يوجد في عالم اليوم اهتمامٌ متزايد بممارسة اليوغا، وهي تقنية قديمة تمزج بين العبادة والرياضة، فاليوغا ليست مجرد نشاط بدني، بل تجربة شاملة ترتكز على تحقيق التوازن بين الجسم والعقل والروح، وهي عبارة عن طقوس تعبدية لما يسمى بالإله «شيفا» في الهند.
فاليوغا تعتبر من أصول هندية قديمة، ترتكز فلسفتها على فكرة تحقيق التوازن بين العقل والجسم والروح، إذ يتبع اليوغيون في جلساتهم تمارين الاسترخاء والتأمل إلى جانب تمارين القوة واللياقة البدنية، وتشمل ممارسة اليوغا تمارين التنفس والتأمل ووضعيات الجسم المختلفة (الآسانا).
مع تزايد شعبية اليوغا كرياضة، أدرك العديد من الناس أنها ليست مجرد سلسلة من الحركات البدنية، بل تمثل تجربة داخلية شاملة، وهي عبارة عن عبادة ما يسمى بالإله «شيفا»؛ وبالتالي منع كثير من العلماء الهنود والعرب ممارسة اليوغا، وإليكم بعض الأسباب:
اليوغا في الكتب الهندوسية
جاء في كتاب «بانتاجالي» أنها ممارسة للانغماس في العبادة الذاتية والتفكر العميق، فعندما يجتمع الفرد في وضع يوغا معين، يمكن أن يجد لحظات من السكينة والتأمل التي تعزز الصلة الروحية، تعتبر هذه اللحظات فرصة للتواصل مع الذات الداخلية والبحث عن الهدوء والتوازن، والاتصال بـ«إله»!
ويتناول الفصل السادس من «بهاغافاد جيتا» فلسفة اليوغا، حيث شرح اللورد كريشنا لأرجون تفاصيل اليوغا، وأشار إلى أن اليوغا يخلص من الألم والمعاناة، ويمنح المتمرن اليوغا السلام الداخلي من فضل الروحانية الإلهية، سأل أرجون كريشنا: لقد تحدثت عن اليوغا، وتحدثت عن الروح؛ لكن عقل الإنسان دائمًا مضطرب، والعقل قوي وعنيد ومتوجه نحو هدف، لا يمكن خروجه كالهواء؟
أجاب كريشنا: بالتأكيد العقل مضطرب، ومسيطر عليه صعب، ولكن يمكن ترويضه من خلال العمل الدؤوب (أبهياسا)، والانفعالات والتفكير (فرغايا) يمكن التخلص منها.
جذور كلمة اليوغا
اليوغا أساساً تمرين روحي مبني على علم شديد الدقة، يركز على تحقيق التوازن بين العقل والجسم، يُشتق مصطلح اليوغا من الجذر السنسكريتي «يوغ»، الذي يعني الانضمام أو الربط أو الوحدة.
وفقًا لكتب اليوغا، تؤدي ممارسة اليوغا إلى اتحاد الوعي الفردي مع وعي الكون، مما يشير إلى تحقيق توازن كامل بين العقل والجسم، وبين الإنسان والطبيعة، يُقال: إن من يختبر هذه الوحدة في الوجود يكون في حالة اليوغا، ويُطلق عليه اسم يوغي.
اليوغا في البقايا الأحفورية
عدد الختمات والبقايا الأحفورية لحضارة وادي السراواتي الهندية تحمل رموزًا يوغية وشخصيات تمارس صعوبة اليوغا، مما يشير إلى وجود اليوغا في الفلسفة الهندوسية القديمة.
رموز الأعضاء التناسلية، وختمات تماثيل الإلهات الأم، تشير إلى يوغا التانترا، ويتوفر وجود اليوغا في التقاليد الشعبية، وحضارة وادي السراواتي، والتراث الفيدية والأوبانيشادي، والتقاليد البوذية والجينية، والدارشانات، وملحمتي ماهابهاراتا ورامايانا، والتقاليد اللاهوتية للشيفايين والفيشنافيين، والتقاليد التانترية.
كانت هذه الفترة عندما مورست اليوغا تحت إرشاد مباشر من مرشد اليوغا ما يسمى يوغ غورو، وكانت قيمته الروحية تُولى اهتمامًا خاصًا، وكانت جزءًا من العبادة، وكانت يوغا سادهانا مدمجة في طقوسهم، كانت الشمس تحظى بأهمية قصوى خلال العصر الفيدي، وقد يكون تم ابتكار ممارسة «سوريا ناماسكارا» لاحقًا بسبب هذا التأثير، كان البراناياما جزءًا من الطقوس اليومية وتقديم القربان.
على الرغم من أن اليوغا كانت تُمارس في العصر ما قبل الفيدي، فإن الحكيم مهاريشي باتانجالي قام بتنظيم المعرفة المتعلقة بها من خلال يوغا سوترا وترميز الممارسات اليوغية القائمة آنذاك.
كيف يرى الهندوس اليوغا؟
قال واحد من مستخدمي اليوغا: أنا محتار جدًا! يقول العديد من الأشخاص على الإنترنت: إن اليوغا ليست دينية، أختلف معهم باحترام.
اليوغا تعني الاتحاد، وتُذكر في «البهاغافاد غيتا»، وهي كتاب مقدس في الهندوسية، وبانتاجالي، الذي كتب سوترا اليوغا؛ أي أصول اليوغا يقول: إن هدف اليوغا تحقيق السمادي، حيث يُزعم أنك تتصل بالله/ الإله، تزعم فلسفة اليوغا أنها وسيلة للاتصال بالله.
لليوغا إله راعٍ يُدعى «شيفا»! إنه إله هندوسي وهو الإله الذي يخصص ممارستهم له اليوغيون، واليوغا هي حرفيًا نوع من الصلاة اُبتكرت الآسانا، المعروفة أيضًا باسم وضعيات اليوغا، لكي يستطيع الناس الجلوس في التأمل لساعات، مركزين على إله «شيفا»! إنها ليست مجرد تمارين؛ الادعاء بذلك يعد فهمًا خاطئًا لليوغا.
اليوغا لها فلسفة عميقة، إرشادات حول عدم التعصب، والنباتية، وكيفية التعامل مع الآخرين، وإرشادات حول كيفية العبادة؛ أي صلاتهم وتجنب الكحول وغيرها، يجب ألا تُنظر إليها على أنها شيء يحث على التمارين فقط.
ومن الواجب أن تُنظر إليها على أنها نمط حياة، إذا كان الناس يؤمنون بهذه الفلسفة، فهم هندوس من حيث التعريف، لأن اليوغا فلسفة هندوسية، إذا أراد الناس وضعها في أي فئة، أعتقد أنه يجب وضعها في نفس فئة حضور الكنيسة أو الصلاة لله، لأن هذا هو جوهرها بشكل أساسي.
مثال لفهم اليوغا
قد ثبت من العبارات الآنفة الذكر أن اليوغا عبارة عن عبادة لإله «شيفا»! وهي نمط حياة تقوم على الفلسفة الهندوسية، ومن الممكن أن نفهم اليوغا من احتفالات عيد الميلاد ليسوع المسيح، حيث إن المسيحيين والنصارى يحتفلون كاحتفال ديني يعبدون فيه.
ولكن هناك أيضًا أشخاص يحتفلون بعيد الميلاد كاحتفال علماني غير ديني، وهذا مثال جيد؛ لأن العديد من تقاليده (مثل تزيين الشجرة.. إلخ) انتقلت من ممارسات الوثنية، حيث تم تبني تقاليد الوثنية لتصبح تقاليد مسيحية، وفي المقابل، تم اعتماد تلك التقاليد المسيحية من قبل بعض الأشخاص لتصبح علمانية.
آراء العلماء في اليوغا
قال د. أحمد شلبي: «الإسلام هو القوة التي قهرت المبشرين المسيحيين، والبوذيين، فإذا صرفوا الناس عنه بطريق أو بآخر -ولو باسم «جنانا يوجا»- التي تتسع لكل المعتقدات، ولا تتقيد بقيود أي منها؛ فإن هذا كسب لهم عظيم، وبعد أن يُصرف المسلم عن الإسلام بهذه الحيلة البارعة؛ يمكن نقله إلى التشكيك، فليحذر المسلم اليوغا، ومداخلها، ودعاتها».
ويضيف د. بسام الشطي، منكراً هذه الرياضة فيقول: «إذن فإنها رياضة روحية وبدنية، ويراد منها ابتداء الفناء، والاتصال بالله تعالى».
ويقول أمانت عليّ القاسمي: «لا يجوز للمسلم أن يمارس اليوغا؛ لأن الهندوس يمارسونها كواجب ديني يمارسونه يوميًا مع تلاميذهم بما يتماشى مع الإيمان الهندوسي الخاص بهم».
والفتوى الصادرة عن دار الإفتاء بدار العلوم بديوبند تشير إلى أن اليوغا لا يجوز للمسلمين ممارسة هذه الأعمال والمعتقدات الهندوسية.
كما يشير عبد الرحيم قريشي، نائب الأمين العام لهيئة قانون الأحوال الشخصية الإسلامية، إلى أن ممارسة اليوغا عبادة هندوسية وتعارض المبادئ الإسلامية، وأنه يجب تجنبها.
بالإضافة إلى ذلك، يقول مولانا ولي الرحماني، الأمين العام السابق لهيئة قانون الأحوال الشخصية الإسلامية: إن ممارسة اليوغا تعتبر تقليداً للهندوسية ولا يجوز للمسلمين القيام بها.
وفي الختام، اليوغا تمرين روحي متجذر في الفلسفة الهندوسية وتعتبر ممارستها جسرًا يصل بين العبادة والرياضة؛ لذا، يمكن القول: إن اليوغا تمثل العبادة للإله «شيفا» بالرياضة البدنية، وتشمل تلاوة الآيات والمناجاة للشمس، وتعتبر جزءًا من التقاليد الهندوسية وثقافتها القديمة، وبناءً على ذلك، يرى العلماء؛ عرباً وعجماً، أن ممارسة اليوغا تعارض المبادئ الإسلامية وينبغي تجنبها.