرجل في العمل وهمٌ أفاقت المرأة الأوروبية منه مؤخرًا، وقد ملّت أيضًا تلك الحياة العائلية التي لا ترى فيها زوجها وأبناءها إلا للحظات خاطفة، تكون خلالها مرهقة الجسم خائرة القوى متوترة الأعصاب.
ولقد أكد ميخائيل جورباتشوف، الرئيس السوفييتي الأسبق، هذا التوجه في كتابه «البروسترويكا» بقوله: «ولكن طوال سنوات تاريخنا البطولي والشاق، عجزنا عن أن نولي اهتمامًا لحقوق المرأة الخاصة، واحتياجاتها الناشئة عن دورها كأُم وربة منزل، ووظيفتها التعليمية التي لا غنى عنها بالنسبة للأطفال، إن المرأة إذ تعمل في مجال البحث العلمي وفي مواقع البناء وفي الإنتاج والخدمات، وتشارك في النشاط الإبداعي لم يعد لديها وقت للقيام بواجباتها اليومية في المنزل من العمل المنزلي وتربية الأطفال وإقامة جو أسري طيب».