شهدت الهند العام الجاري (2024) جولة من الانتخابات البرلمانية المهمة التي شملت 7 مراحل ممتدة بين 19 أبريل و1 يونيو، وتم فرز الأصوات في 4 يونيو الجاري، وكانت النتائج لافتة، حيث أظهرت بيانات لجنة الانتخابات الهندية تصدر حزب بهاراتيا جاناتا بـ240 مقعدًا، فيما احتل حزب المؤتمر المركز الثاني بـ99 مقعدًا، وجاء حزب ساماجوادي في المركز الثالث بـ37 مقعدًا، وحزب المؤتمر ترينامول بـ29 مقعدًا، وحزب درافيدا مونيترا كازاجام بـ22 مقعدًا، وحزب تيلوغو ديسام بـ16 مقعدًا.
وفيما يتعلق بالتحالفات، يتصدر «التحالف الوطني الديمقراطي» لحزب بهاراتيا جاناتا بـ293 مقعدًا، ويحتل تحالف المعارضة «الهند» 234 مقعدًا، تبدو ولايات أتر برديش وهاريانا وماهاراشترا الولايات التي حقق فيها تحالف «الهند» مكاسب، أما في ماديا براديش وجوجارات، فيظل قبضة حزب بهاراتيا جاناتا قوية.
وتشير هذه الأرقام إلى أنه في حين أن التحالف الوطني الديمقراطي لا يزال في طريقه لتشكيل الحكومة، فإن حزب بهاراتيا جاناتا بمفرده لا يملك الأغلبية.
انتكاسات بهاراتيا جاناتا في معاقله
واجه حزب بهاراتيا جاناتا (BJP) انتكاسات في معاقله، وانتهى به الأمر بنتائج أقل في أوتار براديش وراجستان، بينما فشلت محاولته في الجنوب وتحطمت آماله في التوسع في غرب البنغال، وسارت الأمور في أوديشا وفقًا لخطط حزب بهاراتيا جاناتا حيث فاز بالسلطة لأول مرة وحصل على 19 من أصل 21 مقعدًا في الانتخابات البرلمانية.
وأثمرت جهود حزب المؤتمر غير المسبوقة للوصول إلى الناخبين من طبقات مختلفة بالتعاون مع حزب ساماجوادي بشكل كبير في أوتار براديش، حيث فاز التحالف بـ43 مقعدًا؛ مما خفض عدد مقاعد حزب بهاراتيا جاناتا إلى 33 بعد أن كانت 62 مقعدًا في انتخابات عام 2019م، في هذه الولاية الحاسمة، في بيهار، فشل تحالف المؤتمر (RJD) على نفس النهج في تحفيز الناخبين، وتمكن تحالف (NDA) من الحفاظ على مواقعه.
انخفاض نسبة التصويت
انخفضت نسبة التصويت لحزب بهاراتيا جاناتا في أوتار براديش وبيهار بحوالي 8% في كل ولاية، ولكن كيفية تحويل ذلك إلى مقاعد تختلف بشكل كبير، في أوتار براديش حصل حزب بهاراتيا جاناتا على 33 مقعدًا من أصل 80، وفي بيهار حصل التحالف الوطني الديمقراطي على 29 مقعدًا من أصل 40، أما في راجستان فقد انخفضت نسبة التصويت لحزب بهاراتيا جاناتا بنسبة 12% عن المرة السابقة.
حتى انخفضت نسبة التصويت في مقعد رئيس الوزراء ناريندرا مودي في فاراناسي (152513 صوتًا) هو نصف ما حصل عليه راهول غاندي في راي باريلي (390030 صوتًا)، وهو أقل أيضًا من الفارق الذي استعاد به كيشوري لال شارما أميثي لصالح حزب المؤتمر من سمرتي إيراني، وفاز شارما بفارق 167196 صوتًا، يجب أن يكون ذلك بمثابة نهاية لدعوى الألوهية التي قدمها مودي بشأن نهر الجانجا عندما ذهب لتقديم ترشيحه.
فشل مرشح بهاراتيا جاناتا بمنطقة معبد رام
كانت منطقة أيوديا بولاية أوتار براديش محور ثقة حزب بهاراتيا جاناتا بأن انتخابات عام 2024م كانت محسومة لصالحهم، لقد تم تحويل معبد رام إلى وسيلة لجذب الأصوات من قبل الحزب، طلب مودي، وأديتياناث، وحزب بهاراتيا جاناتا بأكمله الأصوات مباشرة لمعبد رام، ولكنهم خسروا في فيض آباد، فقد هزم مرشح حزب ساماجوادي، أوديشي برساد، وهو مرشح من الداليت في مقعد غير محجوز، بفارق 54567 صوتًا.
مقاعد المسلمين
عندما نلقي نظرة على الانتخابات الأخيرة، نجد أن المشهد السياسي في الهند كان يشهد تغيرًا ملحوظًا في مشاركة المسلمين، حيث فاز 26 مرشحًا مسلمًا، بما في ذلك البرلماني المعروف أسد الدين أويسي، وأفضل أنصاري، وهو شقيق الفقيد مختار الأنصاري، بالإضافة إلى أربعة آخرين من ولاية أتر براديش، واثنين من ولاية بيهار، و6 من ولاية بنغال الغربية، و3 من ولاية كيرالا.
مع هذه النتائج، يبدو أن هناك تحولًا ملحوظًا في الساحة السياسية، خاصة بالنسبة للمجتمع الإسلامي، حيث كانت المشاركة السياسية للمسلمين في الهند دائمًا تحديًا بسبب العديد من العوامل، بما في ذلك التمييز الديني والاجتماعي، والتمثيل السياسي غير المتكافئ، ومع ذلك، فإن هذه النتائج تشير إلى تغير محتمل في هذا السياق.
تُظهر هذه النتائج الأخيرة للمرشحين المسلمين رغبة متزايدة للمجتمع الإسلامي في المشاركة في العملية الديمقراطية والتأثير على السياسة، ومع ذلك، فإن الطريق لتحقيق التمثيل السياسي الحقيقي لا يزال طويلًا، وهناك حاجة إلى جهود مستمرة لتعزيز المشاركة السياسية لجميع الفئات في المجتمع، بمن في ذلك المسلمون.
على الرغم من هذه النتائج الواعدة، فإن قلة المسلمين في الانتخابات تظل مسألة تتطلب اهتمامًا خاصًا، حيث إن تعزيز التمثيل السياسي وتشجيع المشاركة الفعالة للمسلمين في العملية الديمقراطية أمر حيوي لبناء مجتمع متساوٍ ومزدهر.
وفي كشمير، الولاية الهندية الوحيدة التي كانت ذات أغلبية مسلمة، لم يجرؤ حزب بهاراتيا جاناتا على ترشيح أي مرشح، وفي لداخ البوذية انتهى مرشح حزب بهاراتيا جاناتا في المركز الثالث، وفي ميزورام التي تأثرت بشدة بالعنف الموجه ضد كوكي-زوس ربما، انتهى مرشح حزب بهاراتيا جاناتا في المركز الرابع.
وفي ناجالاند المسيحية لم يكن لدى حزب بهاراتيا جاناتا أي مرشح، أما في ولاية البنجاب ذات الأغلبية السيخية فلم يحصل حزب بهاراتيا جاناتا على أي مقعد واحتل المركز الثاني فقط في 3 مقاعد، وفي لكشادويب ذات الأغلبية المسلمة لم يكن لدى حزب بهاراتيا جاناتا أي مرشح.
بيانات الزعماء السياسيين
وقد وصفت ماياواتي المسلمين بأنهم جزء مهم من حزب بهاجنا سماج (BSP)، وقالت في بيان لها باللغة الهندية: «لم يستطع المجتمع المسلم فهم حزب بهاجنا سماج رغم أن الحزب منحهم تمثيلًا كافيًا في الانتخابات العديدة الماضية، في هذا الوضع، سيمنح الحزب فرصة لهم في الانتخابات المستقبلية بشكل مدروس حتى لا يتعرض الحزب لخسارة فادحة مثل هذه الانتخابات في المستقبل».
من جانبه، أشاد محافظ بنك الاحتياطي الهندي السابق راغورام راجان بـ«حكمة» الناخبين الهنود لاختيارهم معارضة قوية في انتخابات لوك سابها 2024م، ووصف هذا التطور بأنه «انتصار للديمقراطية الهندية وانتصار للاقتصاد».
وقال راجان، في ورقة مرفقة بمنشوره على «لينكد إن»: «الهند بحاجة إلى تغيير مسارها الاقتصادي، وهذا أقل احتمالًا إذا فاز حزب بهاراتيا جاناتا بأغلبية ساحقة؛ لأن الحزب سيرى في النصر تأكيدًا لسياساته».
وخلاصة القول، تعكس هذه النتائج تحولًا ملحوظًا في المشهد السياسي الهندي؛ ما يشير إلى نمو المشاركة السياسية للمسلمين وتأثيرهم المتزايد في السياسة، وعلى الرغم من هذه النتائج المبشرة، فإن التحديات التي تواجه التمثيل السياسي للمسلمين ما زالت قائمة، وتتطلب جهودًا مستمرة لضمان مشاركتهم الفعالة والمتساوية في العملية الديمقراطية.