أكد د. خيري عمر، أستاذ العلوم السياسية في جامعة صقاريا بتركيا سابقاً، الخبير في قضايا الشرق الأوسط، أن سقوط الدولة العثمانية غيَّر شكل خريطة العالم، وأضر بدولة فلسطين، تحت وطأة أطماع دول الاستعمار الغربي، والرغبة في ظهور هيمنة أمريكا.
وشدد، في حوار مع «المجتمع»، على أن انتهاء الدولة العثمانية كان في غالبه لأسباب داخلية، بجانب تكالب دول الاستعمار الغربي عليها، وفيما يتعلق بإمكانية استعادة التجربة التاريخية مرة أخرى، أوضح أن العودة للإمبراطورية أو الوحدة هي نتيجة تقارب عدة دول لفرض موقعها بين دول العالم وفي النظام الدولي.
معاهدة «سيڨر» كانت المرحلة الأخيرة في تقرير مصير الخلافة العثمانية
البعض يعتبر نتائج الحرب العالمية الأولى المسمار الأخير في نعش تفكك الخلافة العثمانية وانهيارها، هل تتفق مع ذلك؟
– لا شك، لقد خرجت الخلافة العثمانية من الحرب العالمية الأولى في حالة تفكك، فقد ساهم وقوفها إلى جانب ألمانيا والنمسا للوصول للمرحلة الأخيرة من المسألة الشرقية، بحيث تم تقسيم الولايات وتحويلها لدول مستقلة، حسب معاهدة «سيڨر»، في 10 أغسطس 1920م، وتعتبر تلك الاتفاقية ضربة قوية للدولة العثمانية، حيث صارت ولاياتها نهباً لأطماع دول الاحتلال الأوروبية، وتاريخياً تعد بداية النهاية للدولة العثمانية، حيث استباحوا ما كانوا يصفونها في هذا الوقت بـ«تركة رجل أوروبا المريض»، ورزحت تركيا تحت الاحتلال البريطاني واليوناني والإيطالي والفرنسي، إلى أن جرى توقيع معاهدة «لوزان» في سويسرا عام 1923م، بين تركيا -التي ورثت الدولة العثمانية- والحلفاء.
كيف انعكس سقوط الخلافة على صياغة النظام العالمي الجديد؟
– قام العالم الغربي بزرع التناقضات في أرجاء دول الخلافة، وعمل على منع ظهور كيان إمبراطوري بديل للخلافة العثمانية كما جرت العادة في العالم الإسلامي، بداية من الدولة الأموية وصولاً إلى الدولة العثمانية، وساهم ذلك في صعود المد القومي العربي والتركي، ونزعات التمرد والاستقلال عن الدولة العثمانية.
الحرب العالمية الأولى عصفت بما تبقى من الإمبراطورية الإسلامية
وسرعان ما واكب ذلك بعد هزيمة الحرب العالمية الأولى، إلغاء الخلافة العثمانية رسمياً، في 3 مارس 1924م، بعد إزاحة السلطان العثماني محمد السادس، ثم تسارعت خطوات الاستعمار الغربي لإحكام القبضة على العالم لمنع ظهور بديل للدولة العثمانية.
وعلى خلفية «الثورة العربية الكبرى» تفاقم الخلاف بين الدولة العثمانية والولايات الخاضعة لها، وخصوصاً في الانقسام حول المشاركة بالحرب لجانب بريطانيا متقارباً مع ظهور تفاهمات «سايكس بيكو» عام 1916م التي حددت تقسيم الشرق الأوسط، ونتج عنها احتلال بريطانيا لفلسطين ووضعها تحت الانتداب تمهيداً لإقامة الدولة الصهيونية عليها، فيما وضع الاحتلال الفرنسي لافتة الانتداب على لبنان وسورية، وسرعان ما تم الإعلان عن «وعد بلفور»، في 2 نوفمبر 1917م، بإقامة وطن لليهود في فلسطين، لتكون القاصمة.
تزامن مع ذلك الاعتراف الغربي بالحكومات القومية وتعزيز النزعات القومية الاستقلالية، بشكل جعل ظهور إمبراطورية هيمنة دولية عالمية كبيرة وهي الولايات المتحدة الأمريكية أمراً سهلاً، وكأنه وراثة للعالم بعدما تم إسقاط الإمبراطورية الأكبر في العالم وهي الإمبراطورية الإسلامية.
عدم إيجاد بديل محل العثمانيين ساهم في صعود الهيمنة الأمريكية
هل كانت مراكز قوى الدول الغربية السبب الوحيد لسقوط دولة الخلافة العثمانية، أم هناك أسباب ذاتية داخلية؟
– سقوط الإمبراطوريات الكبرى يبدأ من الداخل، ولاحقاً تتدخل العوامل الخارجية، وطبقاً لواقع دولة الخلافة العثمانية في سنواته الأخيرة، فقد ظهرت علامات الضعف وزادت محاولات التمرد المستمر عليها، وتخلفت عن امتلاك أسباب القوة المناسبة والمتنوعة، في ظل الأزمات الاقتصادية وزيادة الديون؛ ما ساهم في تعزيز فرص نجاح الدول الغربية الاستعمارية في القضاء على الخلافة، وهو ما يجب الانتباه إليه جيداً، فلا يمكن لإمبراطورية أو دولة قوية أن تسقط إلا بعد أن تتفكك من الداخل كمقدمة للدفع بها إلى حافة الجبل.
بذكر فلسطين، هل عجَّل رفض السلطان عبدالحميد الثاني لهجرة اليهود إلى فلسطين بإسقاط دولة الخلافة وتحمل فلسطين عواقب ذلك حتى اليوم؟
– يمكن اعتبار رفض السلطان العثماني عبدالحميد الثاني ممانعة معنوية، وموقفاً تاريخياً، ساهم بشكل ما في تعزيز رؤية الخلافة كعقبة وحائط صد أمام الدول الغربية الاستعمارية، ولكن كانت عوامل سقوط الخلافة مجتمعة سواء من ضعف الداخل أو مؤامرات الخارج، ولا تحتاج إلى هذا السبب.
كان يمكن للخلافة إن استمرت، بشرط تصحيح مسارها واستعادة قوتها، أن تكون ظهيراً قوياً لفلسطين، ولكن الآن ومع استمرار العدوان الصهيوني على قطاع غزة والضفة، بعد معركة «طوفان الأقصى»، يمكن القول: إن فلسطين استعادت جزءاً بسيطاً من حضور الظهير المساند لها خاصة على المستوى الشعبي الواسع.
«سايكس بيكو» و«وعد بلفور» شكلا المنطقة العربية وابتلعا فلسطين
هل يقبل النظام العالمي الجديد أي وحدة للأمة الإسلامية تحت أي مسمى سواء خلافة أو اتحاد الدول الإسلامية أو مسمى آخر؟
– الإمبراطوريات تصنع نفسها بنفسها، وتضع شروطها بنفسها، ولا تستأذن من أحد، وعندما تمتلك الأمة الإسلامية نهضة قوية قادمة من تراكم القوة الشاملة وترسيخ أسباب القوة الاقتصادية والإنتاجية الضخمة، لا يمكن لأحد أن يقول لها ما تفعل، سواء أن تعلن وحدتها أو لا تعلن، فالجميع ساعتها يذعن للقوي، والذي يحدث الآن أن الصراع ما زال محتدماً بين قوى الهيمنة بكل تنوعاتها سواء أمريكا، أو الصين، أو روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي، في محاولة لاذعان طرف لآخر، في ساحة دولية بات الصراع على الهيمنة فيها أولوية تلك الدول الكبرى.
سقوط الإمبراطوريات الكبرى يبدأ من الداخل ثم يأتي تأثير الخارج
البعض يتحدث بعد اتهامه لـ«داعش» بتشويه مفهوم الخلافة أن الأمة بحاجة إلى صك مصطلح جديد على غرار فكرة الاتحاد الأوروبي، كيف ترى ذلك؟
– هذه قضية متشابكة تجمع ما بين السياسة والفقه والواقع، وهناك اجتهادات فقهية في مضمار فكرة الخلافة، وما أرتاح له أنها مسألة ظنية، يمكن أن تعزز باعث الوحدة تحت أي شكل مناسب، وعنوان مناسب، وأعتقد أن متطرفي «داعش» لم تطمس تصوراتهم مفهوم الوحدة، وهناك مشكلة أكثر أهمية، وهي أن التنظيمات الحركية الإسلامية لم تقدم تصوراً واضحاً حول مفهوم الخلافة، ولذلك هناك فقر شديد، يمكن تعويضه بتصحيح مسار المنظمات القائمة في العالم الإسلامي لامتلاك أسباب القوة الشاملة.