الهُويّة مصطلح يشير إلى مجموعة السمات والخصائص والانتماءات التي تميّز فردًا عن فرد، ومجتمعًا عن مجتمع، وأمة عن أخرى، والتي تحدد سلوكهم وإدراكهم لأنفسهم. وتتأثر الهُوية صعودًا وهبوطًا بحسب استمساك أصحابها بها ومحافظتهم عليها، أو تحوّلهم عنها لظروف داخلية أو خارجية. والمعهود أن كل أمة حريصة على هويتها، مجتهدة في ألا تذوب في غيرها من الهويات، أو أن تُطمس معالمها حال تعرضها لتغيير أو تهديد.
مفهوم وركائز الهوية الإسلامية
تُبنى الهوية الإسلامية على تفاعل المسلم مع العقيدة والشريعة، والاعتزاز بالانتماء إلى أمة التوحيد، والشعور بالتميز لما أُوتي من منهج يشمل كل جوانب الحياة، وهو منهج رب الأرض والسماوات الذي ارتضاه دينًا ونظامًا للعباد؛ (إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَام…) [آل عمران: 19]. وقد أشارت الآية (138) من سورة البقرة إلى معنى الهوية في قول الله –عز وجل-: (صِبْغَةَ اللَّهِ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ صِبْغَةً وَنَحْنُ لَهُ عَابِدُونَ)، فصبغة الله تعني الانتماء للإسلام، الذي يصبغ أتباعه بصبغة خاصة تبدو جلية في سلوكهم وأهدافهم، وترتكز تلك الهوية على: عقيدة سليمة تبني تصورًا صحيحًا حول الكون، ولسان قرآني يترجم هذه العقيدة بإعجاز جلّ عن الوصف، وموروث تاريخي يحافظ على الفكر والقيم والسلوك في إطارها الإسلامي المشروع.
مهددات الهوية الإسلامية
الهوية الإسلامية أكثر الهويات، على مدار التاريخ، عُرضة للتهديد ومحاولات العصف بها والقضاء عليها؛ فهناك متربصون بها منذ أن كان أتباع الإسلام قلة مستضعفة في أرض الجزيرة، كما أخبر الله تعالى: (وَدَّ كَثِيرٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَوْ يَرُدُّونَكُمْ مِنْ بَعْدِ إِيمَانِكُمْ كُفَّارًا حَسَدًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْحَقُّ…) [البقرة: 109]، ولَكَمْ عصفت بالأمة قواصم حلم فيها الأعداء بتشييع جنازة الإسلام، وقد وثبوا على ديار المسلمين وثباتٍ قاتلةً، وخططوا للحيلولة دون الحكم بشريعة الله، وإفساد المسلمين، وتشكيكهم في دينهم، وتدمير أخلاقهم، ويلبسون في كل مرة لباسًا جديدًا أو يرفعون راية برّاقة للعصف بهُويتنا.. ويجيء التقليد الأعمى للمذاهب والأفكار الهدّامة والعادات والمظاهر والسلوكات الطائشة كمهدد داخلي خطير لتلك الهوية، وهو ناتج عن ضعف الانتماء للإسلام في نفوس المقلدين، وخلل عقدي أفضى إلى هذا التفريط.
قوة ناعمة
تعد «السوشيال ميديا» ثورة اتصالية غير مسبوقة، قرّبت المسافات حتى صار العالم كما الحلم القديم: قرية صغيرة، وهي أحد عناصر القوى الناعمة التي تعرض موادها في عناصر جذابة تروّج للقيم التي تحملها هذه المواد، بهدف الوصول إلى قناعات في أذهان مستخدميها، وهي بذلك أهم أدوات العولمة الثقافية ذات الأثر الأخلاقي والقيمي، وضرورة من ضرورات الحياة العصرية.. وعلى قدر ما لها من إيجابيات فإنها لا تخلو من آثار سلبية على ثقاقة المجتمعات، وتزييف وعيها، ونشر المذاهب الباطلة، وبث الأكاذيب وترويج الشبهات الفكرية والعقدية. وبما أن الشباب –حسب معطيات الواقع- هم الفئة الأكثر تأثرًا بتلك الوسائل، خصوصًا الطلبة؛ فإنه –للأسف- سجلت دراسات حديثة تأثيرات سلبية على الشباب المسلم، منها الابتعاد عن الدين، وعدم الاعتزاز باللغة العربية، وغياب التعبير عن التاريخ الإسلامي والموروث السلفي.
تعزيز الوعي بالهوية
يمكن تعزيز الوعي بالهوية الإسلامية على وسائل التواصل الاجتماعي، من خلال تسخيرها في ترسيخ القيم الدينية في نفوس المستخدمين، وتصحيح الأفكار المغلوطة والمعتقدات الفاسدة، والحضّ على الأخلاق الفاضلة بإعداد محتوى جذاب يسلط الضوء على منهج الإسلام، وحضارته، وثقافته في التعايش وتقبل الآخر، مع الاحتفاظ بهويته في الوقت ذاته.. والمؤسسات والهيئات الإسلامية مدعوة لإنشاء مراكز لمكافحة الشبهات والشائعات والأخبار المغرضة ضد الإسلام، وتوعية المستخدمين من خطورة الانسياق وراء المشككين في ثقافتنا وقيمنا بحجج مغلوطة أو أكاذيب تنطلي على الجُهّال.. وإن من أقوى الأسلحة لتعزيز الهوية هو تربية أبناء الأمة مستخدمي هذه الوسائل تربية عقدية صحيحة، ترسّخ لديهم المسلّمات الفكرية والسمات الشخصية للمؤمن الذي يستعصى على الانحراف أو الذوبان، وهذا دور الجميع، مؤسسات وأفرادًا، دور قائم على معاني الآية الكريمة: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) [الأنعام: 162].. وقد وُجد أن هذه التربية لا تؤثر فقط في وجدان المستخدم، بل تدفعه إلى المشاركة في الحياة السياسية، وتعزز لديه قيم المواطنة والتحرر ومبادئ المساواة والمشاركة في الحياة العامة.
سبل الحفاظ على هويتنا
لم يعد الانفتاح على العالم اختيارًا، بل مطلبًا حضاريًّا وضرورة لا مفر منها؛ ما يضعنا أمام مسئولية الحفاظ على هويتنا، وهي مسئولية دعوية جسيمة، تتطلب مواكبة التطورات المتسارعة في هذا المجال، وإعداد جيل محترف خبير بفنياته، وعلى عاتق هذا الجيل يتم التعامل مع كل ما يتعلق بنشر الوعي بالهوية، ووضع الإستراتيجيات والخطط للحفاظ على الحد المعقول من ركائزها، ومواجهة مضار العولمة الثقافية.. وكما سبق؛ فإن التمسّك بالشريعة ضمان من الزيغ والوقوع في الشبهات، وحصانة من الانجرار خلف كل ناعق، وهو كفيل ببناء الذات بناء سليمًا لا اضطراب فيها ولا غربة ولا فصام.. وهنا ينبه الخبراء إلى ضرورة أن تبدأ هذه العناية بالأطفال والمراهقين قبل الشباب والبالغين؛ فالطفولة هي اللبنة الأولى في بناء الإنسان ثقافيًّا، وتسهم بشكل حاسم في بناء الشخصية، وتزداد الخطورة بالنسبة للمراهقين الذين لا يستطيع غالبيتهم التمييز بين المواد الصادقة والمزيفة.
مشروع دعوي
يمكن للدعاة، أفرادًا ومؤسسات، اعتبار قضية (الوعي بالهوية) مشروعًا دعويًّا؛ لمنع حالة الاغتراب التي يعيشها بعض شبابنا في ظل الصراع الهوياتي الذي تنامي على وسائل التواصل الاجتماعي؛ ما يتطلب بذل الجهود، وإبراز القضية إلى الواجهة.. لا يجب أن تكون «السوشيال ميديا» مصدرًا للمعلومات فقط، بل يجب أن تحمل المزيد والمزيد من التعريف بديننا وثقافتنا وهويتنا، وقد أضحت ملتقى المليارات حول العالم، فهناك حاجة إلى تقديم محتوى منوع، ومشاركات تغيّر الصورة النمطية عن المسلمين لدى الآخر، وتؤسس في ذات الوقت لشخصية متميزة، معتزة بدينها، فخورة بثقافتها.