برزت في السنوات الأخيرة نزعة البحث عن الحلال، وهو مؤشر إيجابي على عودة التدين في صفوف مسلمي الغرب، على غرار الصحوة الإسلامية في العالم، وأول ما يحرص عليه المسلم أن يكون مطعمه حلالاً.
أمام هذا الإقبال المتزايد على الأكل الحلال، انتشرت ظاهرة المطاعم والمحلات الإسلامية الحلال، التي ظهرت في المدن الكبرى، وانتشرت تدريجياً في القرى حيث تكون الكثافة السكانية من المسلمين.
غير أن الإشكال أن البعض وظف هذه السوق المزدهرة للتجارة الرابحة دون مراعاة نوعية المواد المعروضة للبيع، من حيث صحة الذبح ومطابقته للشريعة الإسلامية، فترى كلمة حلال على أبواب جل المحلات التجارية في المناطق العربية الإسلامية وخارجها.
وإذا كان البعض يعي بوجود متطفلين على هذا المجال لأغراض ربحية صرفة، فإن النسبة الكبرى من المسلمين تميل إلى إعطاء الثقة العمياء لمن يرفع لافتة حلال، فيسقط في الفخ، في حين لا يكلف البعض الآخر نفسه جهداً في البحث عن محلات الحلال، انطلاقاً من قناعة بأن طعام أهل الكتاب حل للمسلمين، حتى وإن قيل له: إن التزام أهل الكتاب بشعائرهم الدينية في تراجع.
ولمزيد من فهم تعقيدات سوق الحلال في أوروبا، أجرت «المجتمع» الحوار التالي مع خالد بوشامة، رئيس مؤسسة «الأوروبية لخدمات الحلال» (halal– services)، وعضو سابق في لجنة الحلال، التابعة للمجلس الفرنسي للديانة المسلمة، من 2003 – 2011م، وعضو ممثل لدى منظمة أفنور لضبط المقاييس.
< في البداية، نود أن تعرفوا القارئ بمؤسسة «الأوروبية لخدمات الحلال»، التي تترأسونها، والإشارة إلى ظروف نشأتها وخصوصيتها في خضم سوق الحلال؟
– تأسست «الأوروبية لخدمات الحلال» عام 2008م، من طرف اتحاد المنظمات الإسلامية في فرنسا، لتقديم خدمات للمسلمين، تجاراً ولعامة الناس، في مجالي المراقبة والإشهاد في ملف الحلال، حيث نقوم بتبيان أهمية الحلال، وحث التجار المسلمين على التقيد بالضوابط والمعايير الشرعية للحلال، ومواصفات السلامة الصحية والجودة.
هذه المؤسسة تعمل في إطار جمعية عمومية، لها: مجلس إدارة، ومكتب من المتطوعين، ومكتب له جهاز خاص باللحوم الحلال، تحت إشراف طبيب بيطري، وجهاز خاص بالمواد الحلال المضافة إلى اللحوم، تحت إشراف طبيب متخصص في كيمياء الأغذية.
وللجمعية لجنة استشارية شرعية تتكون من الشيوخ: أحمد جاء بالله، وأنيس قرقاح، والعربي البشري، وتعتمد في مرجعيتها الفقهية على دار الفتوى بالاتحاد، والمجلس الأوروبي للبحوث والإفتاء، وتعتمد الجمعية كراس شروط فيما يتعلق بمقاييس الصحة وسلامة الحيوان، ومن بين الشروط أيضاً رفض التعامل مع أي شركة تتعاطى لحم الخنزير.
وللجمعية طاقم تقني متفرغ، يقوم على المراقبة العينية للمسالخ والمصانع في كل المراحل من الذبح إلى التعليب، مع اعتماد الذبح اليدوي والاستغناء عن الذبح بالطريقة الميكانيكية من دون تدويخ، ويتوزع المراقبون التابعون لجمعيتنا إلى 5 في أيرلندا، و6 في رومانيا، و4 في بولندا، يعملون في استقلالية تامة عن الشركات، ولدينا وسائل رقابة خاصة بنا، مثل الآلة الرقمية واللاصق الرسمي.
< وما تقييمكم العام لتطور تجارة الحلال في فرنسا خاصة وأوروبا بوجه عام؟
– تجارة الحلال في تطور مستمر في أوروبا، ويقدر الخبراء هذا التطور في هذا المجال بفرنسا من 10 – 15% سنوياً، ومن مؤشرات هذا التطور:
1- زيادة الطلب على الحلال من المستهلك المسلم بمعدل 5 أضعاف ما يستهلكه غير المسلم، متزامناً مع تزايد عدد المسلمين في فرنسا إلى 6 ملايين، وفي أوروبا إلى 38 مليوناً.
2- تزايد الشركات المهتمة بالحلال في العشرية الأخيرة، وبعضها غيّر من طبيعة نشاطه، وهناك مذابح كانت لا تسمع بالحلال، وتدريجياً أصبح بعضها يخصص نصف يوم ثم يوماً كاملاً للحلال، وهناك من يخصص كل أيام الأسبوع لنفس الغرض، بعد أن كان يركز إنتاجه على لحم الخنزير أو اللحوم غير الحلال.
3- الاهتمام المستمر بتصدير اللحم الحلال من أوروبا إلى العالم العربي الإسلامي، وارتفاع هذه الصادرات بما يدل على تطور تجارة الحلال.
4- الاهتمام الأوروبي، وتحديداً من طرف المفوضية الأوروبية، بمقاييس الحلال، حيث اقترحت النمسا عام 2009م اعتماد هذه المعايير في إطار منافسة آسيوية وأمريكية، وفي أكتوبر 2013م الجاري ستصبح تركيا العضو المشرف على النشاط الاقتصادي الأوروبي في موضوع الحلال.
5- كثرة المعارض المتعلقة بالفلاحة والأغذية، حيث يحتل الحلال حيزاً مهماً في كل المناقشات والمفاوضات، وتخصص له أجنحة في هذه المعارض، التي يزداد عددها سنوياً على المستوى الأوروبي.
ويقدر سوق الأغذية تجارة الحلال بـ20 مليار يورو سنوياً في أوروبا، منها 5 مليارات يورو في فرنسا وحدها، وبالنظر إلى ارتفاع الطلب على اللحم الحلال في فرنسا، فإن معظم دول شرق أوروبا تصدر لفرنسا اللحم، أما على مستوى أوروبا الغربية، فإن اللحم يصدّر من هولندا ويصنّع في بلجيكا ويباع في فرنسا.
<كيف تفسرون عدم وجود تنسيق على مستوى الأقليات المسلمة في ملف دقيق مثل الحلال؟
– في تقديري أن أسباب ذلك تتمثل في:
1- وجود خليط من الثقافات والمذاهب والتيارات داخل الأقليات المسلمة في أوروبا، بما يجعل من الصعب وضع معايير الحلال، وهناك من يلعب على وتر المذهبية لتعميق هوة الخلاف بين المسلمين.
2- عدم قدرة المؤسسات الإسلامية في أوروبا على الاتفاق حول شروط الحلال الشرعية، وعلى الشروط التطبيقية المتعلقة بشروط التصنيع والتعليب، في ظل وجود اختلاف بين آراء الفقهاء حول هذه الشروط.
3- الخضوع للربح التجاري، والنتيجة أن أكبر الشركات في فرنسا مثلاً لها ماركات (علامات تجارية) حلال، تابعة لها، وتعتمد مقياس للاقتصاد الوضعي في غياب مقاييس ومعايير مشتركة، خاصة ما يتعلق بالمعيار الشرعي، إذ إن وضع مثل هذه المعايير الموحدة مسألة إستراتيجية، لأن غير المسلمين يستثمرون اليوم في الحلال، وهناك اختلاف بين المسلمين أنفسهم بين من ينطلق من مبدأ «وطعام الذين أوتوا الكتاب حل لكم»، وبين من يدعو إلى مقاييس شرعية في كل أطوار الإنتاج.
وللعلم، فإن هناك واقعاً شبه مفروض دون أن يكون وراءه قانون ينظم مسألة اعتماد الذباحين في فرنسا، بحيث تعود صلاحية هذا الاعتماد حصرياً إلى ثلاثة مساجد تبحث عن مصالحها، وهي: مسجد باريس الكبير، ومسجد منطقة إيفري، ومسجد ليون.
< وكيف يمكن الاستفادة من ملف الحلال في الغرب لتطوير واقع المسلمين في هذه الديار؟
– الاستفادة تكون من عدة أوجه، وباعتبار أن الحلال موضوع يخص المسلمين، تكون الاستفادة عبر ضمان شفافية تامة في مراقبة مواد الحلال، في إطار مؤسسات للإشهاد والمراقبة، ليس لها نفع تجاري، حتى لا يكون همها النظر إلى مصالحها، والأفضل أن تكون مؤسسات وقفية على غرار مؤسستنا، وللمزيد من المعلومات عن المؤسسة يمكنكم مطالعة الرابط التالي: www.halal–services.fr.>
< ما نوعية العوائق التي تحول دون التثبت من نوعية الحلال؟ وهل هي ذاتية أم خارجية؟ وكيف يمكن معالجتها؟
– هناك عدد من العوائق، منها: القوانين الأوروبية: حيث الأصل في الذبح حسب القوانين الأوروبية أن يكون عن طريق تخدير الحيوان، ووتيرة الإنتاج: من خلال استعمال كل وسائل التخدير، ولو على حساب المعيار الشرعي، بحثاً عن زيادة العائد، وغياب المراقبة الفعلية: في كل مراحل الإنتاج بدءاً من العلف وانتهاء بالتعليب، مروراً بالذبح والتصنيع.
بالإضافة إلى محاولة إيجاد مقاييس للحلال تخضع لمبادئ التنافس التجاري على حساب المعيار الشرعي، والتغييب المقصود للجهات الإسلامية المعنية، في إعداد المشروع الأوروبي لمقاييس الحلال.
وفي تقديري أن الحل يكمن في تأكد الجهات الرسمية في العالم الإسلامي بالتعاون مع جهات رسمية إسلامية للمراقبة والإشهاد في أوروبا من شروط الحلال الشرعي، عند استقبالها للمواد المصدرة من أوروبا (أكثر من 80% من صادراتها من الحلال)، فضلاً عن الدور الذي يجب أن يقوم به المستهلك المسلم، بالتحري، وذلك عن طريق مؤسسات إسلامية ذات مصداقية.
أيضاً هناك دور على الجمعيات الأهلية للدفاع عن المستهلك، والتي بدأت تظهر في العالم الإسلامي، وهو توجه إيجابي، ولكن يجب عدم التوقف عند المسائل التقنية بل المطلوب أيضاً التحري في المسائل الشرعية، فضلاً عن دور المؤسسات الإسلامية في العالم الإسلامي، مثل وزارات الأوقاف، إلى جانب الدعاة والعلماء في التركيز على مسألة الشروط الشرعية.