«للمؤسسات الدينية دور بارز ومركزي في دعم النوادي التربوية للشباب سواء الرسمية أم غيرها»، هذا ما أكده مختصون تحدثوا لـ«المجتمع»، مشددين على أهمية هذا الدور وطريقة تفعيله في الوقت الراهن وضوابطه؛ حفاظاً على هوية الأجيال الصاعدة الثقافية والدينية، وتحصيناً لهم في مواجهة أخطار الواقع.
في البداية، يؤكد د. هاني الأزهري، أستاذ الشريعة الإسلامية بكلية الحقوق في جامعة عين شمس بالقاهرة، في حديثه لـ«المجتمع»، أن المؤسسات الدينية (مؤسسات العلم الشرعي) عليها دور كبير في ظل الضغوط الكبيرة على الشباب، والفتن والمفاسد والمغريات التي تلاحقهم من كل حدب وصوب، وبالتالي فمن المفيد جدًّا أن تهتم هذه المؤسسات الدينية بمواقع تمركز الشباب، وفي القلب منها النوادي ومراكز الشباب.
ويشير الأزهري إلى فكرة «القوافل الدعوية» التي تطبق منذ عدة سنوات عبر وزارة الأوقاف المصرية، التي تتجاوز إطار المسجد، وتذهب للجميع في مكانه، ومن بينهم الشباب في نواديهم ومراكز الشباب، مؤكدًا أهمية أن يتم رعايتها بشكل رسمي أكبر وتوسيع نطاقها كمًّا وكيفًا.
د. الأزهري: ضغوط كبيرة على الشباب تستلزم تحرك الدعاة لمساندتهم
ويعتقد أستاذ الشريعة الإسلامية أن المكتبات في نوادي الشباب ومراكزهم يمكن أن تكون ملتقى يلتقي فيها العلماء والدعاة مع هؤلاء الشباب، في ندوات تثقفية، موضحاً أنه في وقت مبكر من عمره، زار كثيرًا من مراكز الشباب بمصر، ووجد إشكالية في الاهتمام بالمكتبات، والاقتصار على وضع بعض الكتب فيها، لكنه يرى حاليًا ضرورة تجديد التصورات حولها، وإحياء المكتبات في مراكز الشباب ونواديهم؛ لتكون ملتقى مجهزًا يجمع العلماء والشباب على طاولة الوعي الديني.
ويلفت الأزهري الانتباه إلى أن عقد الندوات التثقيفية بات حاليًا ضرورة بالغة لملاحقة المتغيرات والهجمات على هوية الشباب والمجتمع، موضحًا أن الخروج من المساجد إلى الساحات والمراكز والنوادي بات مهمًّا لوصول الدعوة الإسلامية إلى المحتاجين إليها، الذين لا يدخلون المساجد إلا لصلاة الجمعة.
ويؤكد أستاذ الشريعة الإسلامية في جامعة عين شمس أن المسؤولية يجب ألا تلقى على عاتق المؤسسات الدينية وحدها، متسائلاً: ماذا يفيد نشاط مؤسسات العلم الشرعي مع الشباب في نواديهم ومراكزهم وأماكن تواجدهم، دون تضافر جميع الجهود من كل المؤسسات المعنية مع العلماء، لإنجاح دورهم وإيصال صحيح الدين إلى الشباب والنشء؟
وسائل عصرية
بدوره، يرى الكاتب الصحفي إسماعيل الفخراني، نائب رئيس تحرير صحيفة «الأهرام» القاهرية السابق، في حديثه لـ«المجتمع»، أن الواقع الذي تعيشه المؤسسات الدينية ينبغي أن يتحلى بإيجابية مطلقة في حماية الشباب الذي يعيش واقعاً مؤلماً وسط أمواج من الغزو الثقافي والفكري، والإلحاد، والصراع الغربي على عقولهم.
ويضيف الفخراني أن هذا الواقع الصعب يتطلب تحرك المؤسسات الدينية إلى مواقع الشباب، في النوادي والمراكز وغيرها، وعدم الوقوف مكتوفي الأيدي في سلبية كبيرة، من أجل التوعية والتربية والإصلاح، وتأهيل الشباب لمواجهة الصعوبات الحالية.
الفخراني: النشء يواجه حملات من الغزو الثقافي والفكري ويجب حمايته
ويقترح الفخراني تدشين المؤسسات الدينية حملات شاملة لتوعية الشباب في نواديهم، وتعريفهم بأضرار الواقع؛ لتأخذ بأيديهم بعيداً عن موجات الإفساد، وتنوير عقولهم بأسس الدين، وقيمة الاعتزاز به، والمحافظة على الهوية، وأخطار المفسدين فكرياً وثقافياً؛ لأن المؤسسات الدينية هي الحاضنة الطبيعية والقلعة الحصينة التي يجب أن يتحصن فيها الشباب من الأخطار والمفاسد التي يعج بها الواقع.
ويشدد على أهمية مراعاة المؤسسات الدينية في تعاملها مع الشباب الأسلوب اللطيف المناسب في الحوار والنقاش، واختيار وسائل عصرية في التوعية، تستوعب المتغيرات التكنولوجية، وأجواء الشباب، مقترحاً كذلك تنظيم الرحلات والمعسكرات الشبابية.
من جانبه، يؤكد الكاتب الصحفي طارق محمود السباعي، المتخصص في شؤون الشباب والرياضة، في حديثه لـ«المجتمع»، أن نوادي الشباب ومراكزهم أماكن إستراتيجية لأي مؤسسة تريد إيصال رسائل توعوية أو إعلانية أو إعلامية؛ وهو ما يزيد من عبء المسؤولية على المؤسسات الدينية، في أن تصل إلى الشباب في هذه الأماكن بطريقة متطورة وعصرية ولغة مناسبة وأنشطة تناسب المكان، ويستطيع الشباب هضمها في ظل عوامل الجذب المنتشرة من منافذ عدة.
ويضيف أن مراكز الشباب، بحسب اللوائح، هي هيئة شبابية تربوية أهلية، تساهم في تنمية النشء والشباب باستثمار وقت فراغهم في ممارسة مختلف الأنشطة الثقافية والاجتماعية والرياضية والوطنية، وتسعى لإكسابهم المهارات اللازمة، وبالتالي يجب على مجالس إدارات هذه المراكز والأندية أن تبادر لعقد بروتوكولات تعاون مع كافة المؤسسات الدينية، من أجل تنفيذ لوائحها، كما يجب على المؤسسات الدينية السعي إلى تدشين حملات واسعة بالشراكة مع هذه المؤسسات الشبابية والرياضية؛ لإيصال رسالتها الدينية إلى الشباب والنشء.
السباعي: تدشين حملات وبروتوكولات تعاون لدعم الأجيال الصاعدة
ويشير السباعي إلى أن حضور ممثلي المؤسسات الدينية في نوادي الشباب ومراكزهم يجب أن يُبنى على أسس ودراسات، وليس بطرق عشوائية؛ حتى يؤتي ثماره في تثقيف النشء وتوعيتهم، موضحاً أن الأمر يبدأ بزي الداعية –سواء الرجل أم المرأة- الذي يجب أن يتناسب مع أجواء النوادي والمراكز بما لا يخل بقيمة الداعية ولا ضوابط الدين، مع اختيار الشباب لمثل هذه المهام الدعوية؛ لسهولة التواصل مع الجيل الجديد من الشباب والنشء الذين يطلق عليهم حالياً «جيل زد».
دراسة ميدانية
وفي دراسة ميدانية حديثة بعنوان «المؤسسات الدينية ودورها نحو قضايا الشباب ومشكلاته»، ذهبت الباحثة نسرين صادق إلى أن المؤسسات الدينية تؤدي دوراً اجتماعياً مهماً في المجتمع عامة والشباب خاصة، ورغم ذلك فإن الدور الوظيفي لهذه المؤسسات نحو الشباب في وقتنا المعاصر ما زال يحتاج إلى مزيد من الاهتمام والعمل على ربط الشباب بالمؤسسات الدينية.
وقد استعانت الدراسة بأداة الاستبيان لتطبيقها على عينة قوامها 148 من طلاب وطالبات كلية الآداب جامعة المنصورة، شمالي العاصمة المصرية القاهرة، وأشارت نتائجها إلى أن الواقع الاجتماعي الذي يعيش في نطاقه الشباب يحيط به العديد من الظروف الصعبة والمشكلات الاقتصادية والمتغيرات الاجتماعية والثقافية التي لا بد أن تترك بصماتها، وتؤثر تأثيراً واضحاً في حاضره ومستقبله.
وأوصت الدراسة بتحسين دور المؤسسات الدينية نحو الشباب وتفعيله، وذلك من خلال إبداء النصح والإرشاد للشباب، وتنمية الوعي لديهم من خلال عقد الندوات واللقاءات، وتصحيح المفاهيم الخاطئة لديهم، وحمايتهم من الانحراف والتطرف.