الشهامة والمروءة صفتان أصيلتان من صفات العرب، فلا تكاد تجد عربياً إلا واتصف بهما، ولقد جاء الإسلام بالأخلاق الفاضلة التي تهذب هاتين الصفتين وتؤكدهما، والرجل الشهم هو رجل ذكيُّ الفؤاد، طيبُ النفس، حسن العشرة، صاحب مواقف طيبة وأخلاق نبيلة، ومن مواقف الشهامة التي ذكرت في القرآن الكريم، قول الحق سبحانه وتعالى: ﴿ وَلَمَّا وَرَدَ مَاء مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِن دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاء وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ {23} فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ {24}﴾ (القصص)، وفي هاتين الآيتين الكريمتين بيان شهامة موسى عليه السلام، حيث تحركت فيه عوامل الشهامة والمروءة حينما لاحظ ضعف المرأتين وقل حيلتهما بين الرعاة، فهب لنجدتهما، وسقى لهما، ثم تولى عنهما دون انتظار شكر أو ثناء منهما.
أما نبينا الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فمن يقرأ سيرته العطرة يدرك حقاً كيف كان صلوات ربي عليه شهماً شجاعاً ذا مروءة لا توصف صلوات ربي وسلامه عليه، ففي السيرة النبوية لابن هشام أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في خطبته يوم الفتح: “يا معشر قريش، ما ترون أني فاعل فيكم؟ قالوا: خيراً، أخ كريم، وابن أخ كريم، قال: اذهبوا فأنتم الطلقاء” (ابن هشام – “السيرة النبوية”- ج 4 – ص 412).
وذلك من حسن خلقه، وشهامته، ورغبته في هدايتهم، فإنَّ الشهامة ومكارم الأخلاق مع الأعداء، لها أثر كبير في هدايتهم، وبيان سماحته صلى الله عليه وسلم وسماحة الدين الذي يدعو إليه.
وقد ضرب أهل الكويت الكرام أمثلة رائعة تدل على شهامتهم ومروءتهم، وهذا ما سوف نستعرضه في ذكر إحدى هذه القصص الواقعية والتي كان بطلها التاجر صالح علي الشايع التي أوردها العم عبدالعزيز محمد الحمود الشايع في كتابه “أصداء الذاكرة” (ص 111-113) قائلاً:
وأضرب المثال التالي للتدليل على الخصال التي يتمتع بها التاجر الكويتي وحرصه على سمعته في المجتمع التجاري الهندي، فقد كان هناك تاجر خليجي كبير يتعامل مع أحد التجار الهنود الكبار، ومن مقادير الله سبحانه أن كانت صفقتهما تتطلب وجود مبلغ نقدي كبير لدى التاجر الخليجي الذي لم يكن يملكه في بومباي لحظتها، فطلب التاجر الخليجي من نظيره الهندي تسديد عربون بما يساوي 25% من قيمة الصفقة على أن يحول له المبلغ كاملاً عندما يصل إلى بلده، فأخبره التاجر الهندي بأنه لا يوجد مانع لديه لو كفله الشايع، وفي البداية تردد الخليجي وحاول إقناع الهندي بقدرته على تحويل المبلغ له بدون كفالة، غير أن الهندي أصر على أن يكفله الشايع في هذه الصفقة، وعندها قطع الخليجي تلك المفاوضات وزار الأخ صالح الشايع في المكتب وروى له القصة، فما كان من الأخ صالح سوى الاتصال بالتاجر الهندي وأخبره أن أحوال التاجر الخليجي جيدة وهو شخص محترم، فطلب التاجر الهندي من الأخ صالح أن يكفله، فقال صالح: كيف أكفله وهو أغنى مني؟ فما كان من التاجر الهندي إلا أن قال لصالح التالي: أريد كلمتك وهي بالنسبة لي الضمان الكافي، وبدون تردد منحه صالح الكلمة، ونجحت الصفقة وسار كل شيء على ما يرام.
يستكمل في المقال القادم بإذن الله.
WWW.ajkharafi.com