تعد إجازة الصيف للتلاميذ والطلاب، في مختلف المراحل الدراسية، بمثابة «منجم» من الخير، إذا أُحسن استغلالها، وجرى توظيفها على نحو طيب، بما يضمن لأبنائنا الارتقاء دينياً وقيمياً وعلمياً وثقافياً.
كذلك، هي معسكر تربوي وإيماني وترفيهي ورياضي، يمكن أن يكون محضناً صحياً للمراهقين والمراهقات، بشكل يرسخ فيهم معاني الهوية والانتماء، ويدفع بهم إلى النهوض بمواهبهم وقدراتهم وإمكاناتهم، ليكونوا أمل الغد، ورجال المستقبل.
هذا المنجم لا يدرك البعض أهميته، وقد يتغافل عما فيه من كنوز وخيرات، فيترك أبناءه فريسة للفراغ، أسرى للهاتف الجوال، ووسائل التواصل، ومواقع الإباحية، ودور السينما، وبؤر اللهو الحرام في الداخل والخارج، بدعوى الترفيه وتضييع الوقت.
أما أهل البصيرة، فيدركون قيمة الوقت، ومعنى اللهو النافع، وكيفية توظيف الإجازة في استخراج مكنونات الأجيال الجديدة، واستكشاف مواهبهم، واستنبات الخير فيهم، وغرس الفضيلة، عبر أنشطة مختلفة، وبرامج متطورة، ومحاضن نافعة، ستكون هي أفضل استثمار في الأبناء.
خلال الصيف، يمكن أن تمنح ابنك دوراً حقيقياً في مصنع الرجال، عبر خوض تجربة العمل، والكسب الحلال، في مهنة ما، من مهن الآباء والأجداد، أو حرفة ما، أو صنعة يرغب في إتقانها، من أعمال التجارة والصيانة والحاسب والبرمجة والنجارة والسباكة والحدادة والحياكة، وغير ذلك مما يتناسب مع قدراته وبيئته واحتياجات أسرته والمجتمع الذي يحيط به.
ومن كنوز الصيف الأعمال الخيرية والأنشطة التطوعية في دور المسنين والأيتام، وجمعيات البر، وحفظ النعمة، وبنوك الطعام، وبنوك الوقت، وغيرها، وهي فرصة ثمينة، يربح من ورائها المشاركون إحساساً متنامياً بالإيجابية والتعاون، والتعاطف والمسؤولية المجتمعية تجاه الآخرين، الأمر الذي يعد بمثابة درس عملي في التكافل ومساعدة المحتاجين، بعيداً عن لغة الوعظ والإرشاد، التي قد لا يحبذها المراهقون والمراهقات.
ويمثل اليوم العالمي للبيئة، الذي يُحتفل به سنوياً في 5 يونيو من كل عام، فرصة أخرى للاستثمار في أبنائنا، عبر تشكيل حوائط صد تحمي كوب الأرض من التلوث والتصحر والاحتباس الحراري وإهدار المياه، من خلال تمكينهم من المشاركة في تنظيف الحدائق، والشواطئ المختلفة، وزراعة الأشجار، وتدوير النفايات، ودعم مبادرات البيئة الخضراء حول العالم.
ومن الحكمة كذلك أن يقتنص الأب والأم لأبنائهما قدراً من الثقافة والوعي، عبر زيارة المكتبات العامة، والنهل من كتب العلم والمعرفة، وتحبيب الابن أو البنت في القراءة والكتابة، وفنون الرسم والخط والشعر والقصة والأشغال اليدوية، وغير ذلك من علوم وفنون ومعارف، تسمو بالنفس، وترتقي بالعقل.
ومن المؤكد أن الرياضة سيكون لها الحظ الأكبر خلال الإجازة الصيفية، مع إحسان توجيه الأبناء لممارسة السباحة والرماية وركوب الخيل، وألعاب الذكاء، واللياقة البدنية، مع التخصص في رياضة ما، والمشاركة في المخيمات الصيفية، وأنشطة الكشافة، وتحويل ممارسة الرياضة إلى ثقافة وواقع حياتي ومجتمعي، يتجاوز نمط المشاهدة فقط لمباريات كرة القدم وغيرها.
ويمكن الاستعانة بالدورات الصيفية المختلفة لتنمية مهارات الأبناء في تخصص ما، أو لغة أجنبية، ثانية، بما يحفزهم على استمرار التعلم والاستكشاف، والتنقل بين بحور العلم والمعرفة، ومن المحبذ في تلك الفترة الاستفادة من برامج الاختراع والابتكار، و«كورسات» البرمجة والذكاء الاصطناعي، والمشاركة في المسابقات المختلفة، التي تنظمها المدارس والأندية الرياضية ووزارات الشباب والتعليم، وغيرها.
وينصح خبراء النفس والاجتماع بتكثيف الأنشطة العائلية أثناء الإجازة الصيفية، وقضاء وقت ممتع مع الأطفال سواء كان ذلك بالسفر والقيام بالرحلات أو التنزه، أو الطهي سوياً، وصناعة المثلجات، أو إطعام الطيور، أو تنظيم الألعاب العائلية، والمشاركة مع أفراد الأسرة في نشاطات رياضية وثقافية وترفيهية، تنقذ الأبناء من براثن التكنولوجيا، وتبعدهم قدر الإمكان عن حياة الشاشات والألعاب الإلكترونية ومواقع العالم الافتراضي.
في هذا السياق، من المفضل القيام بأنشطة صلة الرحم، وزيارة الأقارب، والتعرف على مسقط رأس الآباء والأجداد، وتبادل الحديث مع كبار العائلة، واللهو مع صغارها، بما ينمي المهارات الاجتماعية، ويعزز ثقة الطفل بنفسه، وصلاته بالآخرين، متعلماً آداب الحديث والضحك والمزاح، عبر استقاء ذلك من خبرات وأحاديث الكبار.
كم هو رائعاً أن تصطحب ابنك لزيارة الأقارب، ويرى واقعاً منك، كيف توقر الكبير وترحم الصغير، وتجبر الخاطر، عملاً لا قولاً، ومن الرائع أن تعلمه أن يقدم الهدية لمن يحب، ويمنح الصدقة لمن يستحق، ويدخل السرور على من حوله، وكيف يشاركهم في أفراحهم وأتراحهم.
ولا تنس أن تُعلم أطفالك خلال الصيف، وبقية فصول السنة؛ القرآن الكريم، تلاوة وتجويداً، وأن تحفزهم نحو مدارسة علوم الحديث والسيرة والفقه والتفسير، وغير ذلك من علوم الدين والدنيا، فما أجمل أن تنطلق معه بين جنبات حديقة الفضيلة ومدرسة الحسنات.