يعتقد الكثير من الأطفال وأولياء أمورهم أن الإجازة الصيفية وقت الاستراحة والترفيه فقط، فلا مدارس ولا مذاكرة ولا التزام بمواعيد للنوم والاستيقاظ، بذلك تنقطع العلاقة بين التلاميذ ومدارسهم خلال هذه الفترة من السنة، وهو ما يكون له تأثير سلبي على تطور التلاميذ علمياً وثقافياً، وتضيع عليهم فرصة ذهبية لتنمية مهاراتهم الحياتية والاجتماعية.
يشير خبراء تحدثوا مع «المجتمع» إلى دراسات وأبحاث علمية تؤكد أهمية استغلال المدارس في الصيف كقاطرة نجاح ورافعة تقدم لمساعدة التلاميذ على تعزيز قدراتهم، معتبرين أن توفير بيئة تعليمية غير تقليدية للتلاميذ يساعد في تنمية الإبداع وتطوير الحس الإبداعي لديهم، فضلاً عن كونها مناسبة جيدة لممارسة مجموعة متنوعة من الأنشطة البدنية، وبذلك تحفز العقل والجسم.
ووفقاً لدراسة حول أثر المدارس الصيفية، في مخرجات التعليم في دول الكويت والمملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة ومصر، أكدت أن البرامج المنفذة في المدارس الصيفية يمكن أن تكون فعالة في تطوير معرفة الطلبة وتعزيز مهارات التواصل والمهارات الاجتماعية لديهم عندما تكون البرامج مصممة بشكل جيد وبتدريب المعلمين فيها بدقة.
فرصة ذهبية للطلاب لتنمية المهارات الاجتماعية والتقنية
ولفتت الدراسة إلى أن مخيمات المدارس الصيفية تحقق أثراً كبيراً في تعزيز المواقف والمعتقدات الإيجابية لدى الطلبة تجاه الحوسبة، حيث قدمت بعض برامج المدارس بيئات تعليمية قائمة على التكنولوجيا تهدف من خلالها إلى زيادة معرفتهم التكنولوجية ومهارتهم في تطوير الابتكار والإبداع.
مهارات جديدة
يقول أ.د. عبدالوهاب السيد، أستاذ التربية بجامعة عين شمس: إن الصيف فرصة ذهبية لتعلم التلاميذ مهارات جديدة، وليس التعليم النظامي الذي يعتبره الكثير منهم مملاً وهدفهم النجاح في الامتحانات، لافتاً إلى الفرق الاصطلاحي بين «التعلم» و«التعليم»، موضحًا بأن التعليم هو تلك العملية النظامية التي يُقدم فيها المعرفة من خلال برامج تعليمية منظمة، ومناهج محددة لا يستطيع المعلم في العادة الخروج عنها، أما التعلم فهو العملية التي يكتسب فيها الفرد المعرفة والفهم بنفسه، بغض النظر عن ما إذا كانت هذه العملية تحدث داخل بيئة تعليمية رسمية أو في بيئة غير رسمية.
ويشير إلى أن أساتذة وخبراء التعليم في العالم العربي انتبهوا إلى هذه المسألة، وكتبوا عنها الكثير، إلى أن ظهرت ما أطلق عليه «المدارس الصيفية» مع نهاية القرن العشرين، التي تعني فتح المدارس في فترة الصيف ليس لتنظيم الدروس بالشكل التقليدي، وإنما بطرق مبتكرة تساعد التلاميذ في تطوير ذواتهم.
وهو ما يتفق معه الخبير التربوي حسن حميد، الذي يؤكد أن المجتمعات العربية شهدت نمواً وانتشاراً لفكرة المدارس الصيفية خلال القرن العشرين مع التحولات السريعة في العصر الحديث، فيما اعتمدت بعض الدول عليها لتحسين نظام التعليم بزيادة معرفة الطلبة، وتطوير مواهبهم، وتنمية مهاراتهم الابتكارية والتكنولوجية.
فوائد كثيرة
ويشير حميد إلى أنه يمكن استغلال تلك الفترة في الصيف في توفير دورات تعليم مكثف لتعزيز مهاراتهم الأكاديمية، من خلال تنظيم دورات تحسين مهارات القراءة والكتابة للطلاب الذين يواجهون صعوبات في هذه المجالات، ودورات مكثفة تعلم اللغات الأجنبية، وكذلك دورات للعلوم تمكن الطلاب من إجراء التجارب والتطبيق العملي.
تنظيم رحلات تعليمية إلى المتاحف والحدائق والمعالم الثقافية
ويلفت حميد إلى أن التعلم بالأنشطة مفيد جداً للتلاميذ، وبذلك يمكن تنظيم رحلات تعليمية إلى المتاحف والحدائق الطبيعية والمعالم الثقافية، توسع آفاق الأطفال وفي الوقت نفسه تكون ترفيهية.
ويرى أ.د. عبدالوهاب السيد زاوية أخرى للأنشطة الصيفية، لافتاً إلى أنها تساعد على تفريغ الضغوط النفسية التي يعاني منها الطفل خلال السنة الدراسية، وتحد من الطاقة السلبية من خلال الحفلات والرحلات.
ويضيف أن هذه الأنشطة كذلك يمكن استخدامها لتعزيز القيم الأخلاقية عند الأطفال، والحديث معهم بشكل أكثر تفصيلًا في المسائل الدينية البسيطة.
ويتابع بالقول: إن تلك الأنشطة أيضاً تحافظ على الصحة العامة للطفل، فعندما يذهب إلى المدرسة ويلتقي أقرانه ويجد برنامجاً ترفيهياً يشجعه على المشاركة فيه؛ وبالتالي يبتعد عن الكسل والخمول الجسدي والفكري التي تنتج عادة من اللعب لساعات طويلة بالألعاب الإلكترونية والجلوس أمام التلفاز.
وتشير دراسة نشرت عام 1994م عن النوادي الصيفية لطلبة المدارس الابتدائية في مصر (الأطفال في عمر 10 – 12 عامًا)، ودورها في تعزيز التثقيف الصحي للطلاب، إلى أن البرنامج حقق أثراً إيجابياً في معرفة الأطفال وسلوكهم وتبنيهم لممارسات النظافة، مثل غسل اليدين بانتظام قبل وبعد الأكل وغسل الخضار وتغطية الطعام.
قواعد مهمة
ويرى حميد أنه رغم أهمية تلك الأنشطة الصيفية، لكن يجب أن توضع لها قواعد لإنجاحها، ويجب ألا تترك هكذا في يد غير المتخصصين.
ويشير إلى أن هذه القواعد يجب أن تضعها الجهات المسؤولة مع مراعاة الفئة العمرية الموجهة لها هذه الأنشطة للحصول على النتيجة المرجوة.
ويلفت إلى ضرورة التخطيط الجيد للأنشطة، وأن تكون متنوعة ومناسبة للطفل، مفضلاً أن يتم إشراك الأطفال في عملية التخطيط، بل وإشراكهم في تنفيذ الأنشطة وإدارتها وهو ما يعزز الثقة لدى الأطفال.
من الضروري إشراك التلاميذ في عملية التخطيط للأنشطة الصيفية
وفي الوقت نفسه، لا يجب حرمان الطفل من ممارسة النشاط الذي يريد ممارسته شرط ألا يكون هذا النشاط يمثل خطراً عليه أو على زملائه.
وبحسب دراسة تجريبية أجريت في الكويت عام 2014م، أكدت أهمية دور المعلمين لضمان نجاح المدارس الصيفية، وأشارت إلى أن مجرد وجود المعلمين يمكن أن يعزز مشاركة الطلبة لكنه لا يعزز بالضرورة التعاون بينهم.
وانتقدت الدراسة ما يمكن وصفه بـ«سلطوية المعلم»، التي يمارسها المعلم في التدريس وفصول التعليم التقليدية داخل الصفوف الدراسية، مؤكداً ضرورة أن يكون دور المعلم في الفصول الصيفية توجيه تعلم الطلبة، وتشجيع المشاركة، والتفاعل النشط فيما بينهم.