شاء الله عز وجل بحكمته أن يعلو مسيلمة علواً كاذباً لبعض الوقت، حتى إذا جاء أمر الله تعالى كشفه للجميع
كان من الممكن أن يُسقط الله مسيلمة الكذاب في بداية ظهوره, وألا يموت الكثير من الصحابة وحفظة القرآن في الحرب ضده، وربما لو حدث ذلك في أول الأمر لأرَّخ كثير من المرجفين ومن في قلوبهم مرض أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قد قتل نبياً آخر معه ينازعه الأمر! لكن شاء الله عز وجل بحكمته أن يعلو مسيلمة علواً كاذباً لبعض الوقت، حتى إذا جاء أمر الله تعالى كشفه للجميع، وأظهر كذبه ودجله لكل الناس، حتى لأتباعه, فهتف من كانوا يلقبونه بالنبي: “إنه كذاب.. إنه كذاب”، فلقِّب حتى وقتنا هذا بـ”مسيلمة الكذاب”.
وكذلك شاء الله تعالى أن يجعل مسيلمة فتنة لمن في قلوبهم مرض؛ فينكشف ضعف إيمانهم وخور نفوسهم, ودناءة طبعهم؛ (لِيَمِيزَ اللّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ وَيَجْعَلَ الْخَبِيثَ بَعْضَهُ عَلَىَ بَعْضٍ فَيَرْكُمَهُ جَمِيعاً فَيَجْعَلَهُ فِي جَهَنَّمَ أُوْلَـئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ {37}) (الأنفال).
ألا فلتعلموا أن الأمور تجري عند الله بمقادير، وأن سُنة الله في كونه ماضية, وأن الله حين يعلي ظالماً إنما يبشع به الظلم عند أكبر قدر من الناس لبعض الوقت, ثم يأخذه أخذ عزيز مقتدر، فلا تحسبن بارتفاع طاغية أنه قد وصل العلا، أو أنه قد حاز الرضا الإلهي, بل إنما أراد الله أن يسقطه من أعلى نقطة ليجعله عبرة للناس, أو كما قيل: “كلما كان الصعود عالياً؛ كان السقوط مدوياً ومرعباً ويُحدث أثراً في النفوس، وكذلك كلما كان الصعود سريعاً؛ كان السقوط قريباً ومفاجئاً”.
فثقوا في الله سبحانه وجددوا نواياكم، وأدوا ما عليكم، وما يضير أهل الحق أن تمسهم الشدائد، وأن يلاقوا في سبيله المحن صابرين حتى يتنزل عليهم نصر الله أو يلاقوه.
(وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلاَّ بِاللّهِ وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ وَلاَ تَكُ فِي ضَيْقٍ مِّمَّا يَمْكُرُونَ {127} إِنَّ اللّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَواْ وَّالَّذِينَ هُم مُّحْسِنُونَ {128}) (النحل).