تتمثل أركان عقد التجارة مع الله سبحانه وتعالى في الآتي
معنى التجارة الرابحة مع الله:
هي التي يتقرب بها المسلم إلى الله سبحانه وتعالى بالعبادات الخالصة وبالمعاملات الشرعية؛ لتحقق إرضائه سبحانه وتعالى، ويسعد بالحياة الطيبة في الدنيا، والفوز بالجنة في الآخرة.
سأل صحابيٌّ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم: ما أفضل التجارة مع الله؟ فنزل قوله عز وجل: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى تِجَارَةٍ تُنجِيكُم مِّنْ عَذَابٍ أَلِيمٍ {10} تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَتُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ {11} يَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَيُدْخِلْكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَمَسَاكِنَ طَيِّبَةً فِي جَنَّاتِ عَدْنٍ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {12} وَأُخْرَى تُحِبُّونَهَا نَصْرٌ مِّنَ اللَّهِ وَفَتْحٌ قَرِيبٌ وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ {13} 13) (الصف).
ولقد ورد في تفسير هذه الآية الكريمة، كما ورد في تفسير “في ظلال القرآن”: “حساب التجارة الرابحة مع الله، إنه لربح ضخم هائل أن يعطي المؤمن الدنيا ويأخذ الآخرة، فالذي يتجر بالدهم فيكسب عشرة يغبطه كل من في السوق، فكيف بمن يتجر في أيام قليلة معدودة في هذه الأرض، ومتاع محدود في هذه الحياة الدنيا, فيكسب به خلوداً لا يعلم له نهاية إلا ما شاء الله ومتاعاً غير مقطوع ولا ممنوع؟ وذروة الربح هو المغفرة والجنات والمساكن الطيبة والنعيم المقيم في الآخرة وفوقها فوق البيعة الرابحة والصفقة الكاسبة النصر والفتح المبين”.
أركان عقد التجارة مع الله:
تتمثل أركان عقد التجارة مع الله سبحانه وتعالى في الآتي: – الطرف الأول هو الله سبحانه وتعالى المرجو رضاه ورضوانه.
– الطرف الثاني هو العبد الذي يبتغى مرضاه الله.
– موضوع العقد: العبادات والمعاملات ونحو ذلك من الأعمال الصالحات.
– عائد العقد: الحياة الطيبة في الدنيا والخلود في الجنة في الآخرة.
ودليل هذا العقد قول الله تبارك وتعالى: (إِنَّ اللّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُم بِأَنَّ لَهُمُ الجَنَّةَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللّهِ فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ وَعْداً عَلَيْهِ حَقّاً فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنجِيلِ وَالْقُرْآنِ وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللّهِ فَاسْتَبْشِرُواْ بِبَيْعِكُمُ الَّذِي بَايَعْتُم بِهِ وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ {111})( التوبة).
من صور التجارة مع الله في رمضان:
يقول الله تبارك وتعالى: (إِنَّ الَّذِينَ يَتْلُونَ كِتَابَ اللَّهِ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَنفَقُوا مِمَّا رَزَقْنَاهُمْ سِرّاً وَعَلَانِيَةً يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ {29})( فاطر).
من هذه الآية الكريمة نجد أن من صور التجارة الرابحة مع الله بصفة عامة سواء في رمضان أو في غير رمضان ما يلي:
1- تلاوة القرآن الكريم: يجب على كل مسلم أن يكون له ورد يومي قرآني, تلاوة وتدبراً وسلوكاً بين الناس، حتى يكون قرآنياً قولاً وعملاً، يربط بين الإيمان والعمل، ولاسيما في رمضان حيث تضاعف الحسنات.
2- إقام الصلاة: يجب على المسلم أن يواظب على الصلوات في مواقيتها بخشوع وتدبر، ولاسيما في رمضان مثل صلاة القيام والتهجد ونحو ذلك، بهدف تحقيق الصلة مع الله.
3- الإنفاق سراً: ويقصد بذلك الصــدقة التطوعية، ولاسيما في شهر رمضان شهر الجود والعطاء متأسياً برسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أجود الناس ولاسيما في رمضان، كان أجود من الريح المرسلة.
4- الإنفاق علانية: ويقصد بذلك زكاة المال وهي فريضة وصدقة الفطر وهي واجبة.
5- النفقات المشروعة الأخرى: ومنها على سبيل المثال: النذور والفدية والكفارات والوصايا المالية والصدقة التطوعية والجارية، وهذه من الحقوق المالية المشروعة ولاسيما في شهر رمضان الكريم حيث يستحب فيه صلة الأرحام وأولي القربى والتكافل الاجتماعي بين الناس جميعاً.
صور أخرى من التجارة مع الله في رمضان:
رمضان شهر كله خير، شهر التنافس بين التجار مع الله لتحقيق أقصى ربحية ممكنة، ومن بين مجالات التنافس ما يلي:
– إفطار الصائمين ابتغاء وجه الله سبحانه وتعالى.
– توزيع الطعام على الفقراء، وهذا ما يطلق عليه حقيبة رمضان.
– صلة الأرحام معنوياً ومالياً.
– إيتاء ذوي القربى حقوقهم المشروعة.
– توزيع الهدايا لإدخال الفرحة على الأولاد والأقارب ونحوهم.
– الإصلاح بين الناس بالمعروف.
– التعاون على البر والتقوى.
– كفالة اليتامى ورعايتهم.
– السعي في قضاء مصالح الناس.
– إقالة عثرة المتعثرين مالياً.
– مشاركة المسلمين في مناسباتهم.
– أي عمل صالح وخالص ابتغاء مرضات الله عز وجل.
فالمتاجر مع الله والمتنافس في الخيرات في هذا الشهر هو الرابح إيماناً ويقيناً حياة طيبة رغدة آمنة في الحياة الدنيا والخلود الدائم في الجنة في الآخرة.
من أرباح التجارة مع الله في رمضان:
التجارة الخالصة مع الله بصفة عامة وفي رمضان بصفة خاصة تجارة رابحة مصداقـاً لقوله سبحانه وتعالى: (يَرْجُونَ تِجَارَةً لَّن تَبُورَ {29}).
ومن هذه الأرباح ما يلي:
– ربح التقوى: وأصل ذلك قول الله تبارك وتعالى: “لعلكم تتقون”.
– ربح زيادة الإيمان: وأصل ذلك قول الله سبحانه وتعالى: “ليزدادوا إيماناً مع إيمانهم”.
– ربح غفران الذنوب: وأصل ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “من صام رمضان إيماناً واحتساباً غفر له ما تقدم من ذنبه”.
– ربح مضاعفة الحسنات إلى سبعمائة ضعف: وأصل ذلك قول الله عز وجل: “والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم”.
– ربح تطهير القلوب وإصلاح النفوس: فالصوم تربية روحية وأخلاقية وسلوكية، وأصل ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “الصوم جُنة”.
– ربح العفو من الله: فمن الدعاء المأثور في ليلة القدر كما ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: “اللهم إنك عفو كريم تحب العفو فاعف عني”.
– ربح قبول الدعاء: وأصل ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “للصائم عند فطره دعوة لا ترد”.
– ربح شفاعة القرآن والصيام: وأصل ذلك حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم: “القرآن والصيام يشفعان للعبد يوم القيامة..”.
– ربح دخول الجنة: وأصل ذلك قول الرسول صلى الله عليه وسلم: “في الجنة باب يقال له الريان لا يدخله إلا الصائمون”.
ربحتم أيها الصائمون إيماناً واحتساباً لوجه الله، ربحت تجارتكم مع الله.
(*) الأستاذ بجامعة الأزهر – خبير استشاري في المعاملات المالية الشرعية