مصاعب تواجه دعاة الخير.. ودعاة الشر.. معًا
أقوى سلاحين في يد الشباب لمواجهة التحديات:
1- فقه رسالة الإسلام، والجهاد من أجل إعلاء كلمة الله.
2- التسلح بالطاقة الخلقية أمام موجات الفساد والانحراف.
هذا هو العصر الجديد الذي تريدون أن تسألوني عما هي تحدياته؟ وما هو الطريق لمواجهتها؟
فقد ألقيت الأضواء بإيجاز على العديد من جوانبه ومناحيه لكي تدركوا جيدًا نوعية تحدياته ولتعلموا أيضًا أي نوع من الشباب يواجه أي نوع من التحديات.
تحديات العصر الحاضر بالنسبة لدعاة السوء
ضرب من الشباب يستقبلون برحبة الصدر كل لون من الإغراء والانحراف والأحابيل الشيطانية، ويندفعون وراء كل اللذائذ والمطامع والمغريات التي يحتوي عليها العصر الحاضر.
فتحدياته بالنسبة لهذا الضرب من الشباب: أيهم أكثر قدرة على ضرب الرقم القياسي في اتباع الضلال والزيغ والانحراف، وأيهم أوفر حظًّا لأن يصير أمام المفسدين بدلًا من أن يبقى مأموم المفسدين.
تحديات العصر الحاضر بالنسبة لدعاة الخير
ونمط آخر من الشباب لا يريدون الشر والسوء، بل يبتغون الخير والصلاح يؤمنون بالله ورسوله، ويؤمنون بالدين القيم، ويشعرون لكونهم مؤمنين مسلمين بأن حيوية الشباب التي أودعها الله فيهم يحاسبون عليها أمام الله.
فالعصر الحاضر يتحدى في صرخات تلو الصرخات هذا النمط من الشباب:
– من ذا الذي يقوم في وجه الضلال ويمنع انتشاره ويروج مكانه الهدى؟
– من ذا الذي يغير وجهة التقدم العلمي والتكنولوجي من دمار البشرية وهلاكها إلى سعادة البشرية وصلاحها؟
– من ذا الذي ينهض بالعقيدة الإسلامية ويهزم جميع تلك الفلسفات التي تحول الإنسان إلى الحيوان؟
– من هو الكيس الذي يجعل نهج الإسلام للحياة يتغلب ويسود بعد تنكيس المزدكية المعاصرة والاشتراكية الراهنة؟
– من هو البطل الذي يكسر مخالب حكم الظلم والاضطهاد إربًا إربًا ويقيم مكانه حكمًا ملؤه العدل والقسط؟
– ومن هو الموجه القدير الذي يبرز إلى مسرح الحياة وينقذ أبناء آدم من التردي في أسفل السافلين.
هذه هي التحديات التي يوجهها العصر الجديد نحو الشباب الذين آمنوا بالله ورسوله.
بماذا نواجه تلك التحديات؟
إذا عقدتم العزم على مواجهة تحديات العصر الحاضر التي أشرت إليها فلا مناص لكم من أمرين:
أولهما: أن تدركوا إدراكًا تامًّا الهداية التي أنزلها الله على رسوله صلى الله عليه وسلم، وأن تؤمنوا بها بصدق وإخلاص، ثم اجعلوا نصب حياتكم تغليبها على العالم؛ لتكون كلمة الله هي العليا وكلمات الكفر السفلى.
وثانيهما: أن تتسلحوا بطاقة خلقية ينهزم أمامها دعاة الضلال في نهاية المطاف ويرجع أتباعهم إلى الحق الذي هو الطريق المستقيم لفطرة الإنسان.
ودائمًا قلت: إن دعاة السوء والضلال إذا ملكوا خمسة وتسعين في المائة من الوسائل المادية، ودعاة الخير والحق لم يملكوا إلا خمسة في المائة منها فإن دعاة الحق والخير يقدرون على دحر دعاة السوء والضلال بفضل صدق عقيدتهم وقوة أخلاقهم.
بل أقول: ولو تبلغ تلك النسبة إلى واحد في المائة فإن الانتصار ليس إلا حليف دعاة الحق بإذن الله، وذلك بشرط أن يكونوا حائزين على أكبر قدر من القوة العقيدية والقوة الخلقية، وأن يكونوا مدججين بالسلاح الذي يفتح القلوب ويكسب الأذهان.
كيف قام الانقلاب الإسلامي في جزيرة العرب؟
لقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلب الشعب العربي بأسره ظهر المجن في مدة لا تتجاوز ثلاثًا وعشرين سنة فقط، أخضع البلد بكامله كانت مساحته لا تقل عن مليون وربع مليون ميلًا مربعًا.
أحدث في حياة الناس انقلابًا رائعًا أصبح بتأثيره قطاع الطرق أمناء أتقياء وأصبح الطواغيت قائمين بالقسط، وأصبح الذين لا يخافون الله يشفقون من خشيته، وأصبح الذين كانوا منارًا لآلام لخلق الله، دعاة رأفة بهم نتيجة أي شيء؛ كان هذا التحول العظيم يا ترى.
كان مرد كل ذلك إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم عرض على الناس دين الله القيم بدلائل كانت في القوة والإقناع والروعة حيث لم تستقم للباطل أمامها حجة ولم تستطع العصبيات الجاهلية أن تستقر في وجهها، واستحالت مقارعتها بأي مظهر من مظاهر العنت والعناد، والأنفة، والعنف، والقسوة.
الدلائل التي لم تخاطب قلبًا إلا أذابته ولم تفاتح ذهنًا إلا طوعته، إلى أن جاء اليوم الذي عَنَت له صلى الله عليه وسلم جباه ألد أعدائه وأعند خصومه، هذا في ناحية.
وفي الناحية الأخرى كانت تصرفاته صلى الله عليه وسلم في نزاهة وطهارة، وأخلاقه في كرم وشرف، وسلوكه في سمو ورفعة حيث كل من انجذب إليه ودخل في رحابه تحول من التراب ذهبًا إبريزًا، ومن الذرة شمسًا منيرًا وحقًّا إن هاتين القوتين -قوتا الإقناع وقوة الأخلاق- هما اللتان أخضع النبي صلى الله عليه وسلم بهما جزيرة العرب بكاملها، وأحدث في الحياة العربية آنذاك انقلابًا بلغ من الروعة تمته ومن العظمة منتهاها.
والجدير بالذكر أن كان دور السيف في هذا الانقلاب من الضآلة حيث إن كل الحروب والمعارك التي خاضها النبي صلى الله عليه وسلم لكسر شوكة القوى المعادية لم يبلغ عدد الذين استشهدوا فيها من المسلمين أو قتلوا فيها من المشركين والكفار بضع مئات من الناس وبحق نستطيع أن نطلق على هذا الانقلاب ثورة بيضاء أو ثورة غير دامية «Blood Less Revolution» ثم إن هذا الانقلاب قد حدث بشكل أن قوة الأعداء الحربية في الأعوام العشرين الأولى كانت أكبر من قوة النبي صلى الله عليه وسلم الحربية بدرجات كثيرة في العدة والعتاد.
كيف نستطيع أن نحدث نفس الانقلاب في العصر الحاضر؟
هل أنتم إلا ورثة نفس دعوة الحق الذي جاء به النبي صلى الله عليه وسلم، ولا يزال ذلك الحق باقيًا كما هو متمثلًا في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، في سنة النبي صلى الله عليه وسلم وهديه، في آثار أصحابه الكرام.
لم يمازجه شيء من الباطل، والدلائل التي عرض بها ذلك الحق في أول أمره هي كذلك موجودة بنفس النصاعة والقناعة وقوة التأثير، وكل ما في الأمر هو أن تدركوها إدراكًا جيدًا، ثم تقدموها إلى البشر بلغة يستطيع الإنسان العصري أن يفهمها.
ثم إن أي مادة تتعلمونها يجب أن تتضلعوا فيها تضلعًا قويًّا وتطيلوا فيها باعكم، وأن تستخدموا المواهب العقلية والذهنية التي حباكم الله بها في فرز الحقائق «Facts» من النظريات «Theories» لكي تروا:
كيف أن كل حقيقة تتكشف نتيجة أحدث الاكتشافات العلمية تؤكد الحقائق التي جاء بها الإسلام بدلائل أقوى وحجج أنصع. وهكذا إذا درستم العلوم الإنسانية «Humanities» أو العلوم الاجتماعية » «Social Science دراسة نقدية في ضوء الكتاب والسنة تتمكنون بها من الدلائل والبراهين ما تثبتون به أن توجيه الإسلام هو الصحيح والحق في كل شعبة من شعب الحياة البشرية وبقدر ما تتناولون بالبحث الواسع والتأمل العميق حضارة الغرب وثقافتها بنظرة مشبعة بالإسلام بقدر ما تسعفكم قوة الحجة والتدليل على إقناع كل ذي لب على أن أنماط الحياة البشرية التي أخذ بها الغرب خطأ وضلال وخراب وتباب، وإنما السلامة في أن يتبع الإنسان النهج الذي جاء به الإسلام.
وإذا كان دأبكم الاجتهاد والبحث يسهل عليكـم إعداد مخطط تفصيلي يعكس توجيه الإسلام لكل شعبة من شعب الحيلة، مخطط يجعل كل من رآه من أصحاب العقول السديدة يؤمن بأن نظام الإسلام للحياة هو الذي يعالج جميع المعضلات العصرية علاجًا أحسن وأنجح من أي نظام آخر.
وإذا اتخذتم هذا النمط من التبليغ والدعوة تدين لكم حتمًا أدمغة العالم، وتضطر الإنسانية إلى الاعتراف بأن ما تقدمونه هو الحق، وليس هناك من حق سواه وأن سعادة الإنسان وفلاحه ليس مصدرهما إلا هذا الحق نفسه.
حالة الغرب واليابان
الوضع الذي تعيش فيه اليوم أمريكا وأروبا هو أن الناس صاروا يتمردون على دينهم الذي ورثوه عن آبائهم، وحتى قادتها الدينيون أصبحوا لا يرتاحون إلى العقائد التي يتلقونها من كنيستهم ناهيك عن الجماهير، فصارت الكنائس تخرب، وتعرض الكنائس العاطلة للبيع، والمبشرون الذين يزاولون التبشير كمهنة لأجل الرزق والحفاظ على المنصب أصبح عدد لا يستهان به منهم يدخل مستشفى الأمراض العقلية؛ لأن التعليم الذي يقدمونه للناس لا يطمئن إليه ضميرهم أنفسهم ولا يقتنع به قلبهم أنفسهم، وهذا الصدام المستمر بين ضميرهم ومهنتهم يكاد يخل باتزانهم الذهني والمارقون عن دينهم اختاروا طريق الإلحاد والدهرية، وأرادوا أن يروحوا عن أنفسهم بالانغماس في الخمر والمجون ولكن هيهات أن ينالوا الطمأنينة.
ونرى الكثيرين منهم الآن قد شمروا عن ساق الجد لقلب حضارتهم ومجتمعهم رأسًا على عقب، لأن حضارتهم وإن وفرت لهم أسباب الترف وسبل الرخاء، ولكنها سلبتهم ثروة الطمأنينة القلبية، وفي وسط هذه الفوضى بدأ ذووا العقل منهم يدورون أنظارهم إلى كل جهة باحثين عن الحق، إلا أن الكراهية التي غرست في قلوبهم وأذهانهم من أيام الحروب الصليبية نحو الإسلام والقرآن ومحمد صلى الله عليه وسلم والشبهات التي روجت حول دين الله القويم لا تدعهم يتجهون إلى الإسلام إلا بصعوبة كبيرة وبعد الكثير من التردد والإحجام، وبعد أن يتيهوا زمنًا في كل واد وإن هذه العقبات إذا أزحناها عن الطريق بالحكمة والعلم والرزانة، وعرضنا عليهم الإسلام بالدليل والحجة نستطيع أن نكسب تلك الشعوب التي تحكم العالم اليوم، على غرار ما كسب الإسلام في بداية أمره الشعوب العربية ثم الشعوب الرومية والعجمية.
ونفس المنطق ينطبق على اليابان، إن الصنم الذي كان قائمًا عليه ذلك البلد الشرقي حطمته الحرب العالمية الثانية شذر مذر، ثم جاءت المسيحية تستنفد جهودها لجلبه إليها، ولكن المسيحية التي انهزمت في عقر دارها أنى لها أن تستميل قلوب اليابانيين؟
وكذلك المادية المحضة فهي ما دامت فشلت في إدخال الاطمئنان في قلوب الغرب لن تقدر أبدًا على تطمين أكثـر الشعوب الشرقية تقدمًا وهي اليابان أما نحن المسلمين فلا تواجهنا الصعوبات مع اليابان إذ إن الشعب الياباني لا يضمر حقدًا أو عصبية ضد الإسلام، ولذلك إقناع اليابان بالإسلام بقوة الدليل من السهولة بمكان، بشرط أن يتصدى هذا الأمر جماعة من عباد الله المخلصين مشمرين عن ساق الجد والاجتهاد.
إصلاح باكستان أولًا
هذا ما يخص البلدان الأخرى التي تستغيث أرضها غيث رحمة الإسلام بلسان حالها؛ ولكن أي جهد تبذلونه في تلك البلدان لا يكاد يثمر ما دام بلدكم أنتم الذي أنشئ على أساس الإسلام منغمسًا في ضلالات الحضارة الغربية وانحرافاتها الفكرية وويلاتها الخلقية، وتنتشر علنًا دعوة الانصراف من الاهتداء بهدي محمد صلى الله عليه وسلم إلى تبعية ماركس وماوتسي تونغ.
ولذلك يجب عليكم قبل كل شيء أن تبددوا هذه الضلالات والانحرافات تبديدا كليًّا، وتهزموها هزيمة نكراء في بلدكم، وأن تنكسوا بسلاح العلم والحجة كل من تسول له نفسه اتباع الباطل بصورة لا يستطيع أن يرفع رأسه ثانيًا ولو استطعتم كسب أذهان ذوي الرأي والفكر ما يقف في وجهكم طويلًا بعد ذلك أي عنصر من عناصر الشغب والفوضوية ولو استند، بدون ما حياء إلى أساليب الظلم والعدوان والاضطهاد.
الطريق إلى الانتصار
في هذا الصراع المستمر بين الحق والباطل لا بد لكم من أن تمارسوا قوة الأخلاق مضافًا إلى قوة المنطق احتذاء برسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الباب.
والمجتمع الذي تعيشون فيه تستخدم فيه أساليب السباب والفسوق والافتراء والكذب والخيانة والتضليل والغشم بكثرة لا يستطيع معها شخص غير ناضج أن ينهض رافعًا لواء الحق، وإذا نهض لا يدوم طويلًا، هذا الأمر يتطلب همة عالية ونفسًا طويلًا، وطبعًا كريمًا، وصبرًا لا ينفذ، وحلمًا لا يخون، وصدقًا يعرف اللين، وعزيمة لا تقهر، فلا تقابلوا- مثلًا- الشتم بمثله، ولا تردوا الكذب بمثله أبدًا، ولا تستعملوا سلاح المكـر والتضليل والخيانة لكسب المعركة، ولا تتخلوا أبدًا عن خصلة الكرم والنبل ضد خصمكم مهما تمادى في الغي وسوء التصرف معكم، ولا ينجحن طاغية لإخضاع رأسكم له مهما تناهى في العدوان والطغيان، ولا يقبلن ضميركم صفقة بيعه ولو عرضت عليه أموال طائلة، وتكون أخلاقكم في سمو، وسلوككم في نزاهة، وتصرفكم في استقامة وأمركم مع عباد الله في عطف، مما يجعل المجتمعات التي حولكم تنظر إليكم بنظرة التقدير والاستحسان، وتهش لكم احترامًا وإجلالًا، وتوليكم الثقة، وتدرك مدى ما يكون المسلم الصادق يتمتع بالإنسانية.
وفروا مرة هذه القوة الخلقية في أنفسكم تشهد لكم التجارب تلقائيًّا: كيف تتبدد شراسة القوى المناوئة؟ وكيف تذهب ريحها وتنكسر شوكتها؟ وكيف تطاوعكم القلوب والأذهان؟ وكيف يتسع نطاق انتصارات الحق اتساعًا مستمرًا؟
هاتان القوتان هما اللتان بفضلهما تتمكنون من مواجهة تحديات العصر الحاضر ببالغ النجاح والتوفيق في داخل البلاد وخارجها.
ولكن كما أشرت لكم آنفًا أن انتصاركم في البلاد الأخرى منوط إلى حد كبير بأن تجعلوا بلادكم أولًا دولة إسلامية بما لهذه الكلمة من معان؛ ولذلك القيام بالانقلاب الإسلامي في بلادنا له الأولوية والأفضلية على أي أمر آخر، ولا يتحقق هذا الانقلاب إلا بنفس القوتين المذكورتين أعلاه وإن كانت نسبتكم في البلاد تقل من الواحد في الألف من السكان؛ بل أقول: من الواحد في المائة ألف، وهكذا بالنسبة إلى الوسائل والإمكانيات المادية فمهما كانت إمكانيات المعارضين تفوق كل النسب لإمكانياتكم، لا يأخذن القلق إليكم سبيلًا، وكذلك لا تبالوا إن كان الخصم يملك أجهزة الإذاعة، ولا تقلقوا إن كان هو يستبد بأجهزة التلفاز، ولا تنزعجوا إن كان هو يسيطر على جميع وسائل الإعلام، ولا تجزعوا إن كان هو المتصرف الوحيد في ثروات البلاد كلها، ولا تيأسوا إن كان هو المتسلط على أبواب الرزق ولا داعي إلى التشاؤم إن كان قانونه والجيش جيشه والبوليس بوليسه والسجن سجنه ولا تهنوا ولا تحزنوا إن كان السكان كافة أصبحوا عاجزين أمامه منقادین به لأنه قضى على جميع الاحتمالات في تبديل نظام الحكم بطرق سلمية وبإرادة الشعب الحرة.
إني أيها الشباب، رغم كل ذلك أؤكد لكم أنكم تقدرون على هزيمته إذا قمتم مدججين بالسلاحين المذكورين أنفًا، السلاحين اللذين بهما فتح النبي صلى الله عليه وسلم جزيرة العرب كلها وحيدًا فريدًا وعبأ الأمة المسلمة بطاقة سادت بها البلاد في أكبر رقعة العالم من حدود الصين شرقًا إلى المغرب والأندلس غربًا. لم يكن هذا الانقلاب مصادفة وأنه يستحيل حدوث هذا النوع من المصادفات.
ثانيًا: بل يمكن تكراره في العصر الحاضر بنفس العوامل التي سببت حدوثه في الأمس الدابر.
ولا يعقل أن قد تبدلت النواميس الإلهية التي ساعدت النبي صلى الله عليه وسلم في إحراز الانتصار العظيم في القرن الأول من الإسلام، بل بقيت -ولا تزال- النواميس الإلهية تسير على سننها لن تجد لها تبديلًا ولا تحويلًا.
فالمؤثرات التي كانت نجمت عن العلم الصحيح والمنطق السليم في قديم الأزمان لا بد أن تنجم عنهما اليوم حتمًا.
وكذلك النتائج الطبيعية التي كانت تسفر عن الضلال وسوء التصرف في الماضي لا يمنع شيء من أن تسفر عنهما في الحاضر.. ولا عليكم إلا أن تواصلوا جهودكم وتبذلوا مهجكم في كسب الأذهان بسلاح الصبر والمصابرة وبقوة المنطق القاهرة، وفي كسب القلوب بخلق أرق من النسيم وأزكى من السحب في كبد السماء.
وحتمًا أن تظهر بعد ذلك النتائج المقصودة أمامكم وفق قانون العلة والمعلول والذين يعادونكم اليوم ويقاومونكم أعنف المقاومة ويضعون العراقيل في سبيلكم إما سيصبحون غدًا مؤيدين ومناصرين لكم وإما سيؤدي بهم سبيل الزمن إلى مكان سحيق.
والآلة التي تشتغل ضدكم كالمقاريض إما تشتغل بعدها في تأييدكم، وإما تفقد قوة نطقها وتعبيرها، والوسائل الإعلامية التي تكرس في نشر الكذب والفساد والمجون سوف تستقيم الأيدي التي تستخدمها وتأتي نفسها توجهها في إعلان كلمة الحق والجهر بالحسن من القول.
وسوف لا تحتاجون إلى إقامة الجامعات الشامخة والكليات الفخمة إذ إن الذي يحصل هو أن الآخرين يقيمون تلك الجامعات والكليات وأنتم بكسبكم المدرسين والمتعلمين فيها تستخدمون نفس الجامعات والكليات في تحقيق غايتكم.
وكذلك لا تمسكم الحاجة إلى توفير العلماء الجدد بل يأتيكم العلماء طائعين بعد أن تعيروا أذهانهم وتكسبوا قلوبهم لستم في حاجة إلى أعداد الأخصائيين والخبراء الجدد بل سوف ترون أن الاختصاصيين والخبراء الموجودين هم ينقادون إليكم ويشكلون ثروة إنسانية نافعة بفضل تبليغكم الصادق المتمثل في سلوككم النزيه ومنطقكم المستقيم.
وأخيرًا، ولا عليكم -يا أبنائي الأعزاء- إلا أن تضطلعوا بعلم -كسب الإنسان- الذي يعلمنا به كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم ويتبين من خلال سيرته أؤكد لكم بعد ذلك: أنه لا بد أن يحدث الانقلاب الإسلامي المنشود عاجلًا أو آجلًا.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين(1).
______________________
(1) منشور بالعدد (277)، 29 ذي القعدة 1395هـ/ 2 ديسمبر 1975م.