فرض الله عز وجل الجهاد على الأمة وجعله ذروة سنام الإسلام فيها، كما جاء في حديث معاذ بن جبل: «رأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعمودُهُ الصَّلاةُ، وذروةُ سَنامِهِ الجِهادُ» (أخرجه الطبراني).
ولا جهاد بغير إعداد، وقد نبه الله عز وجل عباده المؤمنين لمسألة الإعداد والجاهزية لملاقاة العدو في أكثر من موضع في كتابه، فقال تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ وَآخَرِينَ مِن دُونِهِمْ لاَ تَعْلَمُونَهُمُ اللّهُ يَعْلَمُهُمْ وَمَا تُنفِقُواْ مِن شَيْءٍ فِي سَبِيلِ اللّهِ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ) (الأنفال)، وقال سبحانه محذراً المسلمين من الخنوع والضعف: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا خُذُوا حِذْرَكُمْ) (النساء: 71).
وفي تفسير آية الإعداد: وأعدوا لأعدائكم الكفار الساعين في هلاككم وإبطال دينكم، ما استطعتم من قوة؛ أي: كل ما تقدرون عليه من القوة العقلية والبدنية وأنواع السلاح ونحو ذلك مما يعين على قتالهم، فدخل في ذلك أنواع الصناعات التي تعمل فيها أصناف الأسلحة والآلات من المدافع والرشاشات والبنادق والطيارات الجوية والمراكب البرية والبحرية والحصون والقلاع وآلات الدفاع، والرأي والسياسة التي بها يتقدم المسلمون ويندفع عنهم به شر أعدائهم، وتعلم الرمي والشجاعة والتدبير، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: «ألا إن القوة الرمي»، وبعد ذلك الاستعداد بالمراكب المحتاج إليها القتال، ولهذا قال تعالى: (وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدْوَّ اللّهِ وَعَدُوَّكُمْ)(1).
ويقول سيد قطب رحمه الله: ولكن الإسلام يتخذ للنصر عدته الواقعية التي تدخل في طوق العصبة المسلمة، فهو لا يعلق أبصارها بتلك الآفاق العالية إلا وقد أمن لها الأرض الصلبة التي تطمئن عليها أقدامها، وهيأ لها الأسباب العملية التي تعرفها فطرتها وتؤيدها تجاربها، وإلا إذا أعدها للحركة الواقعية التي تحقق هذه الغايات العلوية، فالاستعداد بما في الطوق فريضة تصاحب فريضة الجهاد، والنص يأمر بإعداد القوة على اختلاف صنوفها وألوانها وأسبابها، ويخص «رباط الخيل» لأنه الأداة التي كانت بارزة عند من يخاطبهم بهذا القرآن أول مرة، ولو أمرهم بإعداد أسباب لا يعرفونها في ذلك الحين مما سيجد مع الزمن لخاطبهم بمجهولات محيرة تعالى الله عن ذلك علواً كبيراً، والمهم هو عموم التوجيه، إنه لا بد للإسلام من قوة ينطلق بها في الأرض لتحرير الإنسان وأول ما تصنعه هذه القوة:
أولاً: أن تؤمن الذين يختارون هذه العقيدة على حريتهم في اختيارها، فلا يصدوا عنها، ولا يفتنوا كذلك بعد اعتناقها.
ثانياً: أن ترهب أعداء هذا الدين فلا يفكروا في الاعتداء على دار الإسلام التي تحميها تلك القوة.
ثالثاً: أن يبلغ الرعب بهؤلاء الأعداء ألا يفكروا في الوقوف في وجه المد الإسلامي وهو ينطلق لتحرير الإنسان كله في الأرض كلها.
رابعاً: أن تحطم هذه القوة كل قوة في الأرض تتخذ لنفسها صفة الألوهية فتحكم الناس بشرائعها هي وسلطانها، ولا تعترف بأن الألوهية لله وحده، ومن ثم فالحاكمية له وحده سبحانه(2).
مقاصد الإعداد للجهاد في الإسلام
1- تحقيق أمر الله عز وجل في تكليفه للأمة بالإعداد في قوله تعالى: (وَأَعِدُّواْ لَهُم مَّا اسْتَطَعْتُم مِّن قُوَّةٍ وَمِن رِّبَاطِ الْخَيْلِ).
2- البراءة من النفاق المقصود في قوله تعالى: (وَلَوْ أَرَادُواْ الْخُرُوجَ لأَعَدُّواْ لَهُ عُدَّةً وَلَـكِن كَرِهَ اللّهُ انبِعَاثَهُمْ فَثَبَّطَهُمْ وَقِيلَ اقْعُدُواْ مَعَ الْقَاعِدِينَ) (التوبة: 46).
3- تجديد نية الرباط بالاستعداد لملاقاة العدو، وذلك لقول النبي صلى الله عليه وسلم: «رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه ع مله الذي كان يعمله وأجري عليه رزقه وأمن الفتان» (رواه مسلم).
4- تخويف العدو، لأنه لا يخاف الله بقدر ما يخاف الأمة المنتبهة فيقول سبحانه: (لَأَنتُمْ أَشَدُّ رَهْبَةً فِي صُدُورِهِم مِّنَ اللَّهِ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَوْمٌ لَّا يَفْقَهُونَ) (الحشر: 13).
5- بنية الإعداد يؤجر المسلم على لهوه ولعبه، فيقول النبي صلى الله عليه وسلم: «ستفتح عليكم أرضون، ويكفيكم الله، فلا يعجز أحدكم أن يلهو بأسهمه» (رواه مسلم).
6- الإعداد مقدمة للجهاد وحفز للنفس له، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: «من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه، ممات على شعبة من النفاق» (رواه مسلم).
7- الإعداد درجة من درجات الجاهزية، بل هو مقدمة الجهاد، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلف غازياً في سبيل الله بخير فقد غزا» (رواه البخاري).
8- الإعداد يحقن دماء الأعداء كما يحقن دماء المسلمين، فالعدو الذي يتابع الأمة في إعدادها ويرى بأسها وقوتها سوف يتراجع ألف مرة في مهاجمتها وهو بذلك يحقن الدماء كلها.
من يلزمه الإعداد؟
1- الإسلام: فالإعداد واجب شرعي عليه يحاسب المسلمون فيحصلون الأجر أو الوزر والإثم، فلا إعداد باسم الوطنية أو القومية وما إلى ذلك من مسميات، وإنما هو للإسلام وبالإسلام.
2- العقل: والعقل مناط التكليف الإنساني، فلا حساب على مكره أو مجنون أو غير واع.
3- البلوغ، يعتبر البلوغ شرط قبول العمل، فلا تكليف لطفل، ومع ذلك يجب تربية الأطفال منذ الصغر وإعدادهم على حب الجهاد والاهتمام ببنائهم الجسدي والعقلي والذهني في هذا الاتجاه.
4- أصحاب المهارات والخبرات: والحروب اليوم لم تعد تعتمد على استخدم السلاح وحده، فالإعداد يجب أن يتنوع بتنوع كافة المجالات التي يمكن استخدامها في الحروب، أي كافة التخصصات العلمية المتاحة.
5- المتاخمون للعدو: السكان المتاخمون للثغور والمجاورون لبلاد الأعداء الذين يقع في حقهم فرض العين حين تتعرض بلاد المسلمين للعدوان.
6- الإعداد واجب في حق الرجال والنساء: والسيرة النبوية المطهرة تزخر بمشاركات النساء في الحروب حين يستوجب الأمر ذلك، وواجب اليوم أن تتعلم الفتيات والنساء الأمور الخاصة بالتمريض لعلاج المصابين، وأمور التربية لإعداد النشء التي تحتاجه الأمة في مراحل الإعداد الأولية.
7- ولا يشترط فيمن يلزمهم الإعداد سلامة البدن، فكم من معوق استطاع أن يقدم لدينه ما لم يقدمه الأصحاء! وكم من مواطن للحرب لا تستدعي الحركة البدنية بقدر ما تستدعي فهماً وذكاءً وقدرة على القيادة.
__________________________
(1) تيسير الكريم الرحمن للشيخ السعدي.
(2) في ظلال القرآن للشيخ سيد قطب، في تفسير الآية (60) من سورة «الأنفال».