المقاومة أحدثت توازناً إستراتيجياً في القدرة على الردع المتبادل
«إسرائيل» وأطراف إقليمية تحاول أن تنتزع بالسياسة ما عجزت عن انتزاعه بالحرب
الصهاينة واجهوا مقاومة نوعية كبَّدتهم خسائر بشرية واقتصادية ومعنوية جسيمة
المقاومة أفشلت جميع أهداف العدو: نزع السلاح.. تدمير الصواريخ.. تدمير الأنفاق
المقاومة أحدثت توازناً إستراتيجياً في القدرة على الردع المتبادل
أعادت الاعتبار لثقافة المقاومة التي كادت تندثر بفعل الإحباط والتشويه الممنهج
أكد عضو المكتب السياسي لحركة «حماس» محمد نزال، أن أداء المقاومة الفلسطينية بقيادة «كتائب عز الدين القسام» كان مشرّفاً ومتقدماً على المستويين العسكري والأمني.
وقال في حوار خاص لـ«المجتمع»: إن سلاح المقاومة ليس خاضعاً للمساومة ولا للمفاوضات، هذا خط أحمر، لا يمكن لأحد الاقتراب منه.
وكشف نزال عن أن «إسرائيل» وأطرافاً إقليمية أرادت أن تنتزع بالسياسة ما عجزت عن انتزاعه بالحرب، وأن المقاومة لن تمكنهم من ذلك وتتمسك بشروطها التي هي حقوق للشعب الفلسطيني من فك كامل للحصار، ووقف كامل للعدوان المتكرر، وتمتع المواطنين بغزة بحياة طبيعية، وهذا نص الحوار:
*بعد أربعين يوماً من العدوان الصهيوني على قطاع غزة، كيف تقيّمون أداء المقاومة الفلسطينية في صد هذا العدوان؟ وما حققته من إنجازات؟
– بموضوعية، كان أداء المقاومة الفلسطينية بقيادة «كتائب الشهيد عز الدين القسام» مشرّفاً ومتقدماً على المستويين العسكري والأمني، حيث واجه «الإسرائيليون» مقاومةً نوعيةً، كبَّدتهم خسائر بشرية واقتصادية ومعنوية جسيمة، دفعتهم لاستغلال فرصة بدء المفاوضات غير المباشرة في القاهرة، وسريان «التهدئة» الإنسانية، للانسحاب من قطاع غزة، عائدين إلى مواقعهم، يجرّون أذيال الخيبة، ليتحقق قول الله سبحانه وتعالى فيهم: {وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا} (الأحزاب:25).
إنجازات واضحة
* ولكن هل يمكن تحديد ما حققته المقاومة من إنجازات واضحة؟
– على مدى شهر من المعركة، يمكن تحديد أهم الإنجازات التي حققتها المقاومة على النحو الآتي:
1- أفشلت جميع الأهداف التي أعلن عنها العدو الصهيوني، فلا هو تمكّن من نزع سلاح المقاومة، ولا تدمير الصواريخ ومنصّاتها، ولا تدمير الأنفاق العسكرية.
2- في المقابل، تكبّد «الإسرائيليون» خسائر جسيمة في الأرواح، فقد قُتل وجرح المئات من الضباط والجنود «الإسرائيليين»، كما تكبَّدوا خسائر اقتصادية بالمليارات، فضلاً عن الخسائر المعنوية الهائلة في أوساط المجتمع «الإسرائيلي».
3- إعادة الاعتبار لـ«ثقافة المقاومة»، التي كادت تندثر، بفعل حالة الإحباط التي سادت مؤخراً من جهة، وبفعل «التشويه» الممنهج والمنظم ضدها، فجاءت هذه المعركة لتعيد الاعتبار لهذه الثقافة، وأن المقاومة يمكن أن تحقق نتائج عملية ومهمة لمصلحة القضية الفلسطينية.
4- أعادت الثقة بقدرة المقاومة على الإبداع والتطوير، فالصواريخ التي وصفت من قِبل الكثيرين مرات عديدة، بأنها «تنك»، و«مواسير»، و«مفرقعات»، أرعبت «الإسرائيليين» ودكت معاقلهم، ووصلت إلى حيفا وما بعد حيفا، وإلى تل الربيع (تل أبيب عند الصهاينة).
5- أحدثت المقاومة توازناً إستراتيجياً في القدرة على الردع المتبادل، فإذا كان العدو قادراً على إيلامنا، فنحن قادرون على إيلامه، فالعين بالعين والسن بالسن، والقاعدة هي الآية القرآنية: {إن تّكٍونٍوا تّأًلّمٍونّ فّإنَّهٍمً يّأًلّمٍونّ كّّمّا تّأًلّمٍونّ $ّتّرًجٍونّ مٌنّ پلَّهٌ مّا لا يّرًجٍونّ} (النساء:104).
6- رفعت المقاومة الروح المعنوية لدى الرأي العام الفلسطيني والعربي والإسلامي، وأحدثت تحولاً مهماً في مواقفه نحو التفاعل مع القضية الفلسطينية بصورة غير مسبوقة.
7- أعادت المقاومة ترتيب الأولويات، وتوجيه البوصلة نحو القضية الفلسطينية، باعتبارها «أم القضايا» و«أم المعارك»، حيث وضعتها في صدارة المشهد السياسي والإعلامي، بعد أن غابت عنه خلال الأعوام الثلاثة الأخيرة.
تلك غيض من فيض الإنجازات التي تحققت، وبرأيي.. إنه يمكن لإنجازات أخرى أن تتحقق إذا تمخّضت المفاوضات غير المباشرة التي تجري في القاهرة عن نتائج إيجابية لمصلحة القضية الفلسطينية والشعب الفلسطيني.
سقف زمني
* هذا يقودنا إلى مفاوضات القاهرة التي فشلت في هذه المرحلة.. ماذا تتوقعون؟
– نحن معنيون بالسعي لانتزاع حقوق شعبنا في قطاع غزة بالحياة الكريمة، وكسر الحصار المفروض عليه، وستستمر محاولاتنا لتحقيق ذلك، فإن لم يستجب العدو لمطالبنا، فإن خياراتنا في العودة لميدان المعركة قائمة، وسنشن حرب استنزاف طويلة الأمد، حتى يخضع العدو لشروطنا.
* هناك من يشير إلى أن انعقاد المفاوضات في القاهرة، يمثل نقطة ضعف كبيرة للمقاومة؛ لأن هناك انحيازاً واضحاً من قبل النظام المصري الحالي لمصلحة «الإسرائيليين»، وأن هذا النظام لا يقبل بانتصار سياسي للمقاومة، فما رأيكم؟
– المقاومة تستند في مفاوضاتها إلى قوة ميدانية وعسكرية، أثبتت فعاليتها ووجودها، وبغض النظر عن موقف النظام المصري، أو أي نظام آخر، فالمقاومة تمتلك قرارها وخيارها، ولا يمكن لأي جهة أن تملي عليها قرارها أياً كانت هذه الجهة، وفيما يتعلق بالمكان، فهناك واقع جغرافي، وتاريخي، وسياسي، لا يمكن القفز عنه، ونتعامل معه بواقعية، ولكن ليس على حساب الشعب الفلسطيني وقضيته العادلة.
شروط المقاومة
* هل من الممكن تلخيص الشروط التي حددتها المقاومة الفلسطينية للتوقيع على هدنة طويلة؟
– جوهرها هو كسر الحصار عن الشعب الفلسطيني، الذي يتلخص في: فتح معبر رفح، فتح المعابر الأخرى على الجانب «الإسرائيلي»، فتح المطار، فتح ميناء بحري، توسيع رقعة الصيد البحري، إضافة لمطالب أخرى تتعلق بإعادة الإعمار، وإطلاق سراح أسرى فلسطينيين.
* ألا ترى أن هذه الشروط ذات سقف عالٍ، ولا يقبل بها «الإسرائيليون»؟
– هذه شروط عادية وطبيعية، بل هي حقوق وليست شروطاً، كفلتها القوانين الدولية، فلا يجوز محاصرة شعب، ومنع الغذاء والدواء عنه، كما لا يجوز حرمانه من التعليم والعلاج الطبي والتنقل، وما أشير إليه من مطالب يكفل تحقيق ما أشرنا له.
* ولكن «الإسرائيليين» يشترطون لفتح المطار والميناء البحري نزع سلاح المقاومة، فهل تقبلون بهذه المقايضة؟
– سلاح المقاومة ليس خاضعاً للمساومة ولا للمفاوضات، هذا خط أحمر، لا يمكن لأحد الاقتراب منه، وبالتالي فمبدأ طرحه على طاولة المفاوضات مرفوض بشدة.
معركة سياسية
* هذا يعني أن المفاوضات لو عادت ستصل إلى طريق مسدود، في ظل تمسّككم بمطالبكم وشروطكم، وتعنّت «الإسرائيليين»، وانحياز النظام المصري.. فماذا أنتم فاعلون؟
– هذه المفاوضات، هي معركة سياسية، ليست سهلة، علينا أن نخوضها بكفاءة، تماثل كفاءة المقاتلين في الميدان، فمثلما حققت المقاومة الفلسطينية إنجازات ونجاحات واضحة في الميدان العسكري والأمني، على قياداتها السياسية أن تحقق ذلك في ميدانها السياسي، فالمقاومة العسكرية تزرع، والمقاومة السياسية تحصد.
* ولكن هناك مخاوف أن تدفع الحسابات والتوازنات والمعادلات السياسية المفاوضين إلى حصاد هزيل لا يتناسب مع حجم التضحيات والبطولات التي قدمتها المقاومة الفلسطينية.. فما رأيكم؟
– المخاوف مشروعة، فحجم الضغوط على المفاوض الفلسطيني كبيرة، وهناك مؤامرة دبرت بليل بين «الإسرائيليين» وأطراف إقليمية، تريد أن تنتزع بالسياسة ما عجزت عن انتزاعه بالحرب، ولكن القيادات السياسية للمقاومة حالياً على درجة كبيرة من الوعي والإدراك، ولدينا تجارب مريرة خاضها مَنْ قبلنا من فلسطينيين وعرب، فتجرعوا مرارة الهزيمة السياسية، وقدموا تنازلات كبيرة؛ لذا لن يتكرر ذلك بإذن الله، وسيرى «الإسرائيليون» مفاوضاً فلسطينياً لم يروه من قبل، مستعينين بالله سبحانه وتعالى من قبل ومن بعد، ومستندين إلى إرادة صلبة، وبيئة شعبية حاضنة للمقاومة، مساندة لها.
* هناك مطالب بأن تتوجه المقاومة إلى المسار القضائي والقانوني، بمحاكمة القيادات «الإسرائيلية» بتهمة ارتكاب جرائم حرب.. هل هناك خطوات عملية بهذا الخصوص؟
– هذا مسار مهم، وسنسلكه إن شاء الله، ويتم حالياً دراسة الجوانب القانونية فيه، فنحن لن نتوانى عن التعامل مع كل المسارات التي تحاصر الكيان الصهيوني، وتهزمه شر هزيمة في كل الميادين السياسية، والإعلامية، والقضائية، والعسكرية.