مجموعة المثقفين التي تتصدر المشهد الثقافي وتُستفتى في الأحداث العامة؛ تتمتع بذكاء كبير، ولكن هذا الذكاء يخذلها حين تتنكر لإرادة الشعوب العربية وتطلعاتها المشروعة، وتصطف إلى جانب الطغاة القتلة، وتسعى في أفضل الأحوال إلى تمييع المواقف والقضايا من أجل م
مجموعة المثقفين التي تتصدر المشهد الثقافي وتُستفتى في الأحداث العامة؛ تتمتع بذكاء كبير، ولكن هذا الذكاء يخذلها حين تتنكر لإرادة الشعوب العربية وتطلعاتها المشروعة، وتصطف إلى جانب الطغاة القتلة، وتسعى في أفضل الأحوال إلى تمييع المواقف والقضايا من أجل مصالحها الحرام لدى الطبقة الحاكمة.
في أثناء انتخابات الدم الرئاسية، كان المتوقع وفق مزاعمهم أن يكون هناك إقبال منقطع النظيرعلى لجان التصويت مثلما حدث في انتخاب الرئيس الشرعي المختطف “محمد مرسي” – فك الله أسره – ولكن جاءت الرياح بما لا يشتهي السّفِن، وذهب من الملايين الثلاثة والثلاثين الذين قيل: إنهم خرجوا في 30 يونيو الماضي لإسقاط الرئيس “مرسي” أقل من ثلاثة ملايين في يومين مع تمديد فترة التصويت. صحف الانقلاب وأبواقه الإعلامية حاولت أن تقنع العالم الذي ينظر ويرى ويتابع أن الملايين تدفقت بكثافة شديدة على اللجان أو تسوغ قلة الإقبال بحجج واهية، الإعلام الانقلابي المأجور له عذره؛ لأنه يخدم البيادة ويتعبد في محراب الحكم العسكري الفاشي، ولكن ما عذر المثقفين الذين يتصدرون المشهد الثقافي ويفترض أنهم يمثلون خلاصة المجتمع في الفكر والوعي حين ينضمون إلى قبيلة المدافعين عن انتخابات الرئاسة الانقلابية الدامية؟ ما عذر هؤلاء الذين يفترض أنهم يقفون إلى جانب الديمقراطية ويدافعون عنها ويقاومون الحكم العسكري الفاشي وينحازون إلى الحرية والكرامة الإنسانية وحق الشعب في التعبير عن إرادته الحقيقية وحمايتها؟ طالع ما يقوله بعضهم في استفتاء صحفي عن الانتخابات غير المشروعة التي أجراها الانقلاب:
قال أحدهم: المشاركة في الانتخابات الرئاسية دليل التحضر، ولابد أن يتوجه كل مصري ومصرية إلى صناديق الاقتراع وساحات الانتخاب من أجل ممارسة العرس الديمقراطي! وقال آخر: المشاركة في الانتخابات واجب وطني لاستعادة مصر المخطوفة! وقال ثالث: عدم المشاركة في الانتخابات سيؤدي لعواقب وخيمة، وقال رابع: الإقبال على الانتخابات أعظم مكتسبات ثورة 25 يناير! وقال أستاذ أدب شعبي: الإقبال على الانتخابات دليل على أن مصر تتغير للأفضل، وقال سادس: إقبال المصريين على الانتخابات إعادة بعث للروح الوطنية، وعبّرت سابعة: مصر تعيش فرحاً تاريخياً بمشاركة أبنائها في الانتخابات، وادعى وزير انقلابي أنه ذهب صباحاً إلى مدرسة أمير الشعراء في مدينة نصر، من أجل التصويت في انتخابات الرئاسة، إلا أن الإقبال الشديد على اللجنة الانتخابية أعاقه ومنعه من الإدلاء بصوته اليوم! وكتب صحفي شيوعي: الشعب الفرحان تحت الراية المنصورة!
أما ما قاله إعلامي ناصري شهير حول الانتخابات وقلة الإقبال عليها ورؤيته لموقف الشعب الرافض للانقلاب، فيطرح كثيراً من الدلالات حول من يدّعون الدفاع عن حرية الشعوب العربية، وفي الوقت نفسه يدعون إلى استخدام السلاح في قهر رافضي الانقلاب، اقرأ ما أدلى به الإعلامي المثقف بعد أن صوّت لصالح قائد الانقلاب العسكري، وباع صديقه الناصري “حمدين صباحي”: إن الإقبال على التصويت في الانتخابات الرئاسية غير مُرض، والإعلام أوحى للناس أن المعركة محسومة؛ مما أدى إلى عزوفهم عن المشاركة في الانتخابات! وزعم المذكور أن الإرهاب الذي تواجهه مصر إرهاب مسلح(!!)، ويجب مواجهته بالسلاح (!!)، وبعد ذلك تأتي مواجهته بالفكر والثقافة.
وأكد الناصري الشهير الذي خان صديقه أهمية وجود معارضة قوية (!!) تجعل الحياة السياسية فعالة، وتجعل الحاكم مقيد الصلاحية ويضع شعبه في اعتباره (!!).
طبعا فإن حضرة الإعلامي الناصري الشهير يتجاهل أن العسكر لا يؤمنون بالمعارضة القوية أو الضعيفة، ولا يعرفون إلا الحكم المطلق، ولا يضعون الشعب في حسبانهم أبداً إلا إذا أرادوه مصفقاً وهاتفاً بـ”الروح بالدم”، وهو يعلم ذلك جيداً مذ كان بوقاً للطاغية الانقلابي الأرحل؛ خالد العار والهزائم، وأظن أن صاحبنا حين يدعو لاستخدام السلاح ضد معارضي الانقلاب، فهو يعبر عن انحطاط فكري مجرم لا يليق بمثقف خدع الناس طويلاً بحديثه عن الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية!
هل يختلف الأمر في مصر عن البلاد العربية؟
ها هو الشاعر السوري النصيري الكبير أدونيس، يطالب المعارضة السورية بالاعتذار عما تم ارتكابه في سورية من عنف باسم الثورة (!!)، مؤكداً ضرورة إصدار المعارضة السورية بياناً تندد فيه بتدخل الإسلاميين (!!) في سورية باسم الثورة وإسقاط النظام.
وزعم الأستاذ أدونيس، أن المعارضة لم تقم بإدانة كل الأعمال الوحشية التى ارتكبت باسم الثورة سواء في سورية أو مصر أو تونس أو العراق، ثم طالب أدونيس المعارضة السورية بإدانة ما أسماه بــ”المؤامرة” الإسلامية لا أن تتحالف معها، وأن تعارضها مثلما تعارض النظام بخطاب اجتماعي فكري على سبيل المعارضة الأصلية التي ترفض العنف والتدخل الأجنبي.
وقال “أدونيس”: أنا لا أنتمي للمعارضة التي تسمح بالعنف والتدخل الأجنبي وتتحالف مع الإسلاميين لإسقاط النظام في سورية، وهي المعارضة التي يمكن أن أطلق عليها “المعارضة الأمريكية”.
ورأى “أدونيس” أن المعارضة في سورية لا تمتلك مشروعاً ثقافياً واجتماعياً شاملاً، ولا تهدف إلا لإسقاط النظام، موضحاً أن العرب على مدى نصف قرن لم يقوموا إلا بتغيير الأنظمة، ولم يفهموا بعد أن تغيير النظام جزء من الثورة وجزء من مشروع شامل سياسي وثقافي واجتماعي لتغيير المجتمع من مجتمع رجعي مليء بالتخلف والفقر إلى مجتمع تقدمي حديث!!
الأستاذ “أدونيس” يدلس علينا نحن العرب والمسلمين، ويطالب الضحية أن تعتذر للجلاد، وتندد بتدخل الإسلاميين والمؤامرة الإسلامية! “أدونيس” ظل طوال عمره ينتقد الإسلام في “الثابت والمتحول”، ويرى أنه دين “إستاتيكي” وليس ثورياً، ولم يمتدح غير ثورة القرامطة الدموية وثورة الزنج، كما امتدح الملاحدة والزنادقة والمؤمنين بالحلول ووحدة الوجود بوصفهم ثواراً! اليوم يطالب “أدونيس” من الثوار الذين يدفعون عن أنفسهم مذابح النظام وبراميله المتفجرة وصواريخه المتطورة وطائراته المقاتلة ودباباته المدمرة، ببرنامج ومشروع سياسي وثقافي واجتماعي، وهم تحت السكين يحاولون الإفلات من الموت!
متى يقول “أدونيس” لـ”بشار” ابن صديقيه “حافظ الأسد” و”أنيسة مخلوف”: كفّ عن قتل شعبك وتصالح معه واتركه يحيا مثل بقية الشعوب؟ “أدونيس” لا يقل تدليساً عن مثقفي الحظيرة في قاهرة المعز، ويا ويل العرب من المثقفين السماسرة المدلسين المزوّرين أعوان الطغيان والانقلاب!