التّعاون قيمة اجتماعية عظيمة، وهو سرّ نجاح الأمم، فبالتعاون تحصل الأمّة على غاياتها وأهدافها، ويعيش المجتمع في رخاء وسعادة، وتسوده المحبّة والألفة، وبالتّعاون والتّكاتف يقف في وجه الأعداء، ويكبح جماح الشرّ والظلم، وبالتعاون يشعر كلّ فرد بأهميّته وقيمته في مجتمعه وأمّته.
ومن فضائل التعاون على البر والتقوى:
أولًا: أنه سبب الاجتماع، وتآلف القلوب، ونبذ الفُرقة قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَاناً) (آل عمران: 103)، فبالتعاون يحقق المجتمع مصالحه الدينية والدنيوية.
ثانيًا: إنه سبيل للحصول على المطلوب بلا تعب ولا مشقة، ولهذا لما كلّف الله نبيه موسى، عليه السلام، بإبلاغ رسالته إلى فرعون (قَالَ رَبِّ اشْرَحْ لِي صَدْرِي وَيَسِّرْ لِي أَمْرِي وَاحْلُلْ عُقْدَةً مِنْ لِسَانِي يَفْقَهُوا قَوْلِي وَاجْعَلْ لِي وَزِيراً مِنْ أَهْلِي هَارُونَ أَخِي اشْدُدْ بِهِ أَزْرِي وَأَشْرِكْهُ فِي أَمْرِي)) طه:25-32)
ثالثًا: إنه سبب في قوة المؤمنين، فإن اجتماع كلمتهم وتعاونهم سبب لقوتهم، وخوف الأعداء منهم؛ فمتى وجد الأعداء أن للإسلام قوة، واجتماع كلمة، وتآلف قلوبهم صارت قوة تُهاب وتُرعب، قال، صلى اللَّه عليه وسلم: (المؤمن للمؤمن كالبنيان، يشد بعضه بعضًا)؛ فكما أن البنيان يحتاج بعضه بعضًا، ويضطر بعضه لبعض فكذلك الأمة المسلمة مضطرة للتعاون فيما بينها؛ لكي تقطع الطرق على أعدائها الساعية؛ لتمزيق شملها، وإذلالها، وإفقارها.
رابعًا: إن الجزاء من جنس العمل؛ فمن أعان أخاه أعانه الله، قال، صلى الله عليه وسلم: (المسلم أخو المسلم لا يظلمه ولا يسلمه، ومن كان في حاجة أخيه كان الله في حاجته، ومن فرّج عن مسلم كربة فرج الله عنه كربة من كربات يوم القيامة، ومن ستر مسلمًا ستره الله يوم القيامة)، ويقول، صلى الله عليه وسلم: (وإن الله في عون العبد مادام العبد في عون أخيه).
خامسًا: الاشتراك في الأجر العظيم، يقول، صلى الله عليه وسلم: (من جهّز غازيًا في سبيل الله فقد غزا ومن خلف غازيًا في سبيل الله بخير فقد غزا).
سادسًا: صدقة الإنسان عن نفسه، يقول، صلى الله عليه وسلم: (يصبح على كل سلامى من أحدكم صدقة، فكل تسبيحة صدقة، وكل تحميدة صدقة، وكل تهليلة صدقة، وكل تكبيرة صدقة، وأمر بالمعروف صدقة، ونهي عن المنكر صدقة، ويجزئ من ذلك ركعتان يركعهما من الضحى).
سابعًا: إن مَنْ هذه صفاته يُعزه الله، ويقويه، ويعينه على أموره كلها، فلما بُدأ بالوحي بالنبي، صلى الله عليه وسلم، أتى لخديجة وأخبرها بما شاهد، فقالت (كلا أبشر فوالله لا يخزيك الله أبدًا، والله إنك لتصل الرحم، وتصدق الحديث، وتحمل الكل، وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق)؛ فعلى الفطرة السليمة أن من هذه أخلاقه وصفاته، فإن الله لا يُخزيه بل يؤيده وينصره.
وقال عطاءُ بن أبي رَباح: (تعاهدوا إخوانكم بعد ثلاثٍ، فإن كانوا مرضى فعودوهم، وإن كانوا مشاغيل فأعينوهم، وإن كانوا نسوا فذَكِّروهم). وقال ابنُ تيميَّةَ: (حياة بني آدم وعيشهم في الدنيا لا يتم إلا بمعاونة بعضهم لبعض).
وقال أبو حمزةَ الشَّيبانيُّ لمن سأله عن الإخوانِ في اللهِ: مَن هم؟ قال: (هم العاملون بطاعة الله، عز وجل، المتعاونون على أمر الله، عز وجل، وإن تفرقت دورهم وأبدانهم).
ومن الوسائل المعينة على التعاون وتقويه:
التعارف، ومعرفة المسلم لحقوق المسلم عليه، واحتساب الأجر، وتنمية الروح الجماعية، وتطهير القلب من الأمراض، وتعويد النفس على التعاون، والنظر في سيرة النبي والسلف الصالح، والاقتداء بهم، وتقوية الإيمان، وتدعيم أواصر الأخوة.
وقد ضرب النبي، صلى الله عليه وسلم، في سنته المثل العملي ليكون قدوة وأسوة واقعية متمثلة أمام الناس للتعاون بين المسلمين، ففي يوم الأحزاب، عندما استقرّ رأيهم على حفر الخندق، قسّم العمل بين المسلمين، وكان يحفر كواحد منهم، فقد روى البخاري عن البراء بن عازب، رضي الله عنه، قال: (رأيت النبي، صلى الله عليه وسلم، يوم الخندق، وهو ينقل التراب حتى وارى التراب شعر صدره، وكان كثير الشعر، وهو يرتجز برجز عبد الله بن رواحة:
اللهم لولا أنت ما اهتدينا…. ولا تصدقنا ولا صلّينا
فأنزلــن سكــينة علــيـنـا…. وثبّت الأقدام إن لاقينا
ـــــــــــــــــ
نقلاً عن صحيفة “الشرق”.