ما بين استنزاف غزة ومستنقع «حزب الله» اللبناني وحفرة «أنصار الله» اليمنية، يُقحم نيامين نتنياهو الكيان الصهيوني في حروب لا هوادة فيها، ويجر من خلفه مجتمعاً متناحراً داخليًا، ومهترئاً وضعيفاً، يتكبد، منذ 7 أكتوبر الماضي، خسائر بشرية واقتصادية فادحة، ربما لن تعلن إلا عبر تحقيق موسَّع.
خسائر اقتصادية طويلة المدى على الداخل الصهيوني
رغم اعتراف نتنياهو نفسه بدخول «إسرائيل» في حرب على 7 جبهات كاملة (غزة والضفة الغربية و«حزب الله» واليمن وسورية والعراق وإيران، بحسب تصريحات نتنياهو)، فإن مراكز الأبحاث ووسائل الإعلام العبرية تؤكد، بشكل دوري، وقوع خسائر اقتصادية طويلة المدى على الداخل الصهيوني، حتى لو توقفت الحرب على غزة، لحظيًا، إلا أن الأضرار ستكون كبيرة جدًا في حال استمرار الحرب أو تصعيدها.
تقارير «إسرائيلية» تكشف حجم الفاتورة الباهظة لحرب غزة على الاقتصاد الصهيوني
في 28 يوليو الماضي، نشر مركز دراسات الأمن القومي دراسة مهمة حول خسائر الاقتصاد الصهيوني جراء استمرار الحرب على غزة أو تصعيدها مع «حزب الله»، موضحًا أن «تل أبيب» أمام مفترق طرق حقيقي؛ لأن أي قرار سياسي/عسكري بشأن مستقبل الحرب سيكون له عواقب اقتصادية كبيرة، متوقعًا تجاوز العجز للعام 2024 كل التوقعات بناء على ميزانية الدولة الحالية؛ وهي الميزانية التي تؤكد «الإذاعة الإسرائيلية» أن التأخير في صياغتها للعام 2025م، تعني أن البلاد في وضع اقتصادي، غير مسبوق، ووزارة المالية بقيادة سموتريتش مطالبة بتنظيم ذاك العجز المالي ووضعه في نصابه الصحيح، حتى إن الإذاعة تردد أنه لا يوجد وزير مالية في «إسرائيل»، نتيجة لإخفاق بتسلئيل سموتريتش في إيجاد حلول اقتصادية ناجعة لبلاده في ظل استمرار الحرب على غزة.
لا يجب السكوت عن الحق لأنها صرخة لأجيال قادمة
الغريب أن الاعترافات الصهيونية بفشل الحرب على غزة تتوالى بين ساعة وأخرى، إذ يعتقد العقيد احتياط حازي نحاما، أن الجيش يكذب على القيادة السياسية والمواطنين ويقول: إنه يدمر الأنفاق، وهذا غير صحيح، بعدما أكد في مقابلة مع «القناة السابعة» العبرية أن الجيش يضلل الرأي العام ويكذب على القيادة السياسية، وهو لا يريد السكوت عما يجري داخل الجيش لأنها صرخة أجيال، على حد قوله، وهو التصريح الذي ينم عن تضليل سياسي/عسكري تتبعه خسائر فادحة لم ترغب «تل أبيب» في الإفصاح عنها، حتى الآن.
غير أن غدعون غولبر، الرئيس التنفيذي لميناء إيلات، قد أكد علانية أن أعداداً كبيرة من عمال الميناء تم تسريحهم بسبب الأزمة المستمرة في البحر الأحمر، بوجه خاص، والحرب على غزة، بوجه عام؛ وهو ما أوضحه خلال مقابلة أجرتها صحيفة «معاريف» العبرية في الحادي والعشرين من يوليو، طالب خلالها باتخاذ إجراءات مع الدول المتحالفة مع بلاده؛ من أجل عودة العمل في ميناء المدينة المغلق، منذ نوفمبر 2023م؛ بعد خسارة بلاده ما يزيد على 50 مليون شيكل (الدولار= 3.75 شيكل) ونقل كل شيء إلى مينائي أسدود وحيفا على البحر المتوسط.
رغم إغلاقه.. أهمية جيوستراتيجية لميناء إيلات
الواضح أن الرقم الذي ذكره المسؤول الصهيوني لا يتناسب مع أهمية ميناء إيلات الوحيد على البحر الأحمر لـ«إسرائيل»، خاصة وأن غولبر نفسه قد اعترف بالأهمية الجيوستراتيجية للميناء ومدى ربطه بين أستراليا شرقًا والأمريكتين غربًا؛ لكنه شدد على مدى ما يعانيه الميناء الإستراتيجي من مشكلات جمة، داعيًا نتنياهو وحكومته إلى إيجاد حلول ناجعة وعاجلة تسمح باستئناف عملياته الاقتصادية والاحتفاظ بموظفيه، ليشير، ضمنيًا، إلى مدى الخسارة الاقتصادية التي تعانيها «إسرائيل» جراء غلق ميناء إيلات.
بعد التصريحات الخطيرة لرئيس ميناء إيلات.. الاقتصاد الصهيوني يعاني والخسائر تتعاظم
وفي عودة لمركز دراسات الأمن القومي، فإن كاتبي الدراسة يؤكدان أنه مع الوضع الحالي في غزة، فإن الاقتصاد «الإسرائيلي» يشهد نموًا بنسبة 1% فقط من الناتج المحلي للعام 2024م، واستمرار الوضع القائم سيؤدي إلى تدهور الوضع الاقتصادي بشكل أكبر، لأن نفقات الدفاع سترتفع وستعمل على تعميق العجز وزيادة نسبة الدين إلى الناتج، ما يلحق الضرر بالتصنيف الائتماني للكيان الصهيوني، فضلاً عن الخوف من الاستثمارات في «إسرائيل»، وخاصة في مجال التكنولوجيا الفائقة الحساسة.
توقعات «إسرائيلية» بحالة من القتامة للواقع الاقتصادي الصهيوني
وأشارت دراسة المركز التابع لجامعة «تل أبيب» إلى أنه حال دخول الكيان حرب مفتوحة مع «حزب الله»، فإن الاقتصاد «الإسرائيلي» سينكمش بما يصل إلى 10% من الناتج المحلي الإجمالي للعام 2024م، على أن يرتفع العجز إلى حوالي 15% نتيجة لتمويل الحرب وتوفير الطعام والشراب وتكلفة وتجهيز المخابئ والملاجئ الآمنة؛ فقد توقعت الدراسة انتشار حالة من القتامة في الواقع الاقتصادي للكيان الصهيوني، نتيجة لانخفاض نموه وتراجع دخله وزيادة عجزه وزيادة مدفوعات الديون المستقبلية، بالإضافة إلى التغيرات في رأس المال البشري، الذي جاء على خلفية هجرة الأدمغة خارج «إسرائيل».
توصيات «إسرائيلية» بتقليص أي إنفاق غير ضروري
والواقع في دراسة مركز الأمن القومي تقديمها لتوصيات مهمة، تنم بعمق عن وجود خلل اقتصادي بيّن داخل الكيان الصهيوني؛ ما دعا كاتبي الدراسة إلى مناشدة حكومة «تل أبيب» تقليص أي إنفاق غير ضروري لا يدعم النمو والمجهود العسكري، وإغلاق كل الدوائر الحكومية غير الضرورية، وكذلك إلغاء التخصيصات المالية القطاعية التي لا تزيد من إنتاجية العمل والنمو الاقتصادي في البلاد.
ولم يفت كاتبي الدراسة تقديم توصية أخرى لا تقل أهمية، تتعلق بطرح نقاش عام وموسَّع حول ملف الميزانية ومستقبل اقتصاد الكيان الصهيوني، تشارك فيه قطاعات الكيان ككل، بدءاً من رجال الاقتصاد إلى جنرالات العسكر، مروراً بسياسيين واقتصاديين بارزين؛ بهدف وضع رؤية اقتصادية شاملة تحاول إعادة الاقتصاد «الإسرائيلي» إلى ما كان عليه قبل عملية «طوفان الأقصى».