قبل أن تحاول ملء إناء بماء طاهر، أفرغه أولاً وطهره مما به من ماء آسن، فالإناء المملوء لا يستقبل جديداً، بل يكون سبباً في تضييع كل ما تصبه فيه فيصبح هباء، والمسلم الذي ينتظر شهر رمضان ويحاول الاستعداد له قبله بستة أشهر للحصول على ذلك الزاد الإيماني والطاقة الربانية التي تكفيه بقية العام يجب عليه أولاً أن يتخلص مما علق بنفسه من أدران وعلائق أخلاقية لا تمت للإسلام ولا يصح أن يتسم بها مسلم اصطفاه الله عز وجل بما يحمله من منهج خاتم على الدين كله.
وتلك الأخلاق السلبية المكتسبة تتباين من فرد لفرد حسب البيئة والثقافة والالتزام والعلم، ولن أستطيع لها حصراً، وإنما فقط أذكر بعض الأمثلة منها وقياساً عليها يمكن أن يحاول كل مسلم على حدة أن يشخص داءه الداخلي ويحاول تنقية ذاته بذاته ليكون الإناء صالحاً لاستقبال روح جديدة في شهر الصيام والدعاء والجود والجهاد.
1- الخصومة
لقد جعل الله عز وجل أهم سمة للمحبين لله والمحب لهم سبحانه هي خفض الجناح بينهم واللين فقال تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا مَن يَرْتَدَّ مِنكُمْ عَن دِينِهِ فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ} [المائدة: 54].
والخصومة أمر بغيض إلى الله وإلى رسوله صلى الله عليه وسلم، روت عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: “إن أبغض الرجال إلى الله الألد الخصم” (رواه البخاري) ونعني بالخصومة هنا الخصومة في الباطل، فمن كان له حق فيجب أن يطلبه بل يلح في طلبه إلى أن يحصل عليه دون ظلم لخصمه أو إيذاء أو تشفٍّ.
2- إفشاء السر والوعد الكاذب
نهى الله عز وجل عن إيذاء المسلم بفعل أو قول، وأي شيء يؤذي المسلم مثل أن يودعك سره ثم تفشيه؟ وأي خيانة تعادل أن يثق بك إنسان ويبث لك ما يهمه – أنت دون غيرك – ثم تخونه وتهينه وتذهب وتروي عنه للآخرين وتكسر نفسه، فأي جريمة تلك التي فعلتها!
يقول النبي صلى الله عليه وسلم: “إذا حدث الرجل الحديث ثم التفت فهي أمانة ” (أخرجه أبو داود والترمذي وحسنه).
وأما الوعد الكاذب فيقول النبي صلى الله عليه وسلم فيما رواه عبدالله بن عمرو رضي الله عنهما قال: “أربع من كن فيه كان منافقاً ومن كانت فيه خلة منهن كان فيه خلة من النفاق حتى يدعها: إذا حدث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر” (متفق عليه).
3- الكلام فيما لا يعنيك
ومن أسوأ الآفات أن يتحدث المرء فيما لا يعنيه وهو محاسب على كل لفظ خرج من لسانه، فإن لم يتحصل من الكلام منفعة فهو إلى المفسدة أقرب.
ومن الكلام فيما لا يعنيك أن تلقى إنساناً ما فتسأله من أين وإلى أين؟ وربما هو لا يود أن يخبرك فيضطر أن يكذب أو أن يداري وبذلك تكون قد دفعته إما لفعل معصية أو للمشقة في الخروج من الموقف الذي وضعته أنت به بسبب سؤال لا يعنيك أن تعرف جوابه، ولهذا قال النبي صلى الله عليه وسلم: “من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه” (أخرجه الترمذي).
4- الحسد
وهو تمني زوال النعمة من المحسود وهو داء عضال ومرض لا يفسد الحاسد فقط وإنما تفسد معه المجتمعات وتضيع القيم والمروءة، فالحسد نار في القلب إذا اضطرمت أورثت الغل والحقد والمؤامرات، وهو في هذه الحالة كبيرة من الكبائر، يقول عليه الصلاة والسلام: “دب بينكم داء الأمم من قبلكم الحسد والبغضاء، هي الحالقة لا أقول: الحالقة التي تحلق الشعر، وإنما الحالقة التي تحلق الدين” (أخرجه الترمذي)، ويقول صلى الله عليه وسلم: “الحسد يأكل الحسنات كما تأكل النار الحطب” (أخرجه أبو داود).
5- الكبر
قال الله تعالى: {سأصرف عن آياتي الذين يتكبرون في الأرض بغير الحق} [الأعراف:146].
وفى الحديث الصحيح الذي أخرجه مسلم، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: ”لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر” وفي ”الصحيحين” عنه صلى الله عليه وآله وسلم قال: ”قالت النار: أوثرت بالمتكبرين”، وعنه صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال: ”يحشر الجبارون والمتكبرون يوم القيامة في صورة الذر، يطؤهم الناس لهوانهم على الله عز وجل” (حديث حسن رواه الترمذي).
6- الغضب
من يستطيع أن يطفئ نار غضبه؟ من يستطيع أن يملك نفسه؟ من يستطيع أن يكظم غيظه؟ من يستطيع أن يجعل حميته لله وحده؟ إن كنت أنت أخي المسلم تستطيع أن تكون ذلك فقد ملكت أمرك وأرضيت ربك وأطعت نبيك وخذلت إبليس عليه لعنة الله قال الله تعالى؛ {إذ جعل الذين كفروا في قلوبهم الحمية حمية الجاهلية فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين} [الفتح:26].
ومن أهم أسباب الغضب هو الحمية والاعتداد بالنفس والكبر والعجب والأمر يحتاج في التخلص من تلك الصفات الرذيلة إلى جهد ومشقة واتصال بالله عز وجل وملازمة لأهل العلم وأهل التقوى والدعاء.
7- الغيبة
إذا كنت ممن يحب أن يأكل لحوم البشر أمواتاً فأنت ممن نتحدث هنا عنه.. هكذا هي الغيبة والتي معناها “ذكرك أخاك بما يكره” وهكذا هو أمرها البشع، يقول الله عز وجل: {وَلَا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ} [الحجرات:12]، وقال عليه الصلاة والسلام: “كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه” (أخرجه مسلم).
8- النميمة
يقول صلى الله عليه وسلم: “لا يدخل الجنة نمام” (رواه مسلم).
وقال صلى الله عليه وسلم: “ألا أخبركم بشراركم” قالوا: بلى، قال: “المشاؤون بالنميمة المفسدون بين الأحبة الباغون للبرآء العنت” (رواه البخاري في الأدب المفرد).
9- الشح
ذم الله عز وجل الشح، والنبي صلى الله عليه وسلم كان جواداً وكان في رمضان في جواده كالريح المرسلة، والصحابة رضي الله عنهم لم يعرف عنهم البخل والشح ولم يذكر التاريخ أحداً من البخلاء بخير ولا أحداً يحب البخيل الشحيح، يقول تعالى: {وَمَن يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {9}} [الحشر:9]، وقال تعالى: { وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللّهُ مِن فَضْلِهِ هُوَ خَيْراً لَّهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَّهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُواْ بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ} [آل عمران:180].
وقال صلى الله عليه وسلم: “إياكم والشح فانه أهلك من كان قبلكم حملهم على أن سفكوا دماءهم واستحلوا محارمهم” (أخرجه مسلم).
10- الفحش والسب وبذاءة اللسان واللعن
يقول عليه الصلاة والسلام: “إياكم والفحش فإن الله تعالى لا يحب الفحش ولا التفحش” (أخرجه النسائي).
ومن ذا يحب السباب البذيء في كلماته وتصرفاته وقال صلى الله عليه وسلم: “ليس المؤمن بالطعان ولا اللعان ولا الفاحش ولا البذيء” (رواه الترمذي والحاكم وغيرهما).
والفحش هو التعبير عن الأمور المستقبحة بألفاظ وعبارات صريحة وأكثر ما تقال في الأسواق وبين العامة والجهال أما أهل التقي والصلاح فيتحاشون الحديث بها أو حتى سماعها فيعفون ألسنتهم وأذانهم عن الوقوع في الابتذال.
المصدر: موقع “بصائر تربوية”.