من يستشرف تاريخ الكويت يستطع أن يدرك مدى الترابط والمحبة والتآخي والتعاون بين أبناء هذا البلد الطيب وبين إخوانهم في الإسلام والعروبة، ولا أدل على ذلك من هذا الموقف المشرّف، الذي جاء على لسان الباحث فايز نايف الرديني، حيث سجل مقطعاً مصوراً بثه عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بمناسبة ما تعيشه أراضينا الفلسطينية الأبِيَّة، وتحديداً أهلنا في قطاع غزة، من هجوم وحشي من الكيان الصهيوني المحتل، في وقت دعا فيه الشرفاء الأحرار من المسلمين للقيام بمقاطعة كبيرة، تشمل جميع السلع والمنتجات، التي تدعم هذا الكيان الصهيوني الغاشم.
أما عن الموقف الشجاع لأهل الكويت الطيبين، فيقول الراوي: «بطل هذا الموقف رمز وطني، وهو العم عبدالعزيز حمد الصقر، رحمه الله تعالى، ونتيجة مباشرة لفزعته وموقفه المشرف هو وإخوانه من أهل الكويت الطيبين عُزل وزير خارجية اليابان، ففي عام 1967م اعتدى الكيان الصهيوني على الدول العربية المحيطة به، فاحتل خلال ستة أيام سيناء من مصر، وأراضي من الأردن، وهضبة الجولان السورية، ومزارع شبعا اللبنانية، وضم القدس وغزة والضفة الغربية إليه، وأعلن الكيان الصهيوني عن «إسرائيل الكبرى».
بناء على تلك الأحداث دعت الدول العربية إلى اجتماع قمة عُقد في السودان، فكانت قمة الخرطوم، التي أجمع قادة الدول العربية فيها على مجموعة من القرارات الفورية، أهمها: لا صلح، لا تفاوض، لا اعتراف، كما اتفق بعض القادة العرب، وهم: الرئيس جمال عبدالناصر، والشيخ صباح السالم الصباح، والملك فيصل بن عبدالعزيز، رحمهم الله تعالى، على إيفاد وزراء الخارجية العرب إلى مختلف دول العالم، لحثهم على عدم الاعتراف بالكيان الصهيوني، وبيان ما قام به من انتهاكات في حق الدول العربية جميعاً، وبالفعل تم اختيار أمير البلاد الراحل الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، رحمه الله تعالى (الذي كان وزيراً للخارجية آنذاك)، ممثلاً عن الدول العربية لإيصال الرسالة إلى دول شرق آسيا، وبالفعل بدأ «عميد الدبلوماسية» أو كما أُطلق عليه أيضاً «عميد الدبلوماسيين العرب» الشيخ صباح الأحمد الصباح جولته، وكان له دور كبير وبصمة مؤثرة في إيصال نتائج قمة الخرطوم إلى معظم دول شرق آسيا، إلا أن زيارته إلى اليابان لم تحظَ بالمستوى نفسه من التوفيق والنجاح، مثل ما حدث في باقي الدول، بل إن وزير خارجية اليابان أعلن صراحة دعم بلاده وتأييدها للكيان الصهيوني، حينها حاول الشيخ صباح الأحمد مرة ثانية، إلا أنه لم يوفق في إقناع نظيره الياباني، فما كان منه إلا أن عاد متأثراً آسفاً على ما أعلنت عنه اليابان من دعمها للكيان الصهيوني.
في صباح اليوم التالي، جاءه اتصال من العم عبدالعزيز حمد الصقر، يسأله عن نتيجة زيارته إلى اليابان، فما كان من الشيخ صباح الأحمد إلا أن أطلع العم عبدالعزيز الصقر على نتيجة زيارته إلى اليابان، وأنها كانت غير موفقة، نظراً لتأييد اليابان للكيان الصهيوني، فما كان من العم الصقر إلا أن رد على الشيخ صباح الأحمد قائلاً: «ما يصير خاطركم إلا طيب».
وعلى الفور، اتصل العم عبدالعزيز الصقر بمدير مكتبه، وطلب منه عقد اجتماع فوري لأعضاء غرفة التجارة، وبالفعل تم الاجتماع، وأخبرهم العم عبدالعزيز بما أخبره به الشيخ صباح الأحمد، فسألوه عن رأيه الشخصي حيال هذا الأمر، فأجاب بضرورة المقاطعة، وبناء على رأي العم عبدالعزيز الصقر عقدوا العزم جميعاً على قيامهم بمقاطعة جميع المنتجات اليابانية بشكل فوري.
ومن الجدير بالذكر، أن عدد الأعضاء في غرفة التجارة آنذاك قد بلغ 1800 عضو، وقد اتفقوا جميعاً على دعوة جميع تجار الكويت لتفعيل المقاطعة، وكانوا على الموعد كعادتهم بمواقفهم المشرفة الشجاعة، فقد تحمّس الجميع لتفعيل المقاطعة، وبالفعل قاطعوا جميع المنتجات اليابانية، وألغوا جميع العقود المبرمة لاستيراد منتجات من اليابان، وغلَّبوا المصلحة العامة ونصرة إخوانهم في الإسلام والعروبة على مصالحهم الشخصية.
وبفضل المولى سبحانه وتعالى، ثم بفزعة هؤلاء الشرفاء، تأكد موقف الكويت الأبيَّة، وأتت المقاطعة بثمارها، فبعد مرور ثلاثة أيام من بدء المقاطعة تمت إقالة وزير خارجية اليابان، وعُيِّن وزير خارجية جديد، وفي اليوم الرابع جاء مسرعاً إلى الكويت ليجتمع مع وزير الخارجية الكويتي آنذاك الشيخ صباح الأحمد الصباح، ويعتذر عن الموقف السياسي السابق لليابان حيال القضية، وأبلغ الشيخ صباح الأحمد الصباح أنهم موافقون على ما انتهت إليه القمة العربية، وأنهم مؤيدون للموقف الكويتي في دعم الدول العربية».
هكذا هم أبناء الكويت الطيبون، وهكذا هي مواقفهم الشجاعة، التي أثبتوا من خلالها أنهم رجال صدقوا ما عهدوا الله تعالى عليه، فهم على موعد دائماً مع نصرة ومؤازرة إخوانهم في الإسلام والعروبة.
ولعل موقف دولة الكويت الحرة؛ حكاماً ومحكومين، في الآونة الحالية حيال إخوانهم في فلسطين الأبية، من نصرة ودعم وتأييد لأبناء هذه الأرض المباركة، لهو خير دليل على أنهم، كما عهدهم العالم أجمع، ناصرون للحق، مدافعون عنه بكل ما آتاهم الله تعالى من قوة، دعاة للنصرة بكل الوسائل، منددون بالجرائم الوحشية ضد إخوانهم المسلمين ومقدساتهم الدينية الشريفة، وأن الأجيال الحالية ما هي إلا امتداد مشرّف لهذا الجيل المبارك من أبناء الكويت الطيبين، الذي مارس بالفعل أسلوب المقاطعة الاقتصادية لمصلحة سيادة الوطن بحمد الله تعالى وتوفيقه.
____________________
ينشر بالتزامن مع صحيفة «القبس».