تُعدّ الهوية الوطنية أحد أهم الأركان التي تشكل جوهر الشعوب وتميزها عن غيرها، فهي الرابط الروحي الذي يجمع الأفراد تحت راية واحدة تتسم بالانتماء والولاء لوطنهم.
وفي اليمن، تشكل الهوية الوطنية عنصراً أساسياً في بناء الدولة المستقرة والمزدهرة التي يتطلع إليها الجميع، ومع تعقيدات الواقع السياسي والاجتماعي والاقتصادي التي يشهدها اليمن، يتجلى دور التعليم كأداة أساسية في تعزيز وترسيخ هذه الهوية الوطنية.
وفي ظل التحولات الجذرية التي يمر بها المجتمع اليمني، تكمن أهمية بناء هوية وطنية قوية ومتماسكة تستند إلى قيم المواطنة الحقيقية، التي تتجاوز الانتماءات القبلية أو الطائفية، فمن خلال ترسيخ هذه الهوية الوطنية فقط يمكن للشعب أن يتحد ويسعى جماعة نحو تحقيق الاستقرار والتقدم المنشود.
وتعتبر المناهج التعليمية من الأدوات الرئيسة لبناء هذه الهوية، إذ تمثل الركيزة الأساسية التي يمكن من خلالها نقل القيم الوطنية وتعميقها في عقول وقلوب الأجيال الجديدة، فبالإضافة إلى تعليم المعارف والمهارات، تعمل المناهج على تحفيز الطلاب على التفكير في الهوية الوطنية كجزء لا يتجزأ من هويتهم الشخصية، مما يساهم في بناء شخصيات وطنية قادرة على الاعتزاز بتراثهم والمساهمة في تطوير بلدهم.
ومع وجود تحديات كبيرة تواجه التعليم في اليمن، منها النزاعات المسلحة وتدمير البنية التحتية التعليمية، يصبح تحديث المناهج وتأمين وصول الطلاب إلى التعليم النوعي أمراً حيوياً؛ فالجهود المبذولة لتحديث المناهج وتكاملها مع السياق الثقافي والاجتماعي في اليمن تعكس استعداداً حقيقياً لتعزيز الهوية الوطنية وتجسيدها في التعليم؛ وهو ما يساهم في الحد من تحركات الحوثيين في اتجاه استبدال هوية أخرى تنطلق من قناعاتهم الأيدولوجية بالهوية الوطنية اليمنية.
من هنا، تبقى رسالة التعليم اليمني واضحة ومحددة؛ أن بناء هوية وطنية متماسكة وقوية يعد أساساً لتحقيق الاستقرار والتقدم، ومن خلال تحديث المناهج التعليمية وتضمينها للقيم الوطنية والتاريخية والثقافية، يمكن لليمن أن يحقق الهدف الطموح في بناء جيل قادر على بناء مستقبل واعد ومزدهر يعتز بانتمائه ويسهم في رقي بلده.
تحديث المناهج لتعزيز الهوية الوطنية
يرى الأستاذ عارف ناجي علي، المستشار بوزارة التربية والتعليم اليمنية، أن جهودًا حثيثة تبذل في المناطق اليمنية المحررة من سيطرة الحوثيين، التي تخضع لسلطة الحكومة الشرعية، لإعادة صياغة المناهج الدراسية بما يتواءم مع التطورات الحالية ويواكب التطورات العالمية، مع الحرص على غرسِ قيم الانتماء والهوية الوطنية في نفوس الطلاب، وذلك من خلال:
– تضمين المناهج التربوية محتوى تاريخياً يبرز إنجازات الوطن وحضارته، وذلك لتعريف الطلاب بتاريخ بلدهم وتراثه العريق.
– تركيز المناهج على تعليم الطلاب القيم الوطنية، مثل: الحرية، والعدالة، والمساواة، والتسامح.
– إيلاء المناهج التربوية اهتمامًا كبيرًا بتعليم الطلاب اللغة العربية، وذلك لتمكينهم من التعبير عن أنفسهم وفهم ثقافتهم بشكل أفضل.
– تضمين المناهج محتوى جغرافياً يُعرّف الطلاب على جغرافية بلدهم، وذلك لتعريفهم بموقع بلدهم على الخريطة، ومناطقه المختلفة، ومواردها الطبيعية.
– تنظيم المدارس بين الحين والآخر لأنشطة وطنية، مثل: الاحتفالات بالأعياد الوطنية، وعرض المسرحيات التي تُجسّد تاريخ الوطن وحضارته، وذلك لتعزيز الشعور بالانتماء والولاء للوطن لدى الطلاب.
– غرس المناهج التربوية في الطلاب قيم حب الوطن والاعتزاز به، وذلك من خلال تعليمهم أهمية الوطن في حياتهم، ومسؤوليتهم تجاهه.
وفي المجمل، تستهدف هذه التعديلات إعلاء مفهوم الوطن على مفاهيم القبيلة والأقاليم، وهو ما يدفع في اتجاه تشكيل هوية وطنية واحدة وجامعة لكل أبناء الشعب اليمني.
الحوثيون وتقويض الهوية اليمنية
ومنذ انقلابها على الدولة ومؤسساتها قبل نحو 9 أعوام، تتبع جماعة أنصار الله اليمنية سياسة تعليمية عقائدية، وصفها الكثير من الخبراء بالإستراتيجية الممنهجة لطمس الهوية الوطنية في اليمن التي لا تتفق مع مآربهم في الوصول إلى سدة الحكم في كل البلاد.
ويرى د. مختار المشوشي، مدير عام المناهج الدراسية، أن «الحوثي» قام بتغيير المناهج الدراسية في مناطق سيطرته للتخديم على عقيدته بهدف تقويض أركان الدولة اليمنية والمجتمع اليمني، وتدمير الهوية الوطنية.
وقامت جماعة «الحوثي» بإجراء تغييرات جذرية في المناهج التعليمية، حيث حذفت الدروس المخصصة للرموز الوطنية اليمنية وأضافت دروساً لشخصيات طائفية، في مسعى لتعبئة الطلاب، وخاصة الصغار منهم، بأفكارها السلالية والطائفية، حيث تمضي الجماعة في مسارات متعددة للقضاء على التعليم في اليمن، فمنعت المدرسين من رواتبهم، وعمدت إلى تغيير المناهج لاختراق المفهوم السيادي للدولة والمجتمع اليمني، وترسيخ مبدأ الولاية كفكرة سياسية عليا.
وكان من أبرز التغييرات الحوثية لاستبدال الهوية الوطنية الآتي:
– تغيير مناهج التعليم من الصف الأول إلى الصف الرابع الابتدائي، بعد أن طالب بذلك الرجل الثاني في الجماعة محمد علي الحوثي، في أبريل 2022م.
– أضاف الحوثيون مواد تتعلق بسيرة مؤسس الجماعة حسين بدر الدين الحوثي، وبنصوص من كلامه.
– وأدخلوا مواد دينية تتعلق بقراءتهم الخاصة للتاريخ الإسلامي.
– إدخال مصطلحات عسكرية في المناهج الدراسية للأطفال بما يخدم فكرة تجنيد الأطفال والسيطرة عليهم وتسهيل تشكيل هويتهم.
الوضع التعليمي الحالي
ووفق منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسف)، فإن هناك 2.4 مليون طفل يمني خارج نظام التعليم، وقد يرتفع هذا العدد إلى 6 ملايين، حيث تعرضت مدرسة واحدة على الأقل بين كل 4 مدارس للتدمير أو الأضرار الجزئية بسبب الحرب في اليمن.
وينتظر جيل من الأطفال اليمنيين الذين ولدوا في بداية الحرب أو تعلموا خلالها في مناطق سيطرة الحوثيين مستقبلاً مجهولاً، حيث مرت 9 سنوات من الحرب الكارثية على مستوى التعليم الذي كان من المفترض أن يكون الأمل القادم للبناء، مما يترك مستقبل جيل كامل من أبناء اليمن دون معرفة حقيقية بهويته الوطنية التي تمكنه من الدفاع عن دولته ومستقبله، وهو ما يهدد بتحول هذه المجموعات البشرية إلى جيل بلا هوية.