وسط تصاعد الخلافات السياسية والأمنية بين قادة العدوان الصهيوني على غزة، أعلن رئيس وزراء الاحتلال بنيامين نتنياهو، مساء أمس الثلاثاء، إقالة وزير الحرب يوآف غالانت، في خطوة أحدثت جدلاً واسعاً داخل الأوساط السياسية الصهيونية.
قرار نتنياهو، الذي جاء بتعيين يسرائيل كاتس خلفاً لغالانت، اعتبره مراقبون جزءاً من سعيه لتوطيد سيطرته الكاملة على المؤسسة الأمنية، في حين لاقت هذه الإقالة احتجاجات شعبية داخل الكيان الصهيوني، وسط مخاوف من تأثيرها على الوضع الداخلي وإدارة الحرب في غزة.
من جانب آخر، تنوعت التحليلات حول دوافع إقالة غالانت، إذ أرجعها البعض إلى خلافات عميقة حول قضايا تتعلق بالسياسات العسكرية، والتجنيد الإلزامي، والتحالفات السياسية الحساسة.
وبينما تعمقت الأزمة بحديث غالانت عن ضرورة استعادة الأسرى في غزة، اعتبر باحثون ومحللون أن هذه التغييرات تحمل أبعاداً إستراتيجية في إطار ترتيبات جديدة يقودها نتنياهو للسيطرة على المؤسسة العسكرية وتوسيع تأثيره.
من جهته، علّل نتنياهو هذا القرار بـ«أزمة الثقة المتزايدة بينه وبين غالانت»، التي اعتبرها عائقاً أمام إدارة فعالة للحرب.
وذكرت صحيفة «يديعوت أحرونوت» أن نتنياهو أبلغ غالانت بقرار إقالته قبل الإعلان الرسمي بعشر دقائق فقط، بينما أكدت مصادر أمريكية استياء واشنطن من هذه الخطوة.
وقد أوضح المتحدث باسم البنتاغون الميجر جنرال باتريك رايدر أن التزام الولايات المتحدة بأمن «إسرائيل» ثابت، مؤكداً التعاون المستمر مع وزير الدفاع المقبل.
إلى ذلك، أثارت إقالة غالانت احتجاجات واسعة في «تل أبيب»، وشهدت مدن مثل حيفا اشتباكات عنيفة بين الشرطة والمحتجين، الذين طالبوا نتنياهو بالتنحي متهمين سياساته بتهديد وحدة البلاد.
أسباب الإقالة
وفي أول تعليق له، أشار غالانت إلى أن قرار إقالته جاء بسبب خلافات مع نتنياهو في 3 قضايا رئيسة؛ أولها موقفه الرافض لإعفاء «الحريديم» من التجنيد، واصفاً ذلك بالمشروع الفاسد والمُميِّز، كما عارض غالانت إلغاء استدعاء آلاف من «الحريديم» للخدمة؛ ما أثار غضب وزيري الأمن القومي والمالية، اللذين هددا بالانسحاب من الحكومة.
أما القضية الثانية، فتتعلق بتعهد غالانت بالعمل على استعادة الأسرى في غزة، مع استعداده لتقديم تنازلات مؤلمة، وأخيراً طالب غالانت بتشكيل لجنة تحقيق في الإخفاقات العسكرية خلال أحداث «طوفان الأقصى» التي وقعت في أكتوبر.
من جهة أخرى، قال الكاتب خليل العناني، في مقطع فيديو عبر حسابه على «تيك توك»: إن نتنياهو أقال غالانت لحماية نفسه من تداعيات فضيحة التسريبات ولضمان استمرارية تحالفه مع المتشددين «الحريديم»، كما أشار إلى خلافه مع غالانت حول إدارة الحرب، حيث يعارض الأخير احتلال غزة بينما يتشبث نتنياهو بتلك الخطة.
«جوكر» نتنياهو
وقال الباحث الفلسطيني زياد أبحيص: كاتس، الذي تسلم وزارة الحرب، يُعرف بكونه «جوكر نتنياهو»، ويشغل مناصب مختلفة وفق احتياجات نتنياهو.
وأضاف أبحيص، في تغريدة عبر حسابه على منصة «إكس»، أن عودة كاتس إلى وزارة الخارجية في ظل الحرب لم تترك أثراً يُذكر، مشيراً إلى أن خلفيته العسكرية تقتصر على الخدمة الإلزامية ودورة لضباط الصف بين عامي 1973 و1977م، حيث كان أعلى منصب شغله هو قيادة فصيل في كتيبة المظليين، ليصبح الآن وزيراً للحرب.
ويرى أبحيص أن هذه التغييرات تشير إلى أن نتنياهو يسعى للسيطرة المطلقة على المؤسسة الأمنية؛ فقد قام بتفكيك الحكومة الأمنية المصغرة وأزاح قيادات مثل غانتس، وأيزينكوت، متوقعاً أن يستكمل هذه السيطرة عبر استبدال رئيس الأركان وقائد جهاز «الشاباك»، لتحقيق حسم داخلي يعيد تشكيل بنية الدولة تحت مظلة الحسم العسكري الخارجي.
وأشار أبحيص إلى أن «إسرائيل» تخوض حالياً أطول وأشد حروبها عنفاً، ساعية إلى تحقيق حسم على الجبهتين الداخلية والخارجية، لكنها بفتح جبهات متعددة تزيد من خصومها، في رهانٍ يبدو خطيراً ومفتوحاً على احتمالات الفشل.
عمق الأزمة الداخلية
الكاتب والمحلل الفلسطيني ياسر الزعاترة وصف الأزمة الحالية في «إسرائيل» بأنها «زلزال سياسي»؛ وهو المصطلح الذي استخدمته صحيفة «إسرائيل اليوم» المقربة من نتنياهو؛ مما يعكس عمق الأزمة وبلوغها الذروة، كما أشارت صحيفة «معاريف».
وأوضح، في منشور له عبر حسابه على منصة «إكس»، أنه الخلاف المستعر بين هُراء النصر المُطلق لنتنياهو، بتعبير غالانت، وبين رأي الأخير بضرورة الذهاب إلى تسوية في قطاع غزة ولبنان، واستعادة الأسرى.
وأوضح أنه في حين يحدث ذلك خلال حرب وجودية، فهذا يعكس حجم التشتّت والخلافات بين قيادة الكيان السياسية وبين القيادة العسكرية والأمنية، وهو وضع لم يسبق له مثيل في تاريخه.
كما أشار الزعاترة إلى أن غرور القوة الذي يعشّش في عقل نتنياهو، وقبله وبعده هواجسه الشخصية بزعامة تاريخية ونسخ لعار 7 أكتوبر، لم تترك مجالاً لغير هذا المسار.
مضيفاً أن تعيين كاتس، المعروف بتطرفه، وزيراً للحرب، يعكس استعداد الكيان لتوسيع دائرة الحرب، في ظل اقتراب ردّ إيراني محتمل على العدوان الصهيوني الأخير، وفي ظل مطالب الاستسلام التي يعرضها نتنياهو على «حماس» و«حزب الله»، بل على إيران أيضاً.
ويختتم الزعاترة بالتأكيد على أن هذا التشتت والخلاف الداخلي في الكيان الصهيوني سيؤدي إلى مزيد من النزيف، خصوصاً أن الإدارة الأمريكية المقبلة، سواء بقيادة ترمب، أو هاريس، لن تكون طوع يد نتنياهو كما كانت إدارة بايدن.
رحل غالانت وبقيت «حماس»
وفي تعليقه على إقالة غالانت، صرح القيادي في حركة «حماس» سامي أبو زهري لوكالة «شهاب» الفلسطينية، قائلاً: نتنياهو أقال وزير جيشه يوآف غالانت الذي كان يتفاخر بالقضاء على «حماس»، واليوم نقول: رحل غالانت وبقيت «حماس».