لا يخلو بيت من مشكلة أو أزمة، ولا تمر الحياة الزوجية دون منغصات أو خلافات، لكن كل طرف يمتلك في جعبته حلولاً سحرية لإنهاء الخلاف، شريطة امتلاكه الإرادة لذلك، بل بإمكانه تحويل الخلاف إلى مساحة للود والتفاهم والحوار.
الزوجان في حاجة إلى مساحة جديدة للابتكار، وأدوات غير تقليدية؛ لتجاوز الخصام والهجر والخلاف، وهو ما يتوفر إذا كانت العلاقة قوية بينهما، وقنوات التفاهم عميقة ومتعددة، الأمر الذي تحدده عوامل عدة مثل المستوى التعليمي، والحالة الإيمانية، واللياقة النفسية والذهنية، وغيرها.
هذه السطور تتيح لكلا الزوجين التعرف على طرق فعالة وسريعة لحل الخلاف، إلى جانب محاولات الإصلاح التقليدية، من العتاب، وتقديم الهدايا، أو طلب التدخل من شخص موثوق من الأسرة لإنهاء المشكلة بين الزوجين.
عالم النفس بجامعة واشنطن والباحث في شؤون الزواج، جون غوتمان، يسلط الضوء على الطريقة الأولى لحل الخلاف، وهي الابتسامة، معتبراً أنها وسيلة للتهدئة، وامتصاص غضب الطرف الآخر، ويمكن من خلالها استيعاب الزوج أو الزوجة، مضيفاً أن الابتسامة العريضة تحول المشاعر من السلبية إلى الإيجابية.
وتعد الابتسامة النابعة من القلب، السلاح السري للأزواج الأذكياء عاطفياً، الذين يمكنهم احتواء زوجاتهم، عبر مبادرة لفظية أو جسدية، قد تنجح في نزع فتيل التوتر، وامتصاص غضب الآخر، بحسب ما أورده غوتمان، في كتابه «المبادئ السبعة لإنجاح الزواج».
أما الطريقة الثانية، فتبدأ بكلمة، مثلاً «هل يمكنني عناقك؟»، أو «أريد أن أصلح ما فعلت»، أو «عذراً.. لم أكن أقصد كذا»، أو «دعني أصلح ما فعلت»، وهي كلمات تحمل مضامين غاية في الأهمية، ويمكن أن تنهي الخلاف في لحظة؛ لأن الطرف المخطئ لم يعاند، وسارع إلى احترام الآخر، مبدياً استعداده لإصلاح ما أفسد، وهي كلمات تنم عن نوايا حسنة لدى الزوج أو الزوجة؛ ما يعجل بإنهاء الخلاف.
يقول خبراء الأسرة وعلم الاجتماع: إن الاعتذار الواضح كفيل بحل الخلاف، أو على الأقل منع تفاقمه أو خروجه عن السيطرة، لذلك يعد الأشخاص الذين يمتلكون ثقافة الاعتذار الأكثر نجاحاً في إدارة خلافاتهم، ولما لا، وهم يمتلكون مفتاحاً سحرياً للنجاة من الخلافات، وهو خلق كريم أوصى به الذكر الحكيم، فقال على لسان بلقيس التي نشأت في بيئة وثنية: (رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي وَأَسْلَمْتُ مَعَ سُلَيْمَانَ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) (النمل: 44)، وموسى عليه السلام لمَّا وكز الرجل وقتله اعترف بظلمه لنفسه قائلاً: (هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُّضِلٌّ مُّبِينٌ {15} قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ) (القصص).
وتقوم الطريقة الثالثة على القيام بلفتة حانية تجاه الطرف الآخر، مثلاً وضع لقمة في فيه، كما أوصانا رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم، فأفضل صدقة للرجل لقمة يضعها في فم زوجته أو مال ينفقه على أولاده، فعن سعد بن أَبي وقّاص، أَن رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم قَال: «وإِنك لَن تنفق نفقة تبتغي بها وجه اللَّه إلاّ أُجرت بها حتى ما تجعل في فيِّ امرأتك» (متفقٌ عَلَيهِ)، وقوله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّ الرَّجُلَ إِذَا سَقَى امْرَأَتَهُ مِنْ الْمَاءِ أُجِر».
ولا شك في أن لفتة كهذه ستبدد مشاعر الغضب لدى الزوجة، وتعيد لها الإحساس بالحنان والعطف من قبل زوجها، وقد تقضي على الخلاف برمته، وتفتح باباً واسعاً للصلح والود والتقدير المتبادل، خاصة إذا تبادلا اللفتة نفسها، فهذا مما يؤدم الود بينهما، وقد كان صلى الله عليه وسلم أحسن الخلق معاملة وعشرة لأهله، وكان يقول: «خيركم خيركم لأهله، وأنا خيركم لأهلي» (رواه ابن ماجه).
أما الطريقة الرابعة، فهي مستقاة أيضاً من السُّنة النبوية الشريفة، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يسابق أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها، إدخالاً للسرور على قلبها، ويناديها بـ«عائش»؛ تلطفاً معها، كما كان يؤانسها بالحديث ويروي لها القصص، ويستمع لها عند الحديث معها، وكان يحرص على الشرب من الموضع التي شربت منه.
هذه لفتات تدلل على حسن العشرة، وتنزع فتيل التوتر، وتبدد الخلاف سريعاً، فهي من الطرق القصيرة إلى المودة والرحمة وتآلف القلوب، ويسهل الاستجابة لها، ومع خبرة الزوجين، يمكن لكل منهما أن يجد اللفتة الخاصة أو كلمة التدليل السحرية التي تناسب الطرف الآخر، وتعني انتهاء الخصام والهجر والخلاف.
إذن بين أيدينا «ابتسامة.. كلمة.. حنان.. تدليل..»، وهي أفعال بسيطة لكنها فعالة جداً، والسبب كما يقول غوتمان، يكمن في أن التفاعلات العاطفية بين الزوجين كأنها رصيد في حسابهما بالبنك العاطفي، بمعنى أن أي استثمار في هذا الحساب يزيد مدخراتهما التي ستكون سنداً لهما في الأوقات الصعبة.
بمعنى آخر، فإن هذه الطرق البسيطة ترتكز على بنك العواطف الذي أسسه الزوج أو الزوجة في بداية حياتهما، وكل طرف منهما يرفع من رصيد الحب والمودة لدى الآخر، فإذا كان الزوج يضع ودائع عاطفية إيجابية في حسابهما، ستنجح محاولاته، وكذلك الزوجة إذا كانت تزيد من رصيدها العاطفي لدى زوجها، فهو بالتأكيد سيغفر لها زلاتها، وسيتجاوز عنها.