رأفت مرة
خطت الدول الأوروبية خطوة سياسية مهمة من خلال الزيارة التي قام بها وزير الخارجية الأوروبي فرانك شتاينماير إلى قطاع غزة، وتفقّد خلالها الأوضاع هناك، وافتتح مشروعاً تنموياً بتمويل ألماني، وأطلق عناوين رؤية سياسية للموقف الأوروبي تجاه غزة.
منذ انتهاء العدوان “الإسرائيلي” الأخير على قطاع غزة صيف عام 2014م، وانكشاف حجم الدمار والقتل، وارتفاع مستوى المعاناة الإنسانية، وصل الأوروبيون إلى قناعة بضرورة تغيير مسار التعامل مع قطاع غزة، والبحث عن أسلوب آخر غير أسلوب العنف والحصار.
وجاء الموقف الأوروبي بسبب العوامل الآتية:
1- إن النتائج العسكرية على قطاع غزة كانت فاشلة.
2- إنه لا يمكن بالقوة تقويض حكم “حماس”.
3- إن حجم الدمار والخراب والقتل كان هائلاً، وهذا أحدث تأثيراً في المواقف الأوروبية التي باتت مجتمعاتها أقرب إلى الموقف الفلسطيني.
4- المنطقة ملتهبة بالكامل في سورية والعراق ومصر وليبيا واليمن، ولا حاجة لاشتعال عنف فلسطيني “إسرائيلي”.
5- الموقف الأوروبي الموحد يمكن أن يشجع على دعم الأفكار الأمريكية للتسوية، أو إطلاق مبادرة أوروبية خاصة، وهو ما أنجزته الدبلوماسية الفرنسية.
هذا المناخ دفع الدبلوماسيين الأوروبيين إلى إطلاق مبادرات متعددة عبر أكثر من مسار، ملخصها إقناع “الإسرائيليين” والفلسطينيين بتهدئة تستمر خمس سنوات، والبدء مباشرة بعملية الإغاثة، والإعمار، وفكّ الحصار.
عُرضت هذه الأفكار على “الإسرائيليين” وعلى القيادات الفلسطينية، وتحديداً على حركة “حماس”، وعمل رئيس اللجنة الرباعية الدولية توني بلير على الترويج لها.
ماذا كان جواب الفلسطينيين والإسرائيليين؟!
يلاحظ المراقبون وجود تبدّل مهم في الموقف “الإسرائيلي”، فالحكومة “الإسرائيلية” مقتنعة بصعوبة الحل العسكري في قطاع غزة، ومسألة الحصار وإغلاق المعابر أصبحت مسألة مزعجة لـ”الإسرائيليين”، وهم يواجَهون بردود فعل سياسية وشعبية دولية أينما ذهبوا.
كما أن التطورات الصعبة في المنطقة تخيف “الإسرائيليين”، وتجعلهم يذهبون باتجاه القبول بتهدئة في قطاع غزة، طالما أن هذه التهدئة لا تؤدي إلى اتفاق سلام جديد، أو اعتراف بالدولة الفلسطينية، وهي فكرة يمكن للحكومة الصهيونية الترويج لها بصفتها تقييداً للتحركات العسكرية لـ”حماس”.
وهنا نلاحظ قيام رئيس الكيان الصهيوني رؤوفين ريفلين بزيارة لمحيط قطاع غزة قبل أيام، وتشجيع ريفلين ونتنياهو الوزير الألماني على زيارة غزة من خارج جدول أعماله في المنطقة.
بدورها، فإن حركة “حماس” في تواصل سياسي مع الأوروبيين حول هذه الأفكار التي لم تتبلور بشكلها النهائي بعد، لكن “حماس” ترى أن لديها مصلحة في كسر الحصار، والبدء بالإغاثة، وعملية الإعمار، وفتح ميناء بحري، طالما أن التهدئة لا تلزمها بتغيير خياراتها السياسية الأساسية، وطالما أن هناك قبولاً فلسطينياً من جميع الأطراف بالأفكار الأوروبية.
حديث شتاينماير في قطاع غزة حول ألا تكون غزة منصة للصواريخ، والأمن مقابل التنمية، والبدء في استثمارات، وتغيير الواقع المأساوي، ومنع حروب جديدة، هي ليست مجرد تصريحات، بل هي أفكار مبادرة تنتظر الوقت والتفاصيل لإنجازها.