لم يستطع قائد الجيش البنغالي واكر الزمان استبعاد قادة حزب الجماعة الإسلامية الذين يعبرون عن فكر جماعة الإخوان المسلمين من الاجتماع العاجل الذي عقده عقب سقوط وهروب الدكتاتورة حسينة واجد بعد نجاح الثورة، لتشكيل حكومة مؤقتة، لأنهم يشكلون ثقلاً كبيراً في البلاد دفع حسينة لإعدام 5 من قادتهم وحظر نشاطهم السياسي.
قائد الجيش الذي قال في خطاب: إنه سيتولى المسؤولية كاملة بعد استقالة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة وفرارها من البلاد، اجتمع على الفور مع زعماء الأحزاب السياسية الرئيسة، وبينهم الجماعة الإسلامية، باستثناء حزب رابطة عوامي الذي حكم البلاد وكانت تتزعمه حسينة.
وأكد لهم أن البلاد تمر بمرحلة ثورية، وطالبهم بالهدوء والاتفاق على تشكيل حكومة مؤقتة لإدارة البلاد لحين إجراء انتخابات، واتفق مع الرئيس البنغالي محمد شهاب الدين على إطلاق سراح معتقلين من بينهم قادة بالجماعة الإسلامية ورئيسة الوزراء السابقة خالدة ضياء، المنافسة لحسينة.
سر تعاون الجيش مع الجماعة الإسلامية ضمن قادة المعارضة، بعدما كان يكنّ لها العداء خلال حكم حسينة هو أن جناح الجماعة الطلابي «شيبير» شارك بقوة في الثورة وإسقاط الدكتاتورة حسينة، كما أن الجماعة الإسلامية هي ثالث أكبر حزب سياسي في البلاد، وأحد أقدم الكيانات السياسية في شبه القارة الهندية، وتضم أكثر من 30 مليون عضو رسمي، وتحظى بحوالي 25% من نسبة التصويت في الانتخابات؛ حيث تعد الجماعة الإسلامية في بنجلاديش من أكبر الأحزاب السياسية، حيث تأسست في البداية في باكستان الكبرى (باكستان وبنغلاديش) قبل استقلال بنغلاديش.
وقد تأسست الجماعة الإسلامية في 16 أغسطس 1941م، حين اجتمع 75 باكستانياً في لاهور من مختلف أنحاء البلاد بقيادة أبي الأعلى المودودي، وأسسوا الجماعة الإسلامية، وانتخبوا المودودي أميرًا لها.
ومع إعلان قيام دولة باكستان في 28 أغسطس 1947م، انتقل المودودي مع زملائه إلى لاهور حيث أسس مقر الجماعة الإسلامية بها.
وفي عام 1971م استقلت بنغلاديش عن باكستان عقب حرب استمرت شهوراً بين الانفصاليين والحكومة والجيش الباكستاني، وكانت الجماعة الإسلامية من مؤيدي الوحدة وعدم انفصال بنغلاديش عن باكستان، ما أدى للبطش بها.
وفي أتون ثورة الشعب ضدها، قررت حكومة حسينة واجد، في 30 يوليو 2024م، حظر الجماعة الإسلامية تماماً بعدما كانت تكتفي بالتضييق عليها وأعدمت 5 من قادتها وقتلت اثنين منهم في سجونها.
لكن فور انتصار الثورة ظهر قادة الجماعة وهم يشكرون الله والشعب على نجاح الثورة وظهر الطلاب الثوار وهم يهنئون أمير الجماعة الإسلامية في بنغلاديش وهو يسير في الشارع.
كما ظهر د. شفيق الرحمن، أمير الجماعة الإسلامية، وهو يحمد الله ويبكي فرحاً بعدما وصل إلى المكتب المركزي للجماعة الإسلامية في دكا، وبكى الشهداء ودعا لإنهاء الدكتاتورية في البلاد بعد هروب حسينة.
وأصدر د. شفيق الرحمن بياناً يهنئ فيه الشعب بتحرير البلاد والعباد من قبضة الحكومة الدكتاتورية ويدعوهم إلى الحفاظ على الأمن والنظام في البلاد، وشكر الطلاب والمعلمين والمثقفين والصحفيين والمحامين والشعراء والكتَّاب والمجتمع المدني وأفراد من مختلف المهن والأحزاب السياسية على الدور الفريد الذي مارسوه في إنجاح هذه الحركة (الثورة).
ودعا قادة ونشطاء الجماعة الإسلامية البنغالية على جميع المستويات، الطلاب والمعلمين وأولياء الأمور والأحزاب السياسية والناس إلى التعامل مع الوضع بصبر وجلد، مع توخي الحذر بشأن أمن أماكن العبادة والمنازل والممتلكات الخاصة بأتباع الديانات المختلفة.
وكانت الدكتاتورة حسينة اعتقلت الشيخ شفيق الرحمن عدة مرات آخرها في ديسمبر 2022م، وتم سجنه بعدما دعا للإطاحة بالرئيسة حسينة، وأعلن انضمام حزبه إلى مجموعات المعارضة الأخرى في الاحتجاجات المناهضة للحكومة.
وكان حزب الجماعة الإسلامية على مدى سنوات عدة حليفًا وثيقًا لحزب خالدة ضياء، وحكم تحالفه بينهما البلاد بين عامي 2001 و2006م، لكن بعد وصول الشيخة حسينة إلى السلطة في عام 2009م تم اعتقال جميع الأعضاء البارزين في الجماعة وحوكموا بتهم ارتكاب جرائم حرب تعود إلى حرب الاستقلال عن باكستان في عام 1971م، وأُعدم 5 من كبار قادته شنقًا بين عامي 2013 و2016م.
كما قُتل مئات من ناشطيه وسُجن عشرات الآلاف بعد نزولهم في مظاهرات احتجاجًا على الإعدامات.
وكانت مجلة مسلم «ماترز» شبهت ما جرى في بنغلاديش بانه أشبه بـ«الربيع العربي» الذي امتد للبنغال، مشيرة لأن ما يقلق سلطات بنغلاديش أن الجماعة الإسلامية تتشابه أفكارها مع جماعة الإخوان المسلمين وتستقي فكرها من حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان، وقالت: إن الشيخة حسينة، رئيسة الوزراء الهاربة وابنة الزعيم المؤسس لبنغلاديش، تخوفت من الثورات في العالم العربي، لذا بادرت بشن حملة قمعية لمنع الثورة في بلادها، وإن هذا سبب قيامها بإعدام العلماء.
وعقب استقلال بنغلاديش، تم تشكيل ما سُمي المحكمة الدولية لجرائم بنغلاديش عام 2010م بحجة محاكمة مجرمي الحرب الذين عارضوا استقلالها عام 1971م، وكان المستهدف منها أساساً قادة الجماعة الإسلامية ومعارضين آخرين.
وأعدم نظام حسينة هؤلاء العلماء الذين تزعموا العمل الإسلامي ضمن صفوف حزب الجماعة الإسلامية قبل انفصال بنغلاديش (باكستان الشرقية) عن دولة باكستان عام 1971م، بحجة أنهم أعداء للاستقلال في محاكمات بدأت عام 2013م.
وكان من أبرز الشخصيات التي اعتقلت وأعدمت أو توفيت داخل السجن من قادة الجماعة الإسلامية حتى الآن 7 من كبار العلماء، منهم 5 تم إعدامهم شنقاً، واثنان توفيا داخل السجن قبل الحكم بإعدامهم.
هل ينقلب الجيش؟
ورغم فرح الشعب البنغالي بنجاح الثورة وهرب الدكتاتورة حسينة، جاء إعلان قائد الجيش البنغالي واكر الزمان أن الجيش سيتولى الحكم لحين تعيين حكومة مؤقتة، مثيراً المخاوف من استغلال الجيش الوضع والقفز على الثورة وقيامه هو بالحكم على غرار ما جرى في بلدان عدة من بلاد «الربيع العربي».
فريق يرى أن تدخل الجيش لإجبارها على الهرب والتنحي جاء خشية تدهور أوضاع البلاد وانقلاب الشعب عليه؛ لأن الجيش شارك في القمع وقتل الثوار مع الشرطة، وأن وضع بنغلاديش يختلف عن البلدان العربية حيث توجد هياكل ديمقراطية.
فريق آخر رأى أن كل تصريحات قائد الجيش هو ضرورة ثقة الشعب بالجيش وعودتهم لمنازلهم وترك الجيش يدير البلاد، وكلها مؤشرات سلبية؛ لأن نفس السيناريو تكرر في بعض دول «الربيع العربي» وانتهى الأمر بحكم الجيوش والانقلاب على الديمقراطية.
لذا أثيرت تساؤلات: هل سيظل الجنرال واكر الزمان في السلطة لفترة طويلة، أم يفسح المجال لحكومة مؤقتة، تليها انتخابات منظمة وسلمية؟
وظهرت مخاوف من أن يعقب انتهاء حقبة عائلة مجيب الرحمن بهروب ابنته الشيخة حسينة للهند، عودة الجيش للحكم مباشرة أو عبر صيغ أخرى.
ربما منها عودة غريمة حسينة، خالدة ضياء، المؤيدة للجيش، للحكم، في انتخابات مقبلة، بعدما أطلق الرئيس محمد شهاب الدين سراحها من الاعتقال التي فرضته عليها الشيخة حسينة.
ويتمتع الجيش بنفوذ سياسي كبير في بنغلاديش التي واجهت أكثر من 20 انقلاباً أو محاولة انقلاب منذ الاستقلال في عام 1971م، لكن لم يتضح ما إذا كانت استقالة حسينة أو تولي قائد الجيش السلطة مؤقتاً سيتبعها دور للعسكر في مستقبل البلاد أم لا.