د. ونيس المبروك
ثورات الربيع وما حدث بعدها، تدعونا لإعادة قراءة فكر الأستاذ مالك بن نبي رحمه الله، أو فحص مقولاته النهضوية بعناية على أقل تقدير.
فالرجل ذهب مذهباً آخر في تشخيصه لمشكلات العالم الإسلامي، ولم يقف عند التفسيرات الشائعة في عصره؛ من أن الاستعمار، وضعف التنمية، والجهل.. هي سبب الأزمة التي يعاني منها العالم الإسلامي.
يرى هذا المفكر الإسلامي الفذ، أن الاستعمار والجهل والفقر هي نتائج لأسباب عميقة متجذرة في مجتمعاتنا التي تعاني تخلفاً مزمناً؛ فالعالِم يحملُ وزناً مساوياً للجاهل – أو يقاربه -وكلاهما يملك نفس التأثير في مجتمعاتنا المتخلفة، بل تأثير الجهلة والرويبضات قد يكون أبلغ وقعاً من غيرهم.
ولهذا لا يرى مالك بن نبي أن مشكلة التنمية تكمن في تكديس المال والمنتجات، أو أن مشكلة الجهل بنشر الكتاب وفتح المدارس، ولا مشكلة الاستعمار تُحل بخروج الجنود، والاحتفال بأعياد “الاستقلال”.
من ينظر بعمق في واقع العالم الإسلامي بصورة عامة، والدول العربية وما حل بربيعها، بصورة خاصة؛ يرى أننا مازلنا نرزح تحت الاستعمار الغربي! ولكن في نسخة “مطورة” تُعفي جيوش الاستعمار من مشقة عبور البحار، وتخدر روح المقاومة والجهاد التي مرت به الشعوب العربية في القرن الماضي.. أما مؤسسات المجتمع الدولي، ومنظمة الأمم المتحدة، فلم تعد أكثر من أداة وظيفية، في يد القوي (الفيتو) لتكريس هذه الهيمنة والاستعمار وتمرير نسخته “المطورة”، وتطبيع الشعوب على التسليم بقراراتها، وإن أضرت بسيادتها، وثقافتها، ودينها، ومقدراتها.
مازال المفكرون والعلماء وقادة العمل الإسلامي، يعيدون تشخيص الأدواء المعاصرة، وفق مناهج القياس القديمة، وأطرها المعرفية الجامدة، بعيداً عن سياقها الاجتماعي، والتاريخي، والدولي والإقليمي.. بل وتقدم لهذه المستجدات الحديثة علاجاً قديماً، يحمل نفس المكونات والمقادير، ولكن في غلاف براق جديد، يوهم السطحيين بأن هناك ثَمّ تجديد، وجديد.
هل كان مالك مخطئاً، عندما رفض معالجة “ظواهر” المرض، وتأكيده على أن التفكير في حل الأزمة الحضارية خارج إطار الإنسان هو مضيعة للوقت وتبديد للجهود وتشخيص خاطئ لطبيعة أزمتنا، أم صدق من قال: “لا يفتى ومالك في المدينة”؟