أستاذي الكريم د، يحيى، السلام عليكم، تحية تقدير إلى مجلتكم الموقرة، أنا زوجة في منتصف الثلاثينيات، تزوجت منذ حوالي 13 عاماً، نحيا وزوجي حياة زوجية طيبة، زوجي جزاه الله خيراً نعم الزوج حقاً، من أول لقاء للتعارف -في بيتنا- طلب مني عدم العمل والتفرغ لحياتنا الزوجية وتربية أولادنا، يبذل زوجي جهداً طيباً في عمله، ولله الحمد نحيا في رغد من العيش، ويرفض أي عمل إضافي حتى لا يؤثر على علاقتنا.
منذ تعارفنا ولا تخلو جلسة لنا إلا ويتحدث عن حلمه بذرية صالحة تكون قيمة مضافة للأمة، ويحثني على القراءة في تربية الأولاد، انتظرنا الحمل بعد زواجنا، وبدأنا رحلة شاقة في الداخل والخارج استمرت 10 سنوات أسفرت عن عدة تقارير تشير إلى عقمي.
رضي زوجي وحمد الله، وقال: أنت أغلى عندي، ولكنني ألاحظ لهفته ونسيانه لكل أقاربنا في أي لقاء ومداعبته لأطفالهم وحديثه البناء مع الصبية منهم، حتى عندما تصحب المربية طفلها معها كم يسعد باللعب معه ويغدق عليه الهدايا! أعلم مدى حب زوجي للأولاد ليس فقط من جانب عاطفة الأبوة، ولكن حلمه بذرية صالحة منذ أول تعارف لنا، وكم أتألم لأني حرمته من حلمه! وهو دائم الاهتمام بي ويذكرني بأنها أقدار الله وعلينا حمده جل شأنه.
منذ عام أشارت عليَّ أمي بأن أزوِّج زوجي، فانهرت في موجة هستيرية من البكاء، فحضنتني ودعت لي، لم أتخيل أن تشاركني أخرى في زوجي! وأرى اهتمامه وحبه لأخرى، وظل هذا الكابوس يلاحقني حتى أصبت بالأرق، بل والشك في زوجي الحبيب إذا ما تأخر، عرضتني أمي على طبيب نفسي الذي شخَّص حالتي بالاكتئاب ووصف لي علاجاً طويل الأمد ولم أُخطر زوجي، طالبتُ زوجي بطلاقي ليتزوج زوجة ولوداً تحقق حلمه، ولأني أحبه وأتألم لحرمانه من الذرية، ولكنه رفض.
أنا أعيش في رعب بأن يفاجئني زوجي بـ«ضرة»، لا يكلف الله نفساً إلا وسعها، أنا لا أحتمل ولا أقبل ذلك، لذا أرجو منكم أن تنصح زوجي بطلاقي.
التحليل
من رحمة الله بعباده أن شرع لهم التعدد، وكان ذلك منذ عدة عقود مقبولاً ولا يواجه الزوج أي نقد أو لوم أو استهجان، في العديد من المجتمعات الإسلامية، ولكن مع موجة التغريب التي تغض الطرف عن الخليلات وتصور أن التعدد إهانة وتقليل من قيمة المرأة، ناهيك عن دعوة النسوية والندية حتى أصبح التعدد مجرماً في بعض القوانين بالبلاد الإسلامية، وقد يقدم من هو مقصّر في الوفاء بحقوق زوجته وأولاده فيزيد ظلمه بالزواج من أخرى، ويعلل ذلك بطعن زوجته في أنوثتها أو أخلاقها، كما هيأ الإعلام العلماني بالنماذج السلبية للتعدد المجتمع لنبذ إباحة التعدد، وأشعل المعركة بين أطرافه.
إن غيرة الزوجة فطرة طبيعية، بل وإيجابية! لذا فللتعدد نِعَم جليلة حتى على الزوجة الأولى، فهي تحفزها وتنشط هورموناتها فتزيد من اهتمامها بنفسها ورعايتها لزوجها وبيتها، وتجعلها متألقة، كما يحق للزوجة أن تسعى بكل الوسائل الشرعية، وأؤكد الوسائل الشرعية، لجذب زوجها إليها والحيلولة دون زواجه بأخرى.
أما عن الزوج الذي وفَّى وفاض بالفضل على زوجته وأخلص النية لله فتعلم المعارف وأتقن المهارات الزوجية وصبر وثابر على زوجته حتى أنعم الله عليهما بالمودة والرحمة، وينوي ويحرص كل الحرص على العدل، فإن وجد في نفسه الرغبة الملحة التي قد تعرضه إلى الشبهات أو تنغص عليه حياته، ولديه الكفاءة الشاملة، وأؤكد هنا شمولية كفاءته، لفتح وإدارة بيت آخر بكل تبعياته دون أن يقصّر في حق زوجته الأولى وأولاده؛ فلا حرج عليه، كما أوصيه بأن يهدي زوجته الأولى بهدية توازي قيمة خطبته لزوجته الثانية، وأن يقضي معها رحلة وجدانية تطييباً لخاطرها قبل زواجه.
من النماذج الطيبة: استشارني أخ أن زوجته عرضت عليه الزواج بأرملة ابن خالته التي يرعى أولادها، وأسرَّ لي: «إن الذكر بداخلي هلل فرحاً، ولكن بحكمة الرجل أدركتُ أنني لن أستطيع أداء حق القوامة لزوجتين»! فشكرتها وطلبت منها معاونتي لأداء هذه الأمانة الخاصة رعاية الأرملة.
وفي المقابل من النماذج السلبية: كم من صديقة حميمة عندما ترملت أو طلقت اعتزلتها صديقاتها أو حرصن على أن تكون علاقتهن بها خارج نطاق البيت تخوفاً منها! ولم تفكر إحداهن على أن تعرضها على زوجها، أعلم أن ما أقترحه سيعتبره بعض الأخوات من الهذيان، ولكن أذكّر بضرورة تكافل المجتمع المسلم، «من كان معه فضل ظهر فليعد به على من لا ظهر له، ومن كان له فضل من زاد، فليعد به على من لا زاد له»، قال: فذكر من أصناف المال ما ذكر حتى رأينا أنه لا حق لأحد منا في فضل، كما أكرر أن سير الصحابيات «مات عنها فلان فتزوجها فلان ثم مات عنها فتزوجها علان» وهكذا.
أما إذا ما اُبتليت الزوجة بزوجة أخرى فعليها الصبر والاحتساب، وتحذر كل الحذر من أثرة النفس وغريزة الامتلاك في العلاقة الزوجية، وأن الرازق هو الله تعالى، وأن أختها في الله لن تشاركها في رزقها -أي أن كان هذا الرزق سواء أكان معنوياً أو مادياً- بل ستأتي برزقها، كما يجب عليها الحذر من انتقاد زوجها أمام أولادهما واستعدائهم عليه، بل يجب الإشادة بفضائله وأن زواجه بأخرى أمر يخصهما فقط، وأن يتعاملوا بكل تقدير واحترام مع زوجة أبيهم لأنها في مرتبة أمهم.
أما عن الزوجة الثانية، فمن المؤكد أنها كانت تتمنى أن تكون هي الزوجة الأولى، وعليها أن تستشعر آلام ومخاوف أختها -الزوجة الأولى- وتحرص كل الحرص على طمأنتها وتدفع بالتي هي أحسن معنوياً ومادياً، كما عليها أن تحرص على ألا تكون حائلاً أمام واجبات زوجها تجاه أسرته الأولى، وليتها تحاول أن تكون عوناً لها مثل التدريس للأولاد أو مشاركة أختها التزاماتها أو هوايتها.
أما عن الزوجة التي ابتلاها الله بالعقم:
فعليك بالصبر الجميل، وتذكر الجزاء بغير حساب من الكريم جل شأنه، إن الإيمان بالقضاء والقدر أحد أركان الإيمان، أما الرضا فهو ثمرة ومنة الله وتوفيقه لعباده الذين فهموا وتدبروا آياته، لذا فالصبر الجميل هو قناعة عقلية بأن ما يقدره ليس فرضاً عليَّ فقط أن أؤمن به، بل أيضاً هو سعادتي به لأنه اختيار الله، ولنا في قصص موسى، والخضر، العظة والحكمة البالغة لله تعالى.
كيف هيأ لك شيطانك وأثرة نفسك أن تحرمي نفسك من زوج كريم بسبب الغيرة من أخت مسلمة قد تسعده بأولاد؟ كم من مطلقة ندمت لأنها لم تصبر على زوجها لأن معاناتها في مجتمع ضعفت فيه القيم الإسلامية أصعب من صبرها على زوجها! كما أيضاً من زوجة أصرت على الطلاق وهدم بيت الزوجية مع زوج أحسن إليها ثم تحول إلى شيطان رجيم لأنه تزوج بأخرى، ثم قبلت الزواج بزوج لأخرى!
إن من ثمرات الرضا أن ينشرح قلبك وأن تحسني لزوجك كما أحسن إليك؛ (هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ) (الرحمن: 60)، فعليك أن تبحثي له عن زوجة وأخت لك، واستعيني بالله على أثرة نفسك وهواك والشيطان واسعدي بسعادة زوجك بأبوته وأن تكون أماً ثانية لأولاده.
_______________________
0014169973277
Y3thman1@hotmail.com