تعتبر عائلة الأسد وخاصة قريبه رامي مخلوف أحد رموز السلطة في سورية، الذي يقوم باستغلال نفوذه لتحقيق مصالحه، وقد صرّح هذا الأخير لصحيفة “نيويورك تايمز” عند حديثه عن السلطة في سورية، بعد فترة وجيزة من اندلاع الثورة السورية، قائلاً: نحن سنبقى هنا، ونحن ندعو بشار الأسد للمحاربة حتى النهاية، فنحن لا نعاني من هذه الحرب وحدنا هنا.
حيث يُعتبر رامي مخلوف من أحد الوجوه المعروفة في سورية؛ نظراً لأن خلال الأسابيع الأولى من الانتفاضة السورية، كان أحد رموز السلطة الذي هتف المتظاهرون باسمه ونعتوه بالسارق.
وهذا ما أثبتته وثائق بنما، بالتنسيق من الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين، حيث تمّ التوصل إلى ثروة من المعلومات الجديدة التي تُلقي الضوء على معلومات مهمة وسرية حول التمويل الخارجي والتهرّب الضريبي لبعض أبرز الوجوه السياسية العالمية.
وتحتوي “وثائق بنما” على وثائق سرية مسرّبة، ويصل عددها إلى 11.5 مليون وثيقة، لشركة “موساك فونسيكا” للخدمات القانونية في بنما، التي تملك منظومة مصرفية تجعلها ملاذاً ضريبياً مغرياً منذ عام 1977 حتى عام 2015م، وتعتبر هذه الحادثة من أكبر عمليات التسريب للمعلومات التي لم تستغل من قبل وسائل الإعلام سابقاً.
حيث كشف تسرّب تلك الوثائق أن شركة “موساك فونسيكا” تُقدم خدمات تتعلق بالحسابات الخارجية لرؤوس الدول وشخصيات عامة وسياسية أخرى، بالإضافة إلى أشخاص بارزين في الأعمال والشؤون المالية والرياضية لكي تساعدهم على التهرّب الضريبي وإخفاء بعض الأصول المالية وخرق العقوبات الدولية.
وعلى الرغم من نفي قريب بشار الأسد، محمد مخلوف، لكل تهم الاختلاس والثروات المنسوبة إليه بحكم القرابة التي تربطه بعائلة بشار الأسد، فإن صحيفة “فاينانشال تايمز” كشفت عام 2011م عن أن هذا الأخير يسيطر على 60% من الاقتصاد السوري.
واعتبر رامي مخلوف الرجل الرئيس في نظام بشار الأسد، فمنذ دخوله إلى العالم السياسي، اتخذت عملية نهب سورية منحى جديداً؛ حيث قام هذا الأخير بتطوير وتوسيع وخصخصة القطاعات الأكثر ربحاً في القطاع الخاص المزدهر لمدة 15 عاماً؛ منها الهواتف النقالة، السياحة، الطيران المدني، التلفزيون، العقارات، الأشغال العامة، الاستيراد التصدير والخدمات المصرفية، كما أنه كان محتكراً حتى عملية استيراد التبغ.
وحيث اعتُبر رامي مخلوف من مؤسسي النظام الرأسمالي في سورية، الذي أخرج البلاد من مصير الاشتراكية البعثية نحو مصير دولة استهلاكية، وكانت لعائلة مخلوف نظرة جديدة ليبرالية متشابهة تقريباً مع سياسة حافظ الأسد، الذي فرض تغيير سيارات المرسيدس في سورية وقام بحظر استيراد قطع الغيار ورفض التبادل التجاري مع ألمانيا.
ففي عام 2008م تمّ تجميد أرصدة رامي مخلوف في الولايات المتحدة من قبل مكتب مراقبة الأصول الأجنبية (أوفاك)، وقد أثبت هذا المكتب أن رامي مخلوف قام بالتلاعب بالنظام القضائي وباستخدام من المخابرات السورية لترهيب منافسيه في مجال الأعمال التجارية.
ويؤكد مكتب مراقبة الأصول الأجنبية أنه كان له دور أساسي ومسؤولية كبيرة في تفشي ظاهرة الفساد في النظام السوري، وذلك من خلال استعماله العديد من الأساليب الملتوية، وفي نفس هذه السنة، تمّ إضافة عدد من شركاته إلى”القائمة السوداء” للولايات المتحدة؛ أي الشركات التي ليس لها الحق في القيام بأعمال تجارية وتخضع للمحاكمة والمساءلة القانونية في الولايات المتحدة.
حيث تجاهلت شركة “موساك فونسيكا” التدابير التي اتخذتها شركة “أوفاك” ضد رامي مخلوف واختارت مواصلة التعامل مع رامي مخلوف، لكن في عام 2010م، أثناء تسجيل شركة “تقنيات دراكس سا”، واحدة من الشركات الرئيسة التي يمتلكها رامي مخلوف، أعربت “موساك فونسيكا” عن قلقها بشأن مشروعية وقانونية هذا التسجيل.
وفقاً للمراسلات التي دارت بين موظفي شركة “موساك” والتي استطاعت صحيفة “لوموند” الاطلاع عليها، أن رئيس قسم مراقبة تطابق الوثائق دعا إلى قطع الفوري للتعامل مع هذه الشركة، إلاّ أن موظفاً في مجموعة “موساك فونسيكا”، يُدعى كريس زولينجر، أصرّ أن هذه مجرد شائعات مغرضة وليست قائمة على وقائع أو تحقيق، ولا يوجد أي اتهام رسمي ضد رامي مخلوف.
وأضاف كريس زولينجر لدعم حجته بأن فروعاً في لندن وجنيف من البنك البريطاني مازالوا يتعاملون مع مخلوف وليس لديهم مشكلة معه، وكما أن التسريبات السويسرية التي نشرتها صحيفة “لوموند”، شملت العديد من أفراد أسرة مخلوف، لكننا مازلنا نتعامل معهم؛ وبالتالي يمكننا القبول بملكية مخلوف لشركة تقنيات “دراكس سا”، التي تتواجد في جزيرة نيوي في المحيط الهادئ.
لكن بعد بداية الثورة السورية التي اندلعت في مارس 2011م، تغيّرت العديد من المعطيات، وبعد العقوبات التي سلّطها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية بهدف معاقبة المسؤولين عن السياسات القمعية الدموية التي اتبعوها، في 10 مايو، اعتُبر رامي مخلوف من ضمن قائمة الـ13 شخصية رئيسة في النظام السوري الذين شملهم قرار تجميد أصولهم البنكية، ومنعهم من السفر إلى الاتحاد الأوروبي.
وبعد هذه العقوبات التي سُلطت على رامي مخلوف من قبل الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، قامت شركة “موساك فونسيكا” بإعادة النظر في قضية شركة تقنيات “دراكس سا”، حيث توقف زولينجر أخيراً، في سبتمبر 2011م، عن الدفاع عن موقف رامي مخلوف.
ورداً على سؤال صحيفة “زود دويتشه تسايتونج” الألمانية، اعترف كريس زولينجر خلالها أن تعليقاته بخصوص رامي مخلوف كانت خاطئة، وبأنه نادم عليها، مضيفاً أن “موساك فونسيكا” ليس لها تأثير على نوعية العمليات أو الأعمال التي تقوم بها شركة مخلوف.
وبالطبع مخلوف لم يكن هو الوحيد الذي التجأ إلى مثل هذا التهرّب الضريبي، بل كانت هذه الطريقة معتمدةً من قبل كل أفراد النظام السوري تقريباً، لخرق العقوبات الدولية التي فرضت عليهم منذ بداية الحرب والتي تهدف لإخفاء ثروات الأسد.
ووفقاً لتحقيق الاتحاد الدولي للمحققين الصحفيين، بالتنسيق مع صحيفة “وزود دويتشه تسايتونج” الألمانية وشركائها، أن ثلاثاً من الشركات السورية كانت معنية بالعقوبات التي سلّطتها وزارة الخزانة الأمريكية، وذلك بصفتهم أنصاراً لآلة القمع السورية، وكذلك لتورّطهم في إنشاء شركات وهمية بالتعاون مع شركة “موساك فونسيكا”.
حيث اتهمت كلاً من شركة بنغات الدولية، شركة ماكسيما للتجارة في الشرق الأوسط وشركة مورغان الصناعية بتوفير الوقود للطائرات العسكرية التابعة للنظام والمساهمة في التفجيرات العشوائية، التي أدّت إل مقتل عشرات الآلاف من المدنيين في هذا الصراع السوري.
وفي هذا السياق، تمّ إدراج هذه الشركات الثلاث على القائمة السوداء لوزارة الخزانة الأمريكية في يوليو 2014م، بعد الإثبات أن التبادلات بين شركة بنغات الدولية المتخصصة في المنتجات النفطية المكررة وشركة “موساك فونسيكا”، التي مقرها في دولة الإمارات العربية المتحدة، تعود إلى عام 1999م، وعندما قامت جزيرة إلينوي بإيقاف تعاملها مع شركة بنغات في عام 2012م، انتقلت هذه الشركة إلى دولة ساموا المستقلة ومن ثم إلى جزر سيشل.
وفي الختام، حافظت شركة “موساك فونسيكا” على إدارتها للشؤون القانونية لشركة بنغات الدولية، وذاك حسب ما كشفته وثائق بنما، على الرغم من العقوبات الأمريكية المُسلّطة على هذه المؤسسة منذ تسعة أشهر، حيث تواصل هذا التعامل حتى أغسطس 2015م.
المصدر:
http://abonnes.lemonde.fr/panama-papers/article/2016/04/04/syrie-comment-le-clan-assad-contourne-les-sanctions-internationales_4895313_4890278.html